محلي

الأزمة القضائية في لبنان تشعل انقساماً سياسياً يصل إلى البرلمان

تصاعدت الدعوات لمجلس القضاء الأعلى في لبنان؛ لمعالجة الأزمة القضائية الناشئة عن الإجراءات القضائية المتصلة بملف التحقيق بمرفأ بيروت، في ظل انقسام قضائي توسع إلى انقسام سياسي، أدى إلى اصطفافات بين نواب البرلمان.
وانفجرت التوترات القضائية عندما وجه المحقق العدلي في الملف القاضي طارق البيطار استدعاءات قضائية، وادعى على شخصيات جديدة، بينها مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، رغم أن دعاوى المتضررين كفت يد البيطار منذ سنة وأربعة أشهر، مما دفع عويدات، الأربعاء، لاتهام البيطار بأنه يغتصب السلطة. ورد عويدات على البيطار بإجراءات تضمنت إطلاق سراح سائر المحتجزين في الملف.
وانقسمت البلاد على مختلف المستويات بين فريقين؛ أحدهما يدعم البيطار، والآخر يدعم مدعي عام التمييز. ونفّذ عدد من الناشطين، أمس السبت، اعتصاماً رمزياً أمام قصر العدل للمطالبة بإقالة عويدات، بغياب أهالي الضحايا. ورفع الناشطون لافتات تطالب بإقالة القاضي عويدات، وبرفع يد السياسيين عن القضاء، وبتوقيع مرسوم التشكيلات القضائية، وبتعديل المواد القانونية التي تقف عائقاً أمام عدالة التحقيق.
من جهتهم، نبه أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في بيان، السبت، لدعوات متقابلة، مؤيدة لعويدات ومعارضة له، ورأوا أنها «تهدف إلى العنف وإراقة الدماء في الشارع».
وفي ظل تلك المخاوف، تصاعدت الدعوات لمجلس القضاء الأعلى لمعالجة الأشكال، جاء أبرزها في بيان أصدره رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، وصف فيه الأزْمة القضائية بـ«الخطيرة وغير المسبوقة»، ورأى أن المواطنين اللبنانيين الصابرين «ينتظرون موقفاً حازماً من مجلس القضاء الأعلى ورئيسه، وهو المرجعية القضائية التي أولاها القانون السهر على حسن سير العمل القضائي وانتظام العمل في المحاكم».
وقال: «لهذا، فإن مجلس القضاء مدعو للاستجابة فوراً لنداء رئيس مجلس الوزراء، من موقعه الدستوري والوطني، وبالتالي الانكباب بكل مسؤولية على معالجة هذه الأزْمة القضائية والوطنية التي خضت وجدان اللبنانيين، وتركت آثاراً سلبية خطيرة على مسيرة الحياة العامة في البلاد».
وأضاف: «يكون ذلك بالمسارعة إلى الاجتماع فوراً لإنهاء التباين الحاصل، ومعالجة كل ما نتج من هذه الأزمة القضائية من ذيول ومخاطر، وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح عبر القيام بالدور المنوط به في الحفاظ على العدالة والانتظام العام في الدولة، والالتزام بأحكام الدستور والقوانين النافذة، وبما يسهم في استعادة الثقة بالجسم القضائي، وكذلك في استعادة الثقة والاطمئنان إلى نفوس المواطنين، ولا سيما بما يتعلق بالتشديد على سلامة التحقيق في جريمة تفجير مرفأ بيروت، توصلاً لاكتشاف الحقيقة الكاملة، وكي لا تستمر الأمور نهباً للامبالاة والشعبوية وأصحاب مشاريع تفكيك الدولة اللبنانية ومؤسساتها».
وفي السياق نفسه، قال عضو كتلة «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله، إن «وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى يشكلان المرجع الوحيد لمعالجة الإشكالات والإرباكات القضائية، خارج إطار حسابات ورغبات الكثيرين، في الداخل والخارج على حد سواء، على قاعدة إحقاق العدالة في جريمة العصر في المرفأ».
وأضاف: «موقفنا كان ولا يزال مع تأمين كل موجبات الوصول إلى الحقيقة الكاملة، ورفع كافة أنواع الحصانات السياسية والأمنية والقضائية، ونحن باقون على هذا الموقف خارج إطار الاستثمار والتجيير والتمييع».
وتابع عبد الله: «في الإطار المتعلق بالتهجم والتجريح والتهديد، والتمادي بالتطاول على المدعي العام التمييزي القاضي غسان عويدات وما يمثل، إننا ننتمي إلى منطقة، لم تتقوقع يوماً في أطر فئوية، بل أبدعت في عطائها للوطن، وقدمت له خيرة كفاياتها في كل الميادين، وهي لن تسمح أو تقف مكتوفة الأيدي تجاه تطاول واستسهال البعض كيل الاتهامات والتخوين». وقال إن «الجهات الرسمية المولجة معالجة الخلل الحاصل، مطالبة اليوم قبل غد بالبتّ في هذا الملف؛ حفاظاً على آخر حصن للعدالة ومفهوم الدولة، أي القضاء»، مضيفاً: «من يعتقد أنه يمكنه الانقضاض، واستغلال الأزمة القضائية الخطيرة، للنيل من كرامة من يمثل غسان عويدات، فنقول له إنه واهم ومخطئ».
وفي دليل آخر على تطور الانقسامات الشعبية والقضائية والسياسية، انقسم النواب في البرلمان أيضاً؛ فعلى ضفة مؤيدي البيطار، اعتبر النائب إبراهيم منيمنة أن «ما حصل في العدلية هو نوع من انقلاب وتجسيد للتدخل السياسي الذي حذرنا منه، ومن الممكن أن يتحول إلى طائفي». وقال في حديث تلفزيوني: «من الواضح أن هناك تدخلاً سياسياً في قضية انفجار المرفأ، وهناك مسار سياسي ومحاولة لتعطيل القضاء»، لافتاً إلى أن «أي قانون أو ملف يهدد قدرة هذه المنظومة السياسية على ضبط المؤسسات لمصلحتها ستعرقله». ورأى أن «هناك تقاطعاً كبيراً بمجلس النواب، وبين الكتل السياسية، على أهمية قضية انفجار المرفأ، وأن يكون التحقيق فيها علمياً ومحايداً».
وانسحبت التباينات على نواب يتقاطعون في ملفات كثيرة، بينهم النائبة حليمة القعقور والنائب وضاح الصادق الذي تحدث عن القعقور من غير تسميتها بالقول: «أنصح بعض زملائي النواب أن ينسوا لبعض الوقت الحسابات المناطقية الانتخابية الضيقة أمام ما نواجه من خطر على مصير البلد. توقّفوا قليلاً عن عدّ الأصوات وفكّروا أكثر كيف ننقذ لبنان».
ولم توقع القعقور على البيان الذي أصدره 40 نائباً معارضاً طالبوا فيه، يوم الجمعة، بمحاسبة القاضي عويدات. لكنها أثنت أمس السبت، في بيان، على «موقف الزملاء والزميلات بشأن الانقلاب على التحقيق في جريمة تفجير بيروت، ورفض المساس بالمحقق العدلي، وضرورة محاسبة المدعي العام التمييزي عن خطواته غير القانونية الهادفة إلى دفن التحقيق». وقالت: «أؤكد أن المشكلة هي في تدخل السلطة السياسية بالقضاء، وصولاً إلى تحلل النظام القضائي استتباعاً للانهيار الكامل للدولة بظل هذا النظام».

المصدر
الشرق الاوسط

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى