سياسةمقالات

خطابات عالية النبرة لا تساعد بالوصول إلى تسوية رئاسية

بينما تبذل مساع حثيثة لإخراج التأزم من عنق الزجاجة المحكمة، ترتفع أصوات الخطابات الرنانة من هذه الجهة او تلك، ومضمونها كلام يعرقل الوصول الى الحل المنشود، وفي هذه الخطابات شروط تعجيزية لا يتحملها الواقع المرير الذي يعيشه لبنان من كل الجوانب.

من الواضح أن نبرة بعض الخطابات القاسية من الفريق الممانع – لاسيما خطاب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد – تستهدف رفع سقف الشروط أمام اجتماع باريس المخصص لبحث الأزمة اللبنانية بحضور مندوبين عن فرنسا والولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية ومصر وقطر، وأهم أهداف الاجتماع، الدفع باتجاه إيجاد حل لمشكلة الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية، لأن عملية انتخاب رئيس جديد متعثرة منذ أكثر من 4 اشهر، ومجلس النواب اللبناني أخفق خلال 11 جلسة عقدها منذ بداية سبتمبر الماضي في انتخاب رئيس، ونواب محور الممانعة يلجأون لتعطيل النصاب في الجلسات التي تلي الجلسة الأولى، لأنه في الجلسات التالية يمكن انتخاب الرئيس بالنصف زائد واحد من عدد النواب، بينما في الجلسة الأولى يجب أن يحصل الرئيس على ثلثي الأعضاء ليفوز بالمنصب.

خطاب رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل أمام مؤتمر الحزب نهار الجمعة الماضية، كان مستغربا لناحية إعلانه جهارا أنه مع حلفائه سيعملون على تعطيل نصاب جلسات مجلس النواب، إذا كانت ستؤدي الى انتخاب رئيس موال لحزب الله. بينما كل المعطيات تؤكد أن المرشح سليمان فرنجية المدعوم من الحزب لن يستطيع الحصول على 65 صوتا، وهو العدد المطلوب لانتخاب رئيس في الدورة الثانية، واحتمال وصول رئيس غير موال للحزب بهذا العدد أكثر ترجيحا. والجميل بهذا الإعلان أعطى لحزب الله براءة ذمة سياسية عن تعطيله نصاب الجلسات التي عقدت قبل اليوم.

يبذل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط جهودا للوصول الى تسوية تسمح بانتخاب رئيس وسطي قادر على إدارة المرحلة وتوقيف الانهيار وقيادة مسيرة الإصلاح، وفق الخطوط العريضة التي يتفق عليها الجميع على أنها ضرورية للبدء في خطة التعافي، ومنها خصوصا الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لاستعادة الثقة المفقودة. وقد تجاوز جنبلاط بعض التزاماته السياسية، ومنها الاستعداد للتخلي عن مرشحه مع حلفائه النائب ميشال معوض من أجل الخروج من المأزق الذي تعيشه البلاد، وهو طرح أسماء لمرشحين لا يستفزون أي طرف، لكن هذه الأسماء – بمن فيهم قائد الجيش – يمكن تصنيفها من ضمن الفريق السيادي، وهي مؤهلة لتدوير الزوايا بهدف الإنقاذ حاليا، على أن يتم بحث القضايا الخلافية الشائكة في مرحلة لاحقة، لاسيما منها الخطة الدفاعية التي تهدف الى حصر أمرة السلاح بيد الجيش والقوى النظامية اللبنانية.

بعض القوى يستهويها الانتحار السياسي، برغم أنها هي ذاتها جربت مآسي الحسابات الخاطئة في الماضي البعيد، وفي الماضي القريب، وأدت مغامراتهم الى ويلات وخراب. والحسابات الانتحارية ليست حكرا على تيار الرئيس السابق ميشال عون، بل هناك أحزاب أخرى تنحوا في هذا الاتجاه من وقت لآخر، وتعود للسير فوق الحفرة ذاتها رغم سقوطها فيها في مرات سابقة.

بالمقابل، فإن قلة المرونة التي تتعاطى بها قوى الممانعة في الاستحقاق الرئاسي، تشبه الانتحار ايضا، ذلك أن البيئة الحاضنة لهذه القوى تئن تحت وطأة الفقر والعوز والهلاك من جراء الانهيار المالي الحاصل. والحقائق الدامغة تؤكد مسؤولية هذه القوى عن غالبية ما وصل اليه لبنان من ترد، لأنها كانت ومازالت تتحكم بالمسار السياسي في البلاد، ومنذ ما يقارب 8 سنوات على أقل تقدير.

الخطابات العالية النبرة – ومن أي جهة جاءت – لا تساعد في عملية الإنقاذ التي ينتظرها اللبنانيون، بعدما أنهكتهم سياسة الاستهتار والتعطيل والإخفاق الإداري في السنوات الماضية

المصدر
ناصر زيدان - الأنباء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى