مقالات

قصفٌ فرنسيّ على الحزب: من المرفأ إلى المخدّرات

بدأت الهجمة الأوروبية المرتدّة على إيران تتوسّع. ويبدو أنّ حصّة لبنان منها ستكون كبيرة، على قدر ما هي كبيرة حصّة إيران في لبنان. وعلى طريقة “وين بيوجعك”، كما نقول باللهجة اللبنانية.

وما الوثائقيّ الفرنسي الذي ستعرضه قناة France 5 الفرنسية، الحكومية، إلا جزء من هذه الهجمة الكبيرة. وفي الآتي محاولة لفكّ شيفرة هذا الوثائقي، بناءً على قراءة متابعين لكواليسه السياسية:

1- العنوان: “المكتوب يُقرأ من عنوانه”. وعنوان الوثائقي هو التالي: “حزب الله: التحقيق الممنوع”. والمقصود التحقيق في تفجير مرفأ بيروت قبل 3 سنوات، في 4 آب 2020، وفي علاقة الحزب بعالم تجارة المخدّرات.

2- التوقيت: تاريخ بثّ الجزء الأوّل من هذا الوثائقي، الذي يدين حزب الله بشكل مباشر، هو “توقيت سياسي”، لا يختلف كثيراً عن “المضمون” السياسي: 5 شباط. قبل يوم واحد من اجتماع باريس الخماسي، الذي سيضمّ ممثّلين عن 5 دول معنيّة بالشأن اللبناني، هي: فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية، المملكة العربية السعودية، جمهورية مصر العربية، ودولة قطر، وسيُعقد صباح الإثنين المقبل، بعد ساعات فقط من عرض الوثائقي.

بدأت الهجمة الأوروبية المرتدّة على إيران تتوسّع. ويبدو أنّ حصّة لبنان منها ستكون كبيرة، على قدر ما هي كبيرة حصّة إيران في لبنان. وعلى طريقة “وين بيوجعك”، كما نقول باللهجة اللبنانية

يُبثّ الوثائقي أيضاً بعد أسبوع من “هبوط” المحقّق العدلي في قضية تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار على العدلية، وإعلانه “ألوهته” القضائية، وقدرته على “فكّ المسحور” وعشرات قرارات الردّ وكفّ اليد بحقّه. وطبعاً قبل أيام من إصداره القرار الظنّيّ في القضية. أي أنّه توقيت “بيطاريّ” أيضاً.

3- التأجيل: الوثائقي أُنجز قبل فترة ليست قصيرة، لكنّ توقيت العرض ظلّ بيد خفيّة، بانتظار اللحظة السياسية المناسبة.

4- الإعلان الترويجي: يقول الإعلان الترويجي للفيلم إنّ العمل عليه استغرق “عامين من التحقيق في الشرق الأوسط والولايات المتحدة وأوروبا، وعشرات الساعات من المقابلات والأرشيفات الحصرية…”.

تمويل فرنسيّ حكوميّ استخباراتيّ

5- “الرسول هو الرسالة: The medium is the message”، هي نظرية للفيلسوف الكندي مارشال ماكلوهان، يمكن اختصارها بأنّ طريقة توصيل الرسالة ونقلها هي الجزء الأكبر من مضمون الرسالة. وقناة France 5، التي ستعرض الوثائقي، مملوكة من الحكومة الفرنسية.

إنجاز الفيلم كان بطلب مباشر من DGSE، وهي المديرية العامّة للمخابرات الخارجية، التي يرأسها برنارد إيمييه، أحد المكلّفين بالملفّ اللبناني في فريق الرئيس إيمانويل ماكرون. وبالتالي فإنّ إنجاز الفيلم وتمويله وتوجيهه هي جزء من السياسة الخارجية لفرنسا ولماكرون نفسه.

6- المُخرج: أخرج الفيلم جيروم فريتيل، وتشاركه اللبنانية صوفي عمارة. اشتهر فريتيل بفيلمه الوثائقي “غولدمان ساكس: البنك الذي يدير العالم” في 2012، وحاز جوائز عديدة، بعدما فضح خفايا هذا المصرف وقدراته على التحكّم بدول واقتصادات و”إدارة العالم”.

7- المضمون: يقول الإعلان الترويجي إنّ ضبّاط شرطة مكافحة المخدّرات الأميركية كشفوا “التمويل السرّي لمنظمة إجرامية بلا حدود، مافيا حقيقية، مموّلة جزئيّاً من تجارة المخدّرات الدولية”، وهي حزب الله، و”لأوّل مرّة يروي هؤلاء الضبّاط تسلّلهم إلى قلب الحزب، وكبار قادة الحزب يوافقون على فتح الأبواب لكاميرا غربيّة…”.

8- الإعداد والتنفيذ: أكّد مسؤولون في حزب الله، ضمن مجالس خاصّة، أنّ المعدّين استطاعوا الحصول على مقابلات مع مسؤولين في الحزب، أبرزهم نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، وذلك عبر مقابلات تتعلّق بمواضيع أخرى تمّ خلالها تمرير أسئلة استُعملت في الوثائقي.

9- سياسيون وأمنيّون: في الفيلم مقابلات مع سياسيين لبنانيين، ظهر منهم النائب مروان حمادة، الذي تعرّض لمحاولة اغتيال في 2004. كذلك عرض وجوه مَن قال إنّهم “مسؤولون أمنيّون أميركيون”، من دون الإعلان عن هويّاتهم.

هجمة أوروبيّة مرتدّة

10- السياق السياسي: إذا استكملنا تفكيك شيفرة “الرسالة” الأوروبية، الفرنسية تحديداً، سنجدها شديدة الوضوح:

– تدهورت العلاقات بين أوروبا وإيران في الأشهر الأخيرة. كييف “غيّرت كلّ الموضوع”. قبل اعترافها في تشرين الثاني الماضي بأنّها أرسلت مسيّرات تدميرية إلى روسيا التي استعملتها في تدمير بنية تحتية أوروبية في مدن أوكرانية، كانت إيران لا تزال “مدلّلة” أوروبا، من مفاوضات فيينا إلى استثمارات “توتال” في إيران والعراق، وليس انتهاءً بشهر العسل الماكرونيّ – الحزب اللهيّ في بيروت.

– تصاعدت حدّة تصريحات المسؤولين في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا ضدّ نظام الملالي. وفي كانون الأوّل 2022 فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مئات الكيانات والشخصيات والمؤسّسات الرسمية الإيرانية. وهو قاب قوسين أو أدنى من تصنيف الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب.

– في كانون الثاني وصل قضاة أوروبيون إلى بيروت واستمعوا إلى مديري مصارف في إطار تحقيقات تتّصل بثروة حاكم مصرف لبنان وباحتمال وجود علاقة لمصارف بتبييض أموال بين لبنان وأوروبا، في سياق “هجوم” قضائي على “الطبقة السياسية – المصرفية” في لبنان.

– في هذا الوقت كان الأميركيون يعيشون “ليالي الأنس” خارج فيينا، مع الإيرانيين، من ترسيم الحدود بين إسرائيل ولبنان في بيروت بموافقة إيرانية في تشرين الأوّل الماضي، إلى التفاهم مع رئيس حكومة العراق، الإيرانيّ الهوى، محمد شيّاع السوداني، وإعلانه عبر جريدة أميركية هي “وول ستريت جورنال”، أنّ “من الضروري بقاء القوات الأميركية في العراق”. هو الذي جاء على متن صفقة بدأت بالترسيم، ثمّ أخرجت بعد ساعات سلفه مصطفى الكاظمي من الحكم. هو القريب من العرب والمحور الخليجي، والذي تمّ تعيينه لفضّ “استحالة سياسية” عراقية، عقاباً للعرب والخليج على رفضهم خفض الإنتاج النفطي في “أوبك بلاس”.

أكّد مسؤولون في حزب الله، ضمن مجالس خاصّة، أنّ المعدّين استطاعوا الحصول على مقابلات مع مسؤولين في الحزب، أبرزهم نائب الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم، وذلك عبر مقابلات تتعلّق بمواضيع أخرى تمّ خلالها تمرير أسئلة استُعملت في الوثائقي

أين التقت أوروبا وأميركا؟

تسارعت التطوّرات في الأسبوع الأخير:

– ليل 28 كانون الثاني الماضي قصفت طائرات مسيّرة مصانع أسلحة في قلب أصفهان، عاصمة السلاح الإيراني. ونشرت جرائد أميركية أنّ الفاعل هو إسرائيل.

– صباح 29 كانون الثاني، بعد ساعات فقط، قصفت طائرات مجهولة (أميركية على الأرجح) قافلة إيرانية قال الإعلام الإيراني إنّها “محمّلة بالموادّ الغذائية”، والإعلام الخصم قال إنّها قافلة أسلحة. وتمّ القصف على حدود سوريا والعراق من جهة سوريا.

– وقبل أيّام بدأ بثّ الإعلان الترويجي للوثائقي الفرنسي. ووزير لبناني سابق، وثيقة الصلة بالفرنسيين، قال إنّ “التصوير تمّ قبل أكثر من عام ونصف العام تقريباً، ويومها كانت العلاقات بين إيران وفرنسا في أحسن حالاتها، وكنّا نعاتب الفرنسيين على الارتماء في الحضن الإيراني. وجزء كبير من الوثائقي يدور حول مافيا المخدّرات وليس سياسياً”. وأضاف: “أيّ تحقيق يخصّ حزب الله أو يتّهمه لن يصل إلى أيّ نتيجة في لبنان، ولولا المحكمة الدولية لما استطاع التحقيق أن يسمّي منفّذين من الحزب”، متوقّعاً أنّ “يثير الوثائقي الفرنسي ردّة فعل من حزب الله”، ومعتبراً أنّ “المعركة الأوروبية الحقيقية هي في القضاء اللبناني والأوروبي وليس في الإعلام”.

وليل أمس خرجت صوفيا عمارة على شاشة mtv لتؤكد أنّ الفيلم انطلق من زاوية “العدالة الممنوعة والإفلات من العقاب”. ووضعت هدفاً جديداً للفيلم، لكن غير مفهوم، وهو “كسر النظرة الأحادية للكاوبوي الأميركي” ووعدت: “ستكتشفون لماذا تمّ إفشال هذا التحقيق أيضاً”.

هذا الكلام لا ينفي أنّ الأجندة الأوروبية والأجندة الأميركية التقتا في أصفهان. فالقصف الإسرائيلي، بضوء أخضر أميركي، تلاقى مع التصعيد الأوروبي.

قد تكون التوقّعات السياسية أعلى بكثير من الوقائع الواردة في الفيلم… وقد يكون العكس.

الجواب في وثائقي من ثلاث حلقات، ستُبثّ ليل غدٍ الأحد الحلقة الأولى منه، الساعة 8.55 ليلاً، في وقت ذروة المشاهدة في العالم.
شدّوا الأحزمة، الفرنسيون يضربون الضاحية، من المخدّرات.. إلى المرفأ.

المصدر
محمد بركات- اساس ميديا

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى