سياسةمقالات

بهاء الحريري وجدليّة العمل السياسي: يحق أو لا يحق له؟


كلّما اقترب بهاء رفيق الحريري من دخول ميدان السياسة اللبنانية، تعود تلك الجدليّة التي لم تتوقف منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري وتولي نجله الأصغر سعد الإرث السياسي، وخوضه تجربة علّقت العام الماضي بإعلان رسمي، لتفتح الأبواب أمام الفراغ الكبير عشية انتخابات نيابية واستحقاقات رئاسية مشفوعة بتحوّلات إقليمة ودولية عاتية من حرب أوكرانيا إلى الحراك الاعتراضي في إيران وما بينهما من خلط في الأوراق وتقلّب واقعيّ ومرتقبٍ في التوازنات.

إرتبط حضور بهاء الحريري باتّساع الحاجة في الشارع السنّي إلى ركيزة ثابتة بعدما اهتزّت عناصر الثبات التي قام عليها «تيار المستقبل» وانهارت إثر تخلّيه عن ثورة الأرز وعناوين 14 آذار السيادية ثمّ انجرافه في الصفقة الرئاسية التي جاءت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية… وكانت التطوّرات تدفع نحو دخول بهاء الميدان السياسي، لكنّه اصطدم برفض محيط الرئيس سعد الحريري وبتفضيل الطبقة السياسية للأخير، رغم كلّ مبرِّرات الخروج لسعد من المعادلة بعد التراجع القياسي الذي وصل إليه لعوامل كثيرة لا يمكن تفصيلها في هذا المقام.

يعتبر مؤيِّدو الرئيس سعد الحريري أنّه ما زال يحتفظ بشرعية تمثيل السنّة رغم خروجه المؤقت من العمل السياسي، وأنّ أيّ محاولة لتعبئة الفراغ هي «طعنة غدر» ومحاولة انقلاب، ويؤكِّدون أنّ الحريري كان مُحِقّاً في تعليقه للعمل السياسي لأنّ البلد واقع تحت سيطرة «حزب الله» ويستحيل الوصول إلى حلول في هذه الحال، كما يرى هؤلاء أنّ من حقّهم منع من كانوا في «تيار المستقبل» من الإفادة من حضور «التيار» في السياسة وعلى جميع المستويات.

لذلك، أطلق الأمين العام «للتيار» أحمد الحريري حملة المقاطعة في الانتخابات النيابية، وهو متهم راهناً بقيادة حملة شرسة ضدّ بهاء الحريري تقوم على تحطيم صورته وتجريده من إمكانية العمل السياسي.

وبينما لم يُعلّق أقطاب الجوّ السنّي المعارض للرئيس الحريري، وخاصة الرئيس السابق فؤاد السنيورة والنائبين أشرف ريفي وفؤاد المخزومي، على اجتماعات قبرص، فإنّه لوحظ أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقف في الموقع الأقرب للاعتراض على حركة بهاء الحريري، وذلك من خلال تسرّب أحاديث له في مجالسه الخاصة ينتقد فيها أداءه كما أنّ جمعية «اللجان الأهلية» المحسوبة مباشرة على ميقاتي أصدرت بياناً شديد اللهجة ضِدّ بهاء معتبرة أنّ بيروت تحبّ سعداً وأنّ قبرص ليست وطناً بديلاً.

في المقابل، يبرز التساؤل الجوهري: هل يمكن للسنّة أن يرهنوا واقعهم ومصيرهم لقرار الرئيس سعد الحريري وأن يُكرِّسوا غيابهم عن المعادلة الوطنية لأنّه قرّر الانسحاب في التوقيت السياسيّ الأخطر؟ وكيف ستكون الحال إذا تعمّق الفراغ السنّي على أبواب مرحلة يتقرّر فيها مصير المنطقة؟ وإلى متى يمكن البقاء في الانتظار؟ وماذا لو طال غياب سعد لسنوات؟

يرى المراقبون أنّ الإصرار على الحضور الشخصي لبهاء رفيق الحريري إلى لبنان، في هذه الظروف، قد يكون شبيهاً بتلك الدعوات التي دعت جبران تويني للعودة إلى البلد، والجميع يعلم كم كانت مؤلمة نتائج تلك الضغوط، فهل يتحمّل هؤلاء مسؤولية أمن الرجل؟

يؤكّد المقربون من بهاء أنّ الخلاف ليس شخصياً، بل هو في السياسة حيث ينبغي ترسيمُ الحدود والمواقف بناءً على الثوابت الوطنية والأخلاقية، فالارث السياسي تعرّض للتصفية والمجال الآن متاح للأكفأ والأقدر على النجاح.

يوضح عدد ممّن شاركوا في لقاءات قبرص أنّها تؤسّس لمرحلة عمل مؤسساتي، سياسي وتنموي وأنّ المراحل السابقة في العمل أنضجت الكثير من الرؤى والتصوّرات والخطوات التي ستكون موضع تنفيذ في المرحلة المقبلة، لتكون نموذجاً في المواءمة بين السياسة والإنماء بالاستناد إلى ترسيخ مفهوم المواطنة والشراكة الإسلامية – المسيحية واستعادة الدولة وتحريرها من هيمنة «الدويلة».

يضيف هؤلاء أنّ بهاء الحريري ينطلق من أنّ واقع السنّة في لبنان لم يعد مرتهناً لأحد، وقد تحرّر أغلبُهم من الاستعباد السياسي، وبات الناس يمتلكون الوعي الكافي لتقرير مصائرهم بأنفسهم من دون وصاية ولا استغلال، وأنّ حركة بهاء الحريري تمثّل اليوم مسعىً جدّياً لإعادة التوازن إلى الساحة اللبنانية، على قواعد القوة المستندة إلى الوحدة والدستور والعمل الجادّ للنهوض السياسي والتنموي وتحصيل الحقوق وفق الشراكة الوطنية الفاعلة.

يختم مؤيدو بهاء الحريري بالإشارة إلى أنّ الهياكل القائمة تهالكت وأصبحت خارج معادلة التأثير بينما لم تفقد الحريرية الوطنية وهجها رغم كل الخذلان الذي تعرضت له من بعض من حملوها، وإذا كان من عودة قوية للحريرية الوطنية إلى الميدان السياسي الفاعل فإنّ الفرصة الوحيدة المتاحة لها هي دخول بهاء الحريري إلى المجال السياسي الوطني، في إطار رؤية جديدة لا تقوم على الاستفراد ولا التسلّط بل تستند إلى الشراكة والتكامل.

المصدر
أحمد الأيوبي - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى