إقتصادمقالات

بركات: الإتفاق مع صنّدوق النقد الدولي ممرّ إلزامي للسيطرة على تفلت سعر الصرف

بعدما قارب سعره 65 ألف ليرة تراجع سعر صرف الدولار بنسبة مفاجئة بعد تدخل مصرف لبنان فوصل خلال عطلة الأسبوع الى حدود 55 ألف ليرة مع توقعات بمزيد من التراجع خلال الأيام المقبلة إذا إستمرت إجراءات المصرف المركزي التي تأخرت في حين، لا يبدو أن الطبقة السياسية مستعجلة بالإصلاحات المالية المطلوبة للنهوض الإقتصادي وعليه يبدو أن امام لبنان مرحلة صعبة قبل نضوج التسوية التي ستؤدي الى إنتخاب رئيس للجمهورية.

الدكتور مروان بركات كبير الإقتصاديين ورئيس قسم الأبحاث لدى بنك عودة يرى أن الإتفاق مع صندوق النقد الدولي هو ممر إلزامي للسيطرة على تفلت سعر الصرف ويقول في حديث انه لا شك ان التحدي الاهم اليوم هو الحد من تفلّت الدولار في السوق السوداء مشيرا الى ان تدهور سعر صرف الدولار في السوق السوداء اخترق سقوفاً غير مسبوقة، مع ما استتبع ذلك من ارتفاع في نسبة الضخّم في أسعار الاستهلاك تجاوز مستوى تراكمي بحدود 1400% في الأعوام الثلاث الماضية. من هنا أهمية احتواء التفلّت في سعر صرف الدولار عن طريق الحدّ من العوامل التي تقف وراء هذا التدهور، أبرزها الحدّ من خلق النقد بالليرة من قبل مصرف لبنان، (علماً ان حجم النقد المتداول تجاوز 80 ألف مليار ليرة حاليا)ً، وتحفيز حركة الأموال الوافدة بالدولار باتجاه لبنان وتعزيز ميزان المدفوعات والحدّ من عمليات المضاربة في السوق السوداء. واعتبر بركات أن تعميم مصرف لبنان 161 الذي يجيز السحوبات بالدولار من المصارف على سعر صيرفة فهو يعزز عرض الدولار في السوق وبالتالي يحد من وتيرة الارتفاع التي كانت لتكون أكبر لولا التعميم. الا ان مفعول التعميم مرحلي وآني، متل إعطاء ابرة مورفين لمريض يعاني من مرض عضال، إضافة الى ان اجل التعميم يحده الحجم المحدود للاحتياطات السائلة في مصرف لبنان والبالغة 10 مليارات دولار والتي تتدنى بمقدار 4 مليارات دولار في السنة بعد رفع الدعم. وبالتالي قدرة مصرف لبنان على التدخل وضخ الدولار للسيطرة على تفلت سعر الصرف محدودة. اما في ما يتعلق بحالة الترقب لتنفيذ الاسعار الجديدة في التعاميم 151 و158 على 15,000 ل.ل/ بارتفاع من 8,000 و12,000 على التوالي، فتساهم بشكل غير مباشر بارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء. من هنا أهمية اعتماد إجراءات بنيوية تحد من العجز التوأم الا وهو العجز الخارجي في ميزان المدفوعات الذي يستنزف مخزون الدولار في البلاد وعجز المالية العامة وخلق النقد والذي يضخم مخزون الليرات في لبنان. وأكد بركات أنه بغياب إجراءات بنيوية تعيد التوازن بين الكتلتين، الكتلة بالليرة والكتلة بالدولار، سيبقى ارتفاع سعر صرف الدولار على الوتيرة نفسها مستقبلاً وبدون سقف. من هنا أهمية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي لاحتواء العجوزات الملحوظة في الاقتصاد اللبناني عن طريق الإصلاحات المنشودة. ففي حال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، من الممكن السيطرة على سعر الصرف وعلى سعر قريب من السعر الحالي خصوصاً في ظل حصول مساعدات خارجية من الصندوق والدول المانحة. علماً ان الانتخابات الرئاسية وتشكيل حكومة كاملة الاوصاف ممر الزامي للاتفاق النهائي مع الصندوق، خصوصاً انه في الوقت الراهن المجلس النيابي هيئة ناخبة والحكومة حكومة تصريف اعمال لا يمكنها ابرام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي والاستحصال على موافقة مجلس إدارة الصندوق. أما في حال استمرار سيناريو المماطلة والاطاحة بالاستحقاقات الدستورية فليس مستبعداً ان يتضاعف سعر الصرف في العام 2023 في ظل فقدان الثقة مع ما ينتج عنه من تضخم كبير في الأسعار وضغوطات اجتماعية جمة على الاسر اللبنانية بشكل عام.

وعما إذا كان لا يزال قانون الكابيتال كونترول ضرورة، يؤكد بركات ان إقرار قانون الكابيتال كونترول من قبل اللجان المشتركة مؤخراً خطوة ايجابية وملحّة وإن متأخّرة وتشكّل شرطا أساسيا لأي مسار إصلاحي، إذ لا يمكن للاقتصاد اللبناني ان يعود الى نموه الحقيقي ويستعيد عافيته وينهض من جديد دون قانون الكابيتال كونترول يطبّع النشاط المالي والمصرفي بشكل عام. بناء عليه، يؤمل أن يقر القانون نهائياً من قبل الهيئة العامة بوقت سريع في ظل الاجماع محلياً ودولياً حول الحاجة الماسة والآنية اليه. يجدر الذكر ان صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية والمعهد الدولي للتمويل ومؤسسات التقييم الدولية (S&P, Moody’s وFitch) كلها تعتبر قانون الكابيتال كونترول ممرا الزاميا ملح لأي تعاف اقتصادي. وأضاف بركات: أن الحاجة إلى هذا النوع من الإجراءات مرتبط بالظروف المالية والاقتصادية الاستثنائية التي يمرّ بها لبنان والتي وضعت نظامه الاقتصادي في مواجهة الاستقرار النقدي والمالي، ما ادّى إلى تراجع الثقة نسبياً بالقطاع المالي اللبناني مؤكدا ان المرحلة الحالية تتطلّب اتخاذ إجراءات وتدابير استثنائية ومرحلية تهدف إلى وضع ضوابط مؤقّتة تشكّل في الوقت نفسه حمايةً لحقوق المودعين وتعزيزاً لقد رأت المصارف على القيام بواجباتها وتمنع الاستنسابية بين المصارف. نحن نعتبر أن إقرار قانون للكابيتال كونترول خطوة ضرورية باتجاه الاستقرار الاقتصادي والنقدي والمصرفي، بحيث يسنح التصرف بالتحويلات الجديدة الواردة من الخارج من دون أية قيود، ما يعيد الثقة تدريجياً في القطاع المالي اللبناني مع ما يشكّله ذلك من تحفيزللاقتصاد الوطني بشكلٍ عام. إن ذلك من شأنه تفعيل النشاطات الاقتصادية ضمن حدود الضوابط المؤقتة، ما قد يساعد في استعادة شقّاً من النمو الاقتصادي المفقود وينعكس ايجاباً على الحركة الاقتصادية بشكلٍ عام. أما عملياً يفترض إتخاذ بعض الإجراءات والتدابير الاستثنائية التي تؤدي إلى تنظيم العمل المصرفي خلال فترة الظروف الاستثنائية من خلال فرض موجبات على المصارف تحدّد طرق التعامل مع العملاء بصورة متساوية بعيداً عن الاستنسابية بموازاة الحدّ من المخاطر التي قد يتعرّض لها القطاع المصرفي اللبناني. لكنه يرى أن التحفظ الأبرز على الصيغة التي أقرت فيها الضوابط الاستثنائية في اللجان مرتبط بصعوبة المصارف بتأمين الحد الأدنى للسحب ب 800 دولار شهرياً حسب المادة السادسة للقانون في ظل وضعية السيولة حالياً والتي تقدّر بزهاء 4 مليارات دولار، الا إذا دفعت وفق التعميم 158 والذي يقسمها بالتساوي بين المصارف ومصرف لبنان من ناحية وبين دفعة بالليرة ودفعة بالدولار النقدي من ناحية أخرى. وختم قائلاً: إن إقرار قانون للكابيتال كونترول خطوة ملحّة تخدم الاقتصاد برمّته، إنما غير كافية بحد ذاتها لاستعادة عامل الثقة.

إن الإصلاح المالي والمصرفي في لبنان مرتبط بالإصلاح الاقتصادي ككل، مع ما يتطلّب ذلك من خطة خروج من الأزمة على مستوى البلد تعتمدها الدولة تطلق عجلة الإصلاحات المنشودة وتسهّل الحصول على المساعدات الضرورية التي يحتاج إليها لبنان. ويجب ان يستتبع ذلك ابرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي يشمل إصلاحات بنيوية ومالية ويفسح المجال أمام مؤتمرات دولية داعمة للبنان في ظل الاستنزاف المستمر لمخزون العملات في البلاد.

المصدر
الشرق

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى