مقالات

أمن الدولة من “وليام” إلى ستيفاني… ورياض!

خلافاً لرغبة كثيرين أعطى وليام نون جهاز “أمن الدولة” حقّه بعد إخلاء القضاء سبيله. بغضّ النظر عن “حالة وليام”، بخلفيّتها الإنسانية والسياسية التي قَسَمت الرأي العامّ، لم يكن ممكناً تجاوز “اعترافه” الذي يكشف جزءاً من “مسرحية” تلهي اللبنانيين منذ سنوات.

يكفي رَصد “فَوْعة” نواب الثورة واستعراضاتهم التجييشيّة أمام شاشات التلفزة، واستقواء النائب وضّاح الصادق، المُحاضِر في “عِلم” احترام المؤسّسات والدولة، على عسكري يقوم بواجبه، واستقتال سامي الجميّل والياس حنكش لنقل وليام نون بـ “سيّارة الكتائب” بُعيد خروجه من مبنى مديرية أمن الدولة، يكفي كلّ ذلك للتيقّن من أنّ “الشعبويّة تُلَعلع” في كلّ ما يتعلّق بملفّ انفجار المرفأ، ولا مَن يبالي. يجدر سؤال وليام نون عن كلّ ما قيل له داخل المديرية، ثمّ التحقّق من أنّ كلامه بعد فكّ أسرِه لم يكن تحت الضغط والتهديد.

فعليّاً وبالوقائع لا مسؤولية لأمن الدولة حيال كلّ ما حصل. ثمّة إشارة قضائية من قاضٍ غاضب شعر بالإهانة، واتّفق أنّه محسوب على “حركة أمل”، ثمّ استنفر جزء من مجلس القضاء الأعلى لأجله.

كان الأمر كافياً ليس فقط لتحريك نواب الثورة “أسطول التجييش والتعبئة”، إنمّا تَمَدّد الانقسام إلى داخل البيت العوني حيال تصرّف القاضي زاهر حمادة الذي سُيِّس على الفور.

اللواء المعزول!

في المحصّلة يوضَع جهاز أمن الدولة مُجدّداً تحت الأضواء. يمكن اختصار كلّ ما يحدث بالآتي: ثمّة عقل ذكي وشرّير ارتأى رمي كلّ الإشارات القضائية “الوَسِخة”، بمعنى التي تثير الشارع وتهيّج المتاريس، في ملعب أمن الدولة المُستضعَف والمتروك.

الدليل على ذلك أنّ أيّ جهاز أمنيّ لم يكن ليقبل تنفيذ إشارة كهذه، تماماً كما ترفض الأجهزة الأمنيّة تنفيذ إشارة قضائية بتفتيش منزل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وتوقيفه، والإغارة على مصرف لبنان، أو توقيف ستيفاني صليبا، وملاحقة أزلام وليد جنبلاط في “عقاريّة الشوف”.

المؤكّد أنّ الآراء ليست متطابقة داخل الجهاز في شأن تولّي “أمن الدولة” ملاحقة كبار الرؤوس وتوقيفها، كما يطلب عون وباسيل، وبينها من يرى أنّ الجهاز تحوّل إلى كبش محرقة في لعبة أكبر منه.

صحيح أنّ المدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا بدأ مسيرته في المديرية كذراع أمنيّة للعهد القوي، لكنّه انتهى متروكاً وشبه معزول مع ضغط مسيحي كبير عليه، واتّهامات صريحة بالاستفادة من موقعه، خصوصاً عبر استثمار “مغارة حماية الشخصيات” للتوسّع في نسج علاقات الـ PR، والتفرّج على جهاز أمني من دون إنتاجية والتلهّي بتلبية الدعوات الاجتماعية والخضوع لإملاءات القصر الجمهوري من دون نقاش مهما كَبُر حجر المطالب.

مصالحة بين عون وصليبا

يرى كثيرون أنّ التمديد لصليبا في موقعه بصفة مدنية قبل فترة طويلة من إحالته إلى التقاعد، وعلى الرغم من الادّعاء عليه في قضية المرفأ، كان تحديداً بهدف “الاستثمار” السياسي في مرحلة الصراع الكبير بين محور عون-باسيل وسلامة و”إخوانه” من خلال تحريك الجهاز عند اللزوم.

يكفي صراع صليبا مع المحامي العام الاستئنافي في جبل لبنان القاضية غادة عون على خلفيّة إشاراتها القضائية في شأن سلامة، مع العلم أنّ الخلاف انتهى، وفق معلومات “أساس”، بمصالحة بينهما برعاية جبران باسيل منذ نحو شهر.

ومن تداعيات هذا “المَشكل” توتّر العلاقة بين صليبا والمدير الإقليمي لمنطقة جبل لبنان في أمن الدولة العقيد مروان صافي الذي كان يُنسّق بالشاردة والواردة مع القاضية عون وينفّذ مطالبها أحياناً من وراء ظهر قيادته، وهو ما دفع صليبا أخيراً، وفق المعلومات، إلى إجراء تشكيلات في منطقة جبل لبنان استهدفت المقرّبين منه، وتحديداً إثر صدور بلاغ بحث وتحرٍّ بحقّ ستيفاتي صليبا.

يُذكر أنّ القاضية استدعت العقيد صافي منتصف كانون الأول الفائت واستمعت إليه في شأن ما قيل من “أنّه تقاعس في تنفيذ استنابات قضائية أصدرتها”، ثمّ أكّدت عون أنّ “الأمر كان مجرد سوء تفاهم وانتهى”.

يقول مصدر أمنيّ متابع: “يمسّح السياسيون والقضاة وسَخَهم بأمن الدولة. وكلّ ما يثير الغرائز وغضب الشارع يجد تصريفاً له في “المديرية”. مخفر قوى الأمن الذي نظّم محضراً بتعدّي وليام نون على قصر العدل كان تحت شبّاك القاضي زاهر حمادة، فلماذا جرى اختيار أمن الدولة لتنفيذ الإشارة القضائية؟!”.

ثنائيّة صليبا-شقير

لا يمكن بالتأكيد القول إنّ الجناح “العوني” في المديرية الذي يمثّله اللواء طوني صليبا يقابله “جناح برّي” الذي يمثّله العميد حسن شقير. فالضابط الآتي من عالم المخابرات الذي استثمر خبرته الأمنيّة في جهاز أمن الدولة أتى تعيينه بغطاء مباشر من رئيس مجلس النواب، لكنّ الرجل يرسم مسافة فاصلة مع “الثنائي الشيعي” ظهرت من خلال تعاطيه مع التوقيفات والتحقيقات و”توصيات” بالتشكيلات، وأخيراً من خلال وقف دورة تطويع من داخل السلك من رتبة مؤهّل إلى ملازم.

مورست ضغوطات من قبل كلّ القوى السياسية لـ”تنجيح” من لا يستأهلون القفز فوق ناجحين وأوائل بحكم علاماتهم. لكنّ القرار كان مشتركاً بين صليبا وشقير بتعليق إصدار النتائج “حفاظاً على معنويات الضبّاط”، وفق أوساط المديرية.

تطويع عسكر

حَصَل الأمر نفسه بعد تقديم مديرية أمن الدولة طلباً إلى رئاسة الحكومة بتطويع عسكر يوازي عدد الفارّين من السلك العسكري (نحو 200) مرفقاً بطلب استشارة من هيئة التشريع والاستشارات التي غطّت الطلب على الرغم من قرار وقف التطويع المُتّخذ في مجلس الوزراء. ومع أنّه لم يتمّ الإعلان عن التطويع في الإعلام وبقي الأمر داخلياً ضمن المديريات الإقليمية لأمن الدولة إلا أنّ الخبر تسرّب، فأسرع الآلاف إلى تقديم طلباتهم.

كان هناك استحالة لوجستية وتقنية، ربطاً بالأزمة الماليّة، لاستقبال طلبات بهذا الحجم وإجراء امتحانات وقبول الناجحين وفق شروط محدّدة، وسبقت الضغوطات السياسية تنظيم الامتحانات، فأتى القرار هذه المرّة “بالتريّث” في التطويع من جانب رئاسة الحكومة.

يُذكَر هنا أنّ الجيش تجاوز بكثير عدد المتطوّعين المسموح به من خارج السلك لسدّ فراغ الفارّين من الخدمة في ظلّ قرار مجلس الوزراء وقف التطويع، بخلاف الأجهزة الأمنيّة الأخرى.

تنسيق كامل بين صليبا وشقير

الخلاصة أنّه يصعب القول إنّ العميد حسن شقير “في جيبة” الثنائي. فعلى الرغم من الصراع السياسي الحادّ على خط عون-باسيل من جهة، وبرّي من جهة أخرى، وقفت السياسة عند حدود المديرية. يتحدّث كثر عن علاقة تنسيق وتكامل وثقة بين اللواء صليبا ونائبه بعكس مراحل التوتّر السابقة داخل مجلس قيادة يتألّف من ضابطين فقط.

خطّة عمل

منذ نحو عام تمّ الاتفاق على خطة عمل وآليّة إدارة في المديرية يمكن القول إنّها مختلفة عن كلّ المراحل السابقة، وذلك بالتنسيق الكامل بين صليبا وشقير.

تناولت مفاصل الخطّة تفعيل عمل الفرع التقني والفنّي (Data Center) عبر اعتماد البرمجيّات الحديثة، وإعادة هيكلة مديرية التحقيق ومديرية الأمن العسكري، وتفعيل المديريات الإقليمية عبر التوقيفات، وتفعيل مديرية أمن المؤسّسات وجهاز أمن المرفأ، وضبط الدوام مع فرض الالتزام به، وتوفير مواكبة أمنيّة لعمل وزارات وأجهزة رقابية، والعمل على خط الأمن الاجتماعي والغذائي (إقفال مؤسّسات وصيدليات ومراكز في كلّ المجالات ومعامل مخالفة وغير مطابقة للمواصفات).

إلى ذلك أُخذ القرار بإجراء التحقيقات الأساسية مركزياً في مقرّ المديرية في الجناح، وخصوصاً بعد حادثة بنت جبيل التي أدّت إلى وفاة موقوف سوري متّهم بالإرهاب تحت التعذيب، وقد جرى حينئذٍ تحقيق مسلكي داخل المديرية من دون أيّ تدخّل سياسي، ثمّ أُحيل الملفّ إلى القضاء العسكري وصدر قرار ظنّيّ صارم بحقّ المرتكبين.

نقمة في المديريّة!!

لا شيء يثبت أنّ تغييرات حصلت فعلاً في نوعية عمل أمن الدولة، في ظلّ تقنيّات محدودة جدّاً مقارنة بباقي الأجهزة، سوى التململ والنقّ و”الصرخة” من داخل المديرية من قبل ضبّاط وعسكر تعوّدوا على الخمول والكَسَل وعلى فكرة أنّ دخول “أمن الدولة” هو “مشروع سياحة وتفشيخ وترييح أعصاب وتعبئة بطون على الموائد” وليس خدمة عسكرية فعليّة.

ثمّة بالتأكيد خطّ فاصل وواضح بين مرحلة طويلة كان يتولّى فيها جهاز أمن الدولة جمع المعطيات والمعلومات وإرسالها إلى أجهزة أمنيّة أخرى، وبين مرحلة المقارنة بين المعلومات وجمعها وتنفيذ توقيفات طالت متّهمين بالإرهاب وملفّات جنائية وفساد كما حصل في معظم المناطق.

… إلّا حماية الشخصيّات

سلكت الخطّة داخل المديرية طريقها إلى التنفيذ باستثناء ملفّ “حماية الشخصيات” الذي بات يشكّل عبئاً كبيراً على الجهاز بعدما تحوّل إلى “متجر مفتوح للخدمات الأمنيّة” بفعل الضغوطات السياسية و”طلبات أصحاب النفوذ”، ويستفيد منه الجميع على حساب معنويات العسكر والقانون. وهذا ما عبّر عنه ممثل أمن الدولة في الاجتماع الأمني الذي عُقد أمس في السراي لمناقشة ملفّ فرز العسكر والمواكبة الأمنية لشخصيات عامّة وخاصّة.

المصدر
اساس ميديا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى