فن

“براندو الشرق”: عودة جورج خباز .. وإنقاذ أمل عرفة

بعد انقطاع دام أحد عشرعاماً، عاد نجم المسرح اللبناني جورج خباز إلى الدراما التلفزيونية بمسلسل “براندو الشرق” الذي يُعرض حالياً في منصة “شاهد”. ويتألف المسلسل من عشر حلقات، تُعرض منه حلقتان أسبوعياً، علماً أنه من تأليف جورج خباز، وإخراج أمين درة، ويشارك خباز في بطولته: أمل عرفة، جهاد سعد، فؤاد يمين، زينة مكي، إيلي متري وعادل كرم.


اختار خباز فترة التسعينيات كزمن درامي لـ”براندو الشرق”، وهو خيار يبدو غريباً نوعاً ما. فرغم أن خباز لا يقدم عروضاً درامية سياسية مباشرة، إلا أن ما يقدمه مقترن بالواقع وهموم الشارع، وكان من المتوقع أن يتمحور المسلسل الذي يعود به خباز إلى الشاشة الصغيرة، حول الأزمات التي يعيشها لبنان في الوقت الراهن، لتصبح التسعينيات زمناً درامياً يهرب به صاحبه من أعباء الواقع السياسي والاجتماعي المتأزم، بوصفها الملاذ الآمن من ناحية كونها فترة هدوء نسبي عاشها لبنان بين الحرب الأهلية وبين الانهيار الذي يشهده البلد الآن.

هكذا يبدو المسلسل غريباً عن الواقع رغم واقعيته، فالدراما فيه واقعية، لكنها منقحة ومُشفّاة من الأمور التي تشغل بال الرأي العام، وتركز على انتقاد ظروف الإنتاج الفني في التسعينيات، التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، رغم مرور ثلاثين عاماً، كما أن هوامش الحكاية الرئيسية تعكس بشكل خاطف بعض جوانب الحياة المظلمة التي كان يعيشها اللبنانيون في ذلك الزمن.

والحال أن الإثارة تبدأ باكراً جداً، مع الدقيقة الأولى من المسلسل، حينما يظهر خباز بشخصية الكاتب والمخرج السينمائي يوسف، الباحث عن فرصة لتمويل فيلمه الأول، ليفتتح المسلسل بسرد حكاية فيلمه “الرصاصة القاتلة” بشكل دقيق، ومع المحاولات المتنوعة، يبدأ يوسف بإضافة تفاصيل مختلفة للفيلم بما يتناسب مع رغبات وطلبات المنتجين الذي تختلف أذواقهم.

قصة فيلم “الرصاصة القاتلة” تتلخص في حكاية رجل يريد الانتحار، فيشتري مسدساً بالتقسيط، ويؤجل انتحاره شهوراً عديدة، ريثما ينهي دفع الأقساط المستوجبة عليه، وأثناء ذلك يتعرف على فتاة تدعى سما، تعمل في متجر الأسلحة، فتبدأ قصة حب تنتهي بالزواج، ليلغي فكرة الانتحار، لكن بعد سنة، تنتحر سما عوضاً عنه.

وتختزل الحكاية ملامح شخصية يوسف بشكل ما، فهي مليئة بالتناقضات. فهو شخصية تبدو غبية بنظرة شاملة، لكنه يفاجئ المتابع بذكائه في بعض اللحظات هنا وهناك. كما أنه يبدو شخصية مضحكة ومثيرة للشفقة في آن واحد. وتم إخراج المسلسل بشكل تتداخل فيه المشاهد بين الحاضر الذي يعيشه يوسف في رحلته لإنتاج الفيلم، وبين خيالاته عن فيلمه الذي تجري أحداثه في ستينيات القرن الماضي. وفي هذه المشاهد المتخيلة، تبرز موهبة المخرج أمين درة، حيث يستوحي لقطاته من الذاكرة الجمعية لأجيال عديدة حول أفلام الستينيات، لتكون تلك المشاهد محاكاة ساخرة لأكثر اللقطات الكليشيه الموجودة في السينما في ذلك الوقت، سواء في السينما المصرية أو العالمية، كاللقطة التي تقرن بين المونولوجات الحزينة وغروب الشمس، ومشاهد العراك الرديئة والحركة البطيئة التي كانت تعكس تأثير المسرح المزامن لها.

هكذا ينجح المسلسل بتقديم كوميديا خفيفة وبسيطة، تعتمد بشكل رئيسي على الشخصية الرئيسية، يوسف، الذي يتصرف بشكل نمطي ساذج مثير للسخرية، ليكون التهكم منه هو المحرض على الضحك من جانب، أو مواقفه الذكية المفاجئة التي تحرك الحدث بشكل غير متوقع ليثير الضحك من خلال قدرته على فضح سذاجة الآخرين.

ومن النقاط الإيجابية في “براندو الشرق”، أن المسلسل يضم عدداً كبيراً من النجوم، يجتمعون في عمل واحد لتقديم أدوار لها بصمات واضحة رغم أنها لا تحضر سوى بمساحات صغيرة، الأمر الذي باتت الدراما السورية واللبنانية تفتقدانه في السنوات الأخيرة، التي باتت فيه مسألة النجومية ومساحة الدور أمران يتناسبان طرداً، ليحرم ذلك المشاهد من متعة متابعة ما هو شيق ومفاجئ وجيد.

يبرز ذلك في “براندو الشرق” خلال المشاهد القليلة التي ظهر بها عادل كرم، الذي يلتقي بطل المسلسل صدفة ويشكل خطراً واضحاً عليه منذ اللحظات الأولى التي تبدأ باستعراض العضلات، قبل أن يتمكن يوسف من ترويضه عندما يوهمه بأنه سيجعله نجماً ويعطيه دوراً في الفيلم.

هكذا يقوم يوسف بتوزيع أدوار الفيلم على كل شخص يلتقي به صدفةً، ليرشو الناس بالوهم، لعل ذلك يساعده في الوصول إلى حلمه. وبالنسبة للشخصية الرئيسية، سما، فهي من نصيب كل امرأة يقابلها، وهو الرجل الغريب الذي يعيش شهواته في خيالاته. ومن بين النساء اللواتي يلعبن شخصية سما، الممثلة السورية أمل عرفة، زميلته في العمل الرتيب الذي لا يلبي طموحاتهما.

تؤدي عرفة الدور بشكل جيد، وربما يكون هذا الدور بمثابة المنقذ لمسيرتها المهنية، بعد فشلها المتكرر في السنوات السابقة، التي عجزت خلالها عن تقديم أي شخصية مؤثرة أو جيدة تليق بالمكانة الفنية التي وصلت لها في تسعينيات القرن الماضي والعقد الأول من الألفية. وبحضور عرفة، يتحول تصنيف المسلسل من دراما لبنانية إلى دراما مشتركة، قد يكون لها دور نسبي بانتشار المسلسل على نطاق أوسع، ليبدو هذا التعاون ناجحاً، ويخدم الطرفين بشكل واضح.

المصدر
نور عويتي- المدن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى