إقتصاد

بوالص التأمين … اللبنانيون في جلجلة الطبابة

ما بين أولوية التأمين الصحي وارتفاع كلفته، يقف المواطن اللبناني في حيرة من أمره ويختار بين الاقتطاع من نفقات غذائه للتأمين على صحته، أو تركها “ربّانية” دون تأمين صحي بسبب كلفته التي لم تعد في متناول الكثيرين.

في حين ترتفع أسعار جميع السلع ومع الدولرة التي يسير نحوها لبنان، ترتفع أيضاً أسعار عقود التأمين، وإن كانت بالدولار الفريش، لأسباب عديدة. الصدمة في عدد اللبنانيين المؤمّنين في شركات التأمين، البالغ 400000 فرد فقط، والذي يدلّ على كارثة في ظل تراجع تغطية الجهات الضامنة التي لا تزال تعتمد سعر صرف 1500 ليرة.

أليكس، أب لعائلة مؤلَّفة من زوجة وطفلة، يقول أنّ بوليصة التأمين التي اشتراها تفرض عليه عدداً معيناً من المستشفيات التي يمكنه وعائلته أن يقصدها للاستشفاء. وللمصادفة، حينما اقترب موعد ولادة زوجته، اضطرت إلى تغيير طبيبها الذي كان يعمل في مستشفى غير معتمد من شركة التأمين، لكونه أحد أغلى المستشفيات في بيروت. لكن منذ أن دفع أليكس البوليصة بالدولار الفريش كاملاً، لم يواجه أي مشكلة لناحية التغطية، وقد دفع 2600 دولار فريش لتأمينه وعائلته لمدة سنة، و”هو مبلغ ليس بقليل بالنسبة إليّ”.

وبرأيه، “التأمين الصحي بات من الأولويات الأساسية بسبب ما نشهده ونسمعه في المستشفيات وارتفاع فاتورة الاستشفاء، وخصوصاً بوجود طفل في المنزل”. ورغم أنّ تسديد هذا المبلغ في بداية العام لم يكن سهلاً أبداً عليه، فضّله على العديد من النفقات الأخرى لكي يحمي نفسه وعائلته. وعندما اشترى بوليصته العام الماضي، لم يكن هناك أي تسهيلات بالدفع من قِبل شركة التأمين.

أمّا ريما، فتروي أنّها تعيش “على السبحانية”، فهي ليست مضمونة ولا مؤمَّنة. منذ شهرين حاولت البحث عن شركات تأمين تعطيها عرضاً مقبولاً لبوليصة تأمين لتؤمّن والدتها التي تجاوزت الـ50 عاماً لكونها أصبحت معرّضة أكثر للإصابة بالأمراض. بعد تواصلها مع شركتين، فقدت ريما الأمل من إيجاد أسعار معقولة، فأقلّ بوليصة تبدأ من 800 دولار ولا تشمل جميع التغطيات والخدمات والمستشفيات. “فالمبالغ التي تطلبها شركات التأمين للبوالص هي فعلاً باهظة ولا يمكن تسديدها في ظل الأزمة الحالية”. وحتى لإيجاد عرض مناسب لها وهي بعمر 30 عاماً، فإنّ السعر لم يختلف كثيراً عن 800 دولار.

الى ذلك تتحدّث ميرا، وهي شابة من عائلة مكوَّنة من 5 أفراد. أبوها تخطى عمره 70 عاماً وأمّها 60 عاماً، وهي وأختها 30 عاماً وأختها الصغرى 23 عاماً. ومن المعلوم أنّ معيار العمر في بوالص التأمين هو معيار أساسي لتحديد سعر البوليصة، لأنه كلّما تقدّم الشخص في العمر، كانت تكلفة تأمينه الصحي أعلى. لذلك، فإنّ مجموع التأمين الصحي لهذه العائلة في شركة تأمين خاصه يبلغ حوالي 11300 دولار.

كيف تغيّر نمط تأمين اللبناني؟

دفعت الأزمة المالية الناس إلى تغيير نمط التأمين الخاص بهم أو التنازل عنه عبر تغيير بعض التغطيات أو الدرجات الاستشفائية واعتماد نمط مصغَّر من المنتجات التأمينية الأخرى بما يتناسب مع ميزانية وحاجة كل فرد. لكن في الوقت نفسه، جعلت جزءاً من الناس يتحوّل إلى شركات التأمين لتعويض نقص خدمات الدولة الاستشفائية مثل الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة وتعاونيات الدولة، هذا ما يؤكّده مدير الصحة والحياة في شركة Arope للتأمين، جورج محفوض. فالمواطن يفضّل دفع أمواله لدى شركات التأمين بدلاً من تسديده كفارق لفاتورة الاستشفاء عبر الضمان.

وزيادة في الطّلب على تأمين الأشخاص الكبار في السّن الذين كانوا مضمونين في جهات ضامنة في القطاع العام، ويلجؤون اليوم إلى شراء بوالص تأمين جديدة. لكن تواجه الشركات صعوبة في قبول عقود تأمين جديدة لأشخاص متقدّمين في السن يعانون من أمراض مزمنة ويخضعون للعلاج. كما لا تزال نسبة الأشخاص الذين جدّدوا بوالص تأمينهم في الشركة هي نفسها تقريباً مقارنة مع السنوات السابقة. أضف الى أن أنّ مَن كان مؤمَّناً على فارق الضمان الاجتماعي، ألغاه وبقي على التأمين فقط لتخفيف أعباء مالية لا جدوى منها.

وفيما خفّضت الشركة أقساط التأمين الصّحي بحوالي 25 في المئة منذ تحويلها إلى الدولار الفريش، بالمقارنة مع الفترة السّابقة للأزمة إلّا أنّ الأسعار قد تعاود الارتفاع نتيجة للغلاء بشكل عام. في هذا السياق، زادت الشركة من هامش التسهيلات في تسديد أقساط البوالص وقدّمت برامج تأمين صحّي مبسَّطة ذات تغطيات أقلّ (Basic) تلبيةً لحاجة السوق.
لا تزال التغطيات الاستشفائية نفسها كما قبل الأزمة في شركة Fidelity ونسبة البوالص التي تتجدّد هي نسبة أكبر من المتوقَّع بعد الأزمة، بحسب نائب رئيس وحدة الصحة في الشركة، عادل خراط. ومع تدهور الأزمة، يقول خراط إنّ توقّعات نسبة التجديد كانت 70 في المئة إلّا أنّها عادت إلى 90 في المئة حتى الآن. إلى ذلك، فإنّ 50 في المئة من البوالص الجديدة في الشركة هي لأشخاص لم يكن لديهم تأمين ثابت، والغالبية الساحقة منهم كانوا يعتمدون على الضمان الصحي في القطاع العام، فهم يدفعون 95 في المئة من فاتورة الاستشفاء على الضمان وتغطية الضمان لا تصل إلى 10 في المئة. وينقسم الزبائن هؤلاء إلى فئة من ذوي الأعمار المتقدمة والحالات المرضية، وفئة ممَّن هم مضطرون إلى الاستشفاء ولم يعد لديهم أي جهة تأمين.
وفيما يفيد خراط أنّ الشركة تقدّم تسهيلات بالدفع مع دفعة أولى وأربعة أقساط تالية، انخفض التسهيل بالتقسيط حالياً بسبب ارتفاع تقديرات عدم تمكّن الزبائن من تسديد نفقات البوليصة في ظل استفحال الأزمة الراهنة، إضافة إلى أنّ المستشفيات تضيّق على شركات التأمين ولا تقدّم تسهيلات كما في السابق. وبغض النظر عن وضع الزبون الصحي وعمره ودرجة الاستشفاء والخدمات والتغطية المطلوبة، وجميعها عوامل تؤثر كثيراً على سعر البوليصة عامة، فإنّ سعر البوليصة الأساسية يرتفع مواكبة لسعر الخدمات في المستشفيات اليوم. وحالياً “في لبنان كلفة عقود التأمين تعود إلى ما كانت عليه قبل الأزمة”، وفق خراط.ويؤكّد خراط أنّ شركات التأمين لطالما كان لديها، منذ ما قبل الأزمة، منتجات مختلفة لخدمات تأمينية مختلفة، لكن “اللبنانيين لم يتّجهون يوماً إلّا لبوالص التأمين الفاخرة الـfull option”.

400 ألف لبناني فقط مؤمَّنون صحياً…

يقول رئيس جمعية شركات الضمان أسعد ميرزا أن “الطلب على التأمين الصحي في شركات التأمين الخاصة لم يرتفع، فشريحة كبيرة من اللبنانيين ليس بمقدورها تسديد البوالص بالفريش، فيما جميع بوالص التأمين أصبحت بالفريش. أضف الى أن المستشفيات تطلب تسديد فواتيرها بالفريش وكذلك معدّو التأمين و كثيرين مِمَّن كانوا من زبائن بوليصة الدرجة الأولى، يتحوّلون إلى الدرجة الثانية حالياً لعدم قدرتهم المادية. ويمكن القول إنّ عدد الأشخاص المنتسبين إلى شركات التأمين للاستشفاء هو نفسه وقد انخفض درجة. ومنذ بداية الأزمة حتى الآن، فإنّ الطلب على بوالص التأمين انخفض حوالي 10 إلى 15 في المئة”.

كذلك، أسعار عقود التأمين سترتفع، فالمستشفيات رفعت هذه النسبة ومعها الأطباء الذين يطلبون زيادة على وصفاتهم الطبية. لذا، ستبدأ شركات التأمين برفع أسعارها حوالي 10 إلى 12 بالمئة، يوضح ميرزا. وسبب هذه الزيادة رغم أنّ البوالص بالدولار الفريش، هو الزيادة التي يفرضها جميع الأطراف المعنيين بالاستشفاء على شركات التأمين.

وعن تغطية الشركات، يؤكد أن جميع تغطيات الشركات هي مشابهة وإن اختلفت اختلافاً بسيطاً في ما بينها. وشركات التأمين تسهّل قدر المستطاع، لكن هناك مدفوعات لمعدّي التأمين في الخارج لا يمكن تقليصها وكلّها بالدولار الفريش، لكن يُنظر بالتأكيد في أوضاع اللبنانيين الذين يقصدون شركات التأمين للتسهيل لهم.

وهناك 400000 فرد مضمون صحياً في شركات التأمين الخاصة، مقابل 1700000 شخص في الجهات الضامنة العامة. الأرقام هذه فعلاً صادمة لأن جهات الاستشفاء العامة لا تزال تسدّد على سعر 1500 ليرة، ولم يعد يساوي شيئاً في فواتير الاستشفاء اليوم مع ارتفاع الدولار الجنوني. ورقم 400000 هو رقم لا يساوي ربع عدد سكان لبنان.

ويتوقّع ميرزا إقبالاً على شركات التأمين لأنّ الاستشفاء في الظروف الحالية “خربان بيوت” وأهم ما يفكر فيه اللبناني اليوم هو الطبابة والطعام أولاده.

وفيما أسعار بوالص التأمين تختلف ما بين الشركات، وبينما هذه الأسعار في طريقها إلى الارتفاع، ذكرت شركة تأمين تحدّثنا معها الأسعار التقريبية التالية. إذا ما أخذنا بوليصة تأمين من الدرجة الثانية التي تقتصر على دخول المستشفى دون تسديد فرق الضمان، مع إمكانية الاستفادة من شبكة المستشفيات كلّها، تبدأ بوليصة عائلة مكوَّنة من أب عمره 45 عاماً وأم عمرها 36 عاماً وولد عمره 15 عاماً، من 1600 دولار. وضمن الشروط نفسها لعائلة يبلغ الأب فيها 58 عاماً والأم 52 عاماً والابن 25 عاماً، تبدأ بوليصة التأمين من 2500 دولار سنوياً.

المصدر
فرح نصور - النهار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى