عربي ودوليمقالات

قصر الأمير يوسف “تحفة معمارية” في جنوب مصر تعود للحياة

 

على ضفاف نهر النيل بمدينة نجع حمادي في محافظة قنا (جنوب مصر) يقع قصر الأمير يوسف كمال، أحد أجمل القصور العلوية (المنتسبة إلى أفراد من أسرة محمد علي باشا) المسجلة على قوائم وزارة الآثار، وأشرف على بنائه المهندس الإيطالي أنطونيو لاشياك الملقب بمهندس السرايات الخديوية، وانعكس الحس الفني لشخصية الأمير على روعة أقسامه وتصاميمه التي تجمع بين الطرازين الأوروبي والإسلامي، وخضع القصر لعملية ترميم واسعة تكلفت 31 مليون جنيه مصري (مليون و50 ألف دولار أميركي) عام 2019 مما أعاد الحياة له من جديد، ليفتح أبوابه للزيارات الجماهيرية والسياحية.

لمحة تاريخية

حول صاحب القصر، ذكر بسام عبدالحميد، الباحث في تراث صعيد مصر، أن “الأمير يوسف كمال هو أحد أثرياء الأسرة العلوية واشتهر بحبه للفنون والجغرافيا، فهو أول من أسس مدرسة الفنون الجميلة عام 1905، وكان من عشاق صيد الوحوش المفترسة وشد الرحال إليها بغابات أفريقيا والهند، ليعود محملاً بجلودها ورؤوسها لتزيين قصوره المتعددة، كما حرص على ترجمة مئات الكتب الفرنسية في مجالي الجغرافيا والتاريخ إلى اللغة العربية”.

وأضاف بسام “الأمير يوسف كمال صنف على رأس قائمة أثرياء مصر عام 1934 بثروة قدرت بـ10 ملايين جنيه، حيث كان يمتلك 17 ألف فدان زراعي، لذا عاش الأمير المترف حياة يملأها البذخ، فقرر أن ينشئ قصراً يستخدمه كمشتى سنوي له على ضفاف نيل الصعيد، تحت أشعة الشمس الدافئة، بحثاً عن الهدوء والتأمل والصيد، لذا أنفق على تصميمه ومقتنياته بسخاء وكأنه قصر ملكي”.

أشار بسام إلى أنه من المتواتر عن زيارات الأمير يوسف كمال لمدينة نجع حمادي أنه كان يقيم حفلات كبرى سنوياً لدائرة أصدقائه ومعارفه بجانب الأمسيات الأدبية والشعرية وحفلات الإنشاد الديني، وكان يطلق على قاعة الموسيقى داخل القصر اسم “ابن الفارض” مما يعكس نزعة صوفية كانت لديه، إذ كانت تلك الشخصية من أبرز شعراء الصوفية الملقب بسلطان العاشقين.

تحفة معمارية نادرة

عاطف السعداوي أستاذ الآثار الإسلامية بجامعة جنوب الوادي، قال إن “القصر أقيم عام 1908 على مساحة 10 أفدنة، ليتكون من تسع وحدات معمارية تضم قصر السلاملك والقصر اليوسفي والمطبخ وقاعة الطعام والفسقية والمسجد وضريح الشيخ عمران والمئذنة وقاعة الدرس والسبيل، كما يجمع تصميم القصر بين الطرازين الإسلامي والأوروبي، وبني بالطوب الآجر واستخدمت مواد بناء خاصة مكونة من الحمرة والجير، ودخل الخشب بأنواعه الراقية في غالب الأسقف والجدران، وصممت الأرضيات من الرخام والجص والبلاطات الخزفية الملونة والفسيفساء الرخامية المستوردة من أوروبا”.

وأضاف عاطف “القصر يعكس الحس الفني للأمير الفنان يوسف كمال العاشق للفنون الجميلة لما يجمعه من تحف فنية ونوافير ومقتنيات نادرة، فالقصر اليوسفي له أربع واجهات مزينة بالخزف من الخارج ويتكون من طابقين وبدروم. ويضم القصر أول أسانسير خشبي بالصعيد صنعه الأمير يوسف كمال خصيصاً لوالدته المريضة بالقلب، كما ضم القصر من الخارج إسطبلاً واسعاً للخيول التي كان يستخدمها الأمير في التنقل داخل منطقة نجع حمادي الزراعية لمتابعة حيازاته الزراعية الشاسعة”.

وتابع “القصر يضم مبنى لقاعة الطعام، بها أوان مميزة مستوردة من فرنسا وإيطاليا وبلجيكا، وخارج قاعة الطعام على بعد أمتار يقع مسجد القصر الذي يضم ضريح الشيخ عمران أحد الصالحين بنجع حمادي، وتعلو المسجد مئذنة قصيرة وقاعة للدروس على شكل مربع”.

أشار عاطف إلى أن الأمير يوسف كمال كان عاشقاً لجمع التحف، كما أسهمت بعض مقتنياته الخاصة في تأسيس متحف الفن الإسلامي بناءً على وصيته الخاصة قبل وفاته عام 1965، مع ذلك ما زال القصر يعج بمئات المقتنيات النادرة.

ترميم شامل

من جهته أوضح مدير آثار قنا أيمن هندي أن “قصر الأمير يوسف كمال خضع لعملية ترميم شاملة تكلفت 31 مليون جنيه مصري (مليون و50 ألف دولار أميركي) أسهمت فيها وزارتا الآثار والتخطيط، وتضمنت رفع كفاءة العناصر المعمارية، وإزالة التعديات الحديثة، وتنظيف وترميم الجدران، وتعقيم الأسقف الخشبية ورفع الرديم بحدائق القصر، وتركيب نظام إضاءة حديثاً وشبكة إطفاء آلية وكاميرات مراقبة تحمي القصر من أخطار السرقة”.

IMG-20230111-WA0075.jpg

إحدى قاعات قصر الأمير يوسف ويظهر فيها أثر الفن الإسلامي

وأضاف هندي “القصر يعرض 500 قطعة نادرة من مقتنيات الأمير يوسف كمال اشتراها من لندن وبلجيكا، لذا تم تصميم عرض متحفي يركز على قصة القصر واهتمامات صاحبه الفنية والأدبية كرحالة وجغرافي شهير أسهم في الحياة الثقافية المصرية عن حب وموهبة”.

مطالب بخدمات سياحية

طالب حسين الهواري أحد أبناء مركز نجع حمادي بإقامة استثمارات سياحية حول قصر الأمير يوسف كمال تشجع شركات السياحة على إدراج زيارة القصر على برامجها السياحية، نظراً إلى عدم وجود فنادق سياحية كافية حول الفندق وخدمات ترفيهية سياحية من شأنها جذب السائحين.

ويناشد مواطنو نجع حمادي وزارة النقل بإقامة مرسى سياحي على نهر النيل أمام القصر بهدف جذب الرحلات النيلية الوافدة من أسوان والأقصر وسوهاج، مما سيعزز فرص الاستثمارات داخل المدينة، ويضع القصر على الخريطة السياحية بشكل جاد، فعلى رغم افتتاحه للزيارة السياحية والجماهيرية، فإنه لا يستقبل سوى الرحلات العلمية لكليات الآثار والهندسة وبعض زيارات المثقفين والأهالي.

المصدر
independentarabia

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى