سياسةمقالات

سيناريو خطير… هل يُنتخب فرنجية رئيساً من دون موافقة “القوات” و”التيار”؟

غضّت الفوضى القضائية الحاصلة في ملف تحقيقات انفجار المرفأ البصر عن حديث خطير صدر من النائب علي حسن خليل في ما يتعلّق بالاستحقاق الرئاسي، حينما قال إن فريقه مستعدّ للسير بخيار #سليمان فرنجية، في حال استطاع الأخير جمع 65 صوتاً، ولو لم يحظَ بتأييد الكتلتين المسيحيّتين الكبريين، “الجمهورية القوية” و”لبنان القوي”.

وجاء قبول فرنجية، من على منبر بكركي، الوصول إلى بعبدا بـ65 صوتاً، من دون أصوات “#القوات اللبنانية” والتيار “الوطني الحر”، ليكمل المشهد الذي قد يكون “#الحزب” يعمل على تركيبه لإيصال مرشّحه، الذي يلقى معارضةً شديدة من الطرفين المسيحيين المذكورين سلفاً، واللذين أعلنا مراراً غياب أيّ احتمال للتصويت لفرنجية.

سيناريو يحتاج نصاباً من ٨٦ صوتاً 

انتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية بـ٦٥ صوتاً في حال تم، سيحصل في الجولة الثانية من الجلسة الانتخابية، لكن عقد هذه الجولة يستوجب نصاباً مؤلفاً من ٨٦ نائباً، وفق ما يشترط رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وبالتالي فإن ثمّة إشكالية تدور حول النصاب، مع الحديث عن انتخابات بـ٦٥ صوتاً.

في هذا السياق، فإن حضور أعضاء من كتلة مسيحية من الكتلتين قادر على تأمين نصاب الجلسة في حال حضر باقي أعضاء المجلس، وحتى لو تغيّبت الكتلة المسيحية الأخرى، فذلك لن يؤثر لأن عدد كل منهما لا يتجاوز الـ٢٠ نائباً.

تأمين النصاب وحضور إحدى الكتلتين، أو كلاهما، رغم عدم التصويت لفرنجية، يعطي مشروعية قانونية وتمثيلية لجلسة الانتخاب، وفي هذا السيناريو، وانطلاقاً من رفض الكتلتين لاسم رئيس تيار “المردة”، إما يحضر “لبنان القوي” بضغط من “حزب الله” وإيران، وإما يحضر “الجمهورية القوية” بضغط خارجي ناتج عن تسوية إقليمية، فيكون فرنجية انتُخب بغطاء مسيحي دون الاقتراع لاسمه، وفق من يروّج لما يسميه “سيناريو انتخاب فرنجية”.

ماذا تقول أرقام فرنجية؟

بالحديث عن الأرقام، فإن فرنجية، حتى الساعة، غير قادر على حصد 65 صوتاً، وفي جعبته 31 صوتاً مضمونين لا أكثر، إذا احتسبنا 27 نائباً لكتلتي “الوفاء للمقاومة” و”التنمية والتحرير”، و4 نواب محسوبين عليه شخصيّاً؛ هذا من دون احتساب أصوات “الاعتدال الوطنيّ”، الذي يتردّد أنّه لا يعارض انتخاب فرنجية، وهو يحتاج إلى أصوات عدد من النواب المستقلّين والتغييريين، بالإضافة إلى أصوات كتلة “اللقاء الديموقراطي”، لحصد ما مجموعه 65 صوتاً، في حال استمرّت معارضة “القوات” و”التيار”.

أما بالنسبة إلى الميثاقية، فإنّها مؤمّنة نسبيّاً، لأنّ ثمّة عدداً من النواب المسيحيين الذي سيصوّتون لفرنجية في هذه الحالة، بالرغم من أنّهم لن يكونوا ذوي تمثيل واسع.

الثنائي الشيعي يُصادر رئاسة الجمهورية!

لكن الموضوع غير مرتبط بالأرقام والميثاقية فحسب، بل بالتمثيل الطائفيّ، من دون أن ننسى أنّه الموقع الماروني الأول في البلاد. فوصول رئيس للجمهورية، كفرنجية، بـ65 صوتاً من دون غطاء من الكتلتين المسيحيّتين الوازنتين، يعني بالسياسة، وعلى أرض الواقع، أن الثنائي الشيعيّ أوصل مرشّحه من دون الوقوف عند رأي المسيحيين، وهذا ما لن يقبله “التيار” و”القوات”، بل يعتبرانه مصادرةً للموقع.

وانطلاقاً من مبدأ جدليّة السلطة والمجتمع، لا يُمكن الخروج من الإطار الطائفيّ في هذا السياق، لأن تداعيات تجاهل موقف أكبر كتلتين مسيحيتين لن تكون هامشية، بل قد تودي بالبلاد إلى ما لا تُحمد عقباه،؛فالطرفان سيعتبران أن الفريق الآخر ذو الأغلبيّة المسلمة استأثر بموقع رئاسة الجمهورية الماروني. وهذه الاعتبارات الطائفيّة ستكون محورية وذات انعكاسات سياسيّة وشعبيّة.

وقد يجمع هذا المشهد مجدّداً بين “القوات اللبنانية” والتيار “الوطني الحر”، لأن مصالح الطرفين ستتقاطع، وسيجدان نفسيهما في موقع المستهدف، ممّا قد يدفع بهما إلى توحيد الجهود لمواجهة هذا السيناريو، بل قد يتنوّع شكل المواجهة ما بين مقاطعة جلسات انتخابات رئاسة الجمهورية، أو حتى اللجوء إلى الضغط الشعبيّ في الشارع؛ وهذا ما يحمل في طيّاته مخاطر كبيرة، لأنّ في ذلك الحين سيكون المشهد عبارة عن غضب مسيحيّ شعبيّ في الشارع بمواجهة إرادة “حزب الله”.

غطاء بكركي بديل؟

وفي الإطار، فإنّ سيناريو “الرئيس بـ65 صوتاً” استتبع الحديث عن احتمال الاستعاضة عن موافقة القطبين المسيحيين بغطاء من بكركي، يؤمّنه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي. لكن الأخير بعيدٌ كل البُعد عن إحداث شرخ بين المسيحيين، أو تغطية مشروع “حزب الله” ودعم الثنائي الشيعيّ بمواجهة الثنائي المسيحي.

فماذا يقول كلّ من تكتل “الجمهورية القوية”، و”لبنان القوي”، و”اللقاء الديموقراطي” عن هذا الموضوع؟ وهل تؤمّن بكركي الغطاء المسيحي المفقود؟

“لبنان القوي”: سيناريو يضرب العيش المشترك

عضو تكتّل “لبنان القوي” النائب غسان عطا الله يعتبر أن “التوجّه نحو هذا السيناريو سيعني ضرباً للدستور والميثاقية وصيغة العيش المشترك، ولا يشي سوى بأن “الأقوى” هو الذي بات يحكم في لبنان. وبالتالي، يستوجب ذلك دستوراً جديداً للبلاد”.

وفي حديث لـ”النهار”، يستبعد عطا الله أن يعطي البطريرك الماروني غطاءً لأيّ مرشّح لا يحظى بتأييد إحدى الكتلتين المسيحيتَين المذكورتين سابقاً، كما يستبعد حصول السيناريو برمّته. لكنّه يحذّر من أن “اللجوء إليه سيستدعي تحرّكاً تصعيدياً تبدأ به الأحزاب المسيحية”.

ولم يشأ عطا الله الرّد على فرنجية وقبوله بالموضوع، لكنّه علّق قائلاً: “سبق أن قال فرنجية لا غاز في البحر، فلا داعي للتعليق على كلّ ما يقوله”.

“الجمهورية القوية”: شلّ الجلسات خيارٌ متاحٌ

عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب فادي كرم يرى في حديث خليل وفرنجية “كلاماً خطيراً، لا يدلّ إلّا على عقليّة لا تؤمن بالشراكة الوطنية. وهذا الفريق يعتقد أنّ بإمكانه تسيير الأمور كما يشاء، إلّا أن عدم قدرته على ذلك يتجلّى في تعطيله جلسات مجلس النواب وعدم جمعه 65 صوتاً لفرنجية”.

وكما عطا الله، فإنّ كرم يستبعد في حديث لـ”النهار” أن تكون بكركي في جوّ منح غطاء لمرشّح لا غطاء مسيحيّاً له، ويشير إلى أن “القوات” لن تلجأ إلى الشارع في حال تم التوجّه نحو هذا الخيار، لكنها قد تعمل لشلّ جلسة أو جلستين انتخابيّتَين أو أكثر، وذلك لتغيير هذه القواعد الجديدة وإعادة الأمور إلى نصابها القانوني، مع التأكيد على أنها ليست مع شلّ البلاد للضغط على الفريق الآخر وتحصيل مكاسب فئوية.

ويختم كرم حديثه معتبراً أن “مبدأ “حزب الله” وحلفائه في محور الممانعة ضرب الشراكة الوطنية وفرض الشروط على الفريق الآخر بهدف إخضاعه”.

ماذا عن “الاشتراكي”؟

أمّا على مقلب الحزب “التقدمي الإشتراكي”، فإنّه من المستبعد أن تسير كتلته بخيار التصويت لمرشّح لا يحظى بغطاء طرف من الاثنين المسيحيين، “القوات” أو “التيار”، وذلك لثلاثة أسباب:

– السبب الأول يتمثّل بالشراكة الوطنية التي لطالما شدّد عليها رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، وانبثقت عنها المصالحة في الجبل. وهو في غير وارد ضرب هذه الشراكة والتوجّه نحو انتخاب شخصيّة تستفزّ الطرفين سويّاً. وفي هذا الإطار، من الضروري التذكير بتجربة العام 2016، حينما برّر جنبلاط مشاركته في التسوية التي رفضها باتفاق القطبين المسيحيين المعنيين في الملف، “القوات” و”التيار”، بالرغم من معارضته لميشال عون.

– السبب الثاني يتمثّل بالحرص على السلم الأهلي في لبنان بشكل عام، والجبل بشكل خاص، لأنّه يعلم مدى حساسية الوضع، وما هي تداعياته التي قد تقسم الشارع طائفياً ومذهبياً، وتوتّر الأجواء في الجبل بين المسيحيين والدروز.

– أما السبب الثالث والأخير، فهو الشلل السياسي الذي سينتج من هذا الخيار. فجنبلاط كان قد نادى منذ أشهر برئيس للجمهورية لا يُشكّل استفزازاً لأيّ طرف، فكيف يصوّت لمرشّح يستفز الطرفين المسيحيين الأقوى؟ كما أنّه يعلم أن عهد هذا الرئيس سيلقى معارضة شرسة من “القوات” و”التيار”، وبالتالي سيكون عهد أزمات لا حلول.

من جهته، يلفت عضو كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب راجي السعد إلى أن “انتخاب رئيس للجمهورية بـ65 صوتاً يستدعي جلسةً ذات نصاب 86 نائباً، وذلك يعني مشاركة “التيار” أو “القوات” أو كليهما في الجلسة”، غامزاً من قناة توفير غطاء مسيحي أولاً لعقد الجلسة.

لكنه في حديث لـ”النهار”، وانطلاقاً من المنطق السياسي، يرى أن “وصول رئيس للجمهورية من دون موافقة القطبين المسيحيين ليس أمراً جيداً، لكن بانتظار اجتماع الكتلة لتحديد موقف حاسم من الموضوع”.

وفي السياق نفسه، يعتبر السعد أن بكركي لن تكون “مبسوطة” بهذا الاتجاه، فيما “اللقاء الديموقراطي” في صدد زيارة الراعي الأسبوع المقبل للوقوف على رأيه في ملف رئاسة الجمهورية برمّته.

في المحصّلة، فإن السيناريو المطروح ليس واقعياً، ومن غير المرتقب أن يُترجم على الأرض وفي المجلس النيابي، لأنّه خطير، ونتائجه لن تكون إيجابية على البلاد، خصوصاً أن ثمّة انعكاسات قد تكون “دموية” في الشارع، في حال لجأ كلّ من “القوات اللبنانية” والتيار “الوطني الحر” إلى الضغط الشعبي!

المصدر
جاد فياض - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى