مقالات

دور المسنّين تودّع ولا تستقبل: كيف سنُكمل؟

تحت وطأة الانهيار الاقتصادي، أُقفلت العديد من المؤسسات الرعائية التي قامت لعقود مقام الدولة في رعاية الفئات الأشد هشاشة في المجتمع. طاول الانهيار دور رعاية المسنين، إذ «رفعت بعضها العشرة» مستسلمةً، وأقفلت مبكراً بعدما فقدت القدرة على مواصلة تقديم خدماتها. أما من بقيت مستمرة حتى اللحظة، فتكاد تكتفي بتقديم الأولويات القصوى، مع التشكيك في القدرة على الصمود طويلاً ولا سيّما مع الارتفاع المطّرد والجنوني في تكاليف الخدمات، وتدهور أوضاع العاملين فيها، وهجرة الكثيرين منهم ولا سيّما الممرّضات إلى فرص تؤمن لهم جميعاً حياة كريمة.

وهذا يعني أن دور الرعاية ستكون مستقبلاً حصرية لخدمة المقتدرين مادياً.

جولة على بعض دور الرعاية تؤكد بؤس أحوالها كما هو متوقع، لأن هذه الفئة سقطت من حسابات الدولة منذ زمن طويل، إذ لم يُقرّ إلى اليوم «قانون الحماية الشاملة» المعروف بـ«ضمان الشيخوخة» بعد مضي 19 عاماً من دورانه في أروقة المجلس النيابي. كما لم ترحم الدولة هذه الفئة من تعنّت المصارف في تحويل الأموال المستحقة إلى جمعيات العناية بالمسنين، ورفع السقوف المحدّدة لها. لذا لم يعد المسنون يحلمون بفترة راحة لائقة تحترم أعمارهم، إنما يخشون هم والقائمون على رعايتهم، من فقدان الدواء وعدم القدرة على تسديد تكاليف الطبابة في المستشفيات في حال الاضطرار إلى اللجوء إليها.

ففي دار رعاية للمسنين في المتن، تخشى مديرة الدار، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، من مرض المسنين واضطرارها لإدخالهم إلى المستشفيات. «الختيار دائماً بيطلعلك معه مفاجآت، بيكون منيح فجأة بصير بده طوارئ. لدينا مسنّة فارقت الحياة، عندما وقعت أرضاً وكسرت وركها دفعنا تكاليف المستشفى أكثر من 2000 دولار ما عدا تكلفة الحماية. فعلاً أي تكاليف تهون أمام الاضطرار لدخول المستشفى».
وتشير إلى أنه لم تعد للدار القدرة على استقبال أيّ مسن جديد. «كان لدينا 25 مسناً صاروا اليوم 9 فقط. الخدمات باهظة جداً، من اشتراك الكهرباء إلى معاشات الموظفين، شهرياً نحن مطالبون بـ850 دولاراً بالإضافة إلى 11 مليوناً فقط تسديد رواتب موظفين. لا نستطيع الوصول إلى أموالنا في البنوك ولم نقبض منذ سنة من وزارة الشؤون الاجتماعية، وحتى تقديمات الدولة زهيدة جداً في مقابل كلفة عالية يحتاج إليها كبار السن لرعاية مقبولة. بصراحة، آخر ما نفكر فيه هو الطعام والشراب فحتى الفقراء يتبرّعون للمركز بالطعام، لكن لن يشتروا مثلاً أنبوب «ميبو» يحتاج إليه الكبير لعلاج العقور سعره 570 ألف ليرة أو سعر غالون مياه مقطرة لجهاز التنفس بسعر 200 ألف ليرة».

عبء المازوت

وفي الإطار نفسه، تقول مديرة مستشفى جمعية الخدمات الاجتماعية في طرابلس جنى عكاري، إن المستشفى الذي يضمّ قسماً للمسنين «يتقاضى أموالاً من وزارة الصحة، لكن بالكاد تغطي مصاريف الطعام». وتشير إلى أن المستشفى يرتكز على الإقامات الخاصة التي ارتفعت أسعارها بحسب مستوى الخدمة، لكنها تبقى دون التكاليف المطلوبة. وفي التفصيل «يشكل المازوت العبء الأكبر ويستهلك 50% من مدخولنا. قمنا بتأمين طاقة شمسية لكنها تغطي أقل من ثلث الحاجة، ولذلك رشّدنا الاستهلاك صيفاً وشتاء. وتبقى المسألة الأهم أننا غير راضين عن القيمة الغذائية التي تُقدّم للمسنين، ودائماً تنتبه اختصاصية التغذية إلى ذلك، بسبب غياب اللحوم في أحيان كثيرة، لكننا نتصرّف وفق الاستطاعة حتى لا نقفل».

وبفعل الظروف «تعمل لجنة نسائية تابعة للجمعية على جمع التبرعات من أهل طرابلس تتركز على تأمين المأكل والثياب، وكانت تغطي في السابق مواد التنظيف». كما فتحت الجمعية نظام الكفالة، من أجل كفالة المسنين غير القادرين على الدفع حيث يقصر أهالي المسنين في الدفع منذ أشهر، وأيضاً لدفع تكاليف خدمة المسنين المتروكين ولا أحد يسأل عنهم».

كيف سنكمل؟

يتحدث المدير التنفيذي في دار الرعاية المارونية، مالك مارون، عن اجتماعات شهرية يعقدها المجلس الوطني للخدمة الاجتماعية في لبنان التي تحضرها مختلف المؤسسات الرعائية، مشيراً إلى أن «كلّ المؤسسات تحمل الهاجس نفسه: كيف سنكمل؟!» ولا سيما أنها لم تتلقّ مستحقاتها من وزارة الشؤون الاجتماعية منذ عام 2020، فضلاً أن سقف السحب الشهري هو 10 ملايين ليرة فقط.
وعن الدار التي يديرها، يقول إنه يدفع نحو 9000 دولار شهرياً ثمن مازوت، طالباً من الجهات المعنية المساعدة في هذا البند الذي يزداد إلحاحاً في الشتاء مع تشغيل التدفئة. يلفت إلى وجود تبرعات من أفراد وجهات «لكنها غير مستدامة ولا يمكن الاتكال عليها، ومقارنة مع الأعباء الكبيرة فهي لا تشكل الكثير».

أما الأكثر تأثراً بالوضع، بحسب مارون، فهم الإدارة والموظفون «مهما دفعت للموظف هو قليل، نظراً إلى الغلاء المعيشي المتصاعد وعدم القدرة على تعديل الرواتب التي تترتب عليها زيادة في اشتراك الضمان». في هذه الدار التي تضمّ 65 مسناً، 12 مسناً منهم لا يدفعون ليرة واحدة، ثمة 17 سريراً فارغاً، والسبب نقص في الموظفين الذين بحثوا عن الأفضل في الرواتب «هذا من حقهم ولا سيما أن الطلب على الممرضات كبير».
مصادر في وزارة الشؤون الاجتماعية تؤكد أن الوزارة حوّلت كل المعاملات إلى وزارة المالية. وتلفت المصادر إلى «محاولات الوزير هكتور حجار لتأمين مادة المازوت لهذه المؤسسات من جمعيات أجنبية وسفارات متعددة، لكنّ هذه المساعدات غير منتظمة».

المصدر
رحيل دندشي - الاخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى