محلي

اللجوء السوريّ… تهديد للعمق اللبنانيّ ثقافة وهويّة وديموغرافياً

في أواخر السبعينيات، نُقل عن الشيخ بيار الجميل رحمه الله، قول يحمل معنى أنّه: هل فعلًا تعتقدون أنّه لم يتمّ توطين الفلسطينيين بعد؟ واليوم، يُطرح السؤال نفسه حول اللاجئين السوريين. فأمام تخاذل الدولة اللبنانيّة ومسؤولي لبنان كافة رسميين وغير رسميين، وإصرار المجتمع الدولي على إبقاء السوريين في البلدان التي لجأوا إليها، وغياب أيّ رغبة لدى سوريا بعودة مواطنيها، فإننا في لبنان على ما يبدو أمام توطين جديد – غير رسميّ- عنوانه اللاجئون السوريون.

من الواضح أنّ عبء اللجوء السوريّ، إن لم توجد له رسومات طرق محدّدة لتنظيمه، وقواعد لضبطه، فإنّ في جعبته الكثير من الارتدادات الثقافية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية والديموغرافية والسياسية.

عمق الأزمة
من هنا، يصحّ طرح اللجوء السوريّ من زاوية الأزمة التي يشكّلها ثقافياً وديموغرافياً وصولًا إلى أزمة هوية تمسّ عمق تكوين الكيان اللبنانيّ.

يُقدّر عدد السوريين الرسميّ بمليون ونصف، وبشكل غير رسميّ تفوق الأعداد هذا الرقم لتصل إلى مليونين و800 ألف، نتيجة الهجرة غير الشرعية، وقد بات يشكّل النازحون ما بين 25 إلى 30 في المئة من عدد سكان لبنان. هذا الواقع الديموغرافي للسوريين يهدّد الواقع اللبناني ككلّ، إذ لا يمكن لبلد في العالم أن يستقبل ويتحمّل وجود لاجئين على أراضيه يشكّلون ثلث سكانه، خصوصاً أنّ انعكاسات أيّ تطوّر ديموغرافي سلبي يمكن أن يحدثه الوجود السوري في لبنان، يؤثر على المستويات كافة.

بو عاصي والمصلحة الوطنيا العليا
في السياق، يقول النائب بيار بو عاصي لـ”النهار”: “إنّ أيّ إنسان مسؤول في أيّ دولة في العالم، ملزم أن يخاف على التوازنات والهوية أمام الأعداد الكبيرة للنازحين في بلاده. وتحديداً في لبنان، هذا الأمر يسري على الجميع، وهناك إجماع وطنيّ على أنّ وجود اللاجئين السوريين لا يمكن أن يستمرّ بشكله الحاليّ إلى أمد طويل، وإلّا سيعرّض التوازن اللبناني للخطر، اقتصاديّاً واجتماعيّاً وديموغرافيّاً وسياسيّاً.


فعلى الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، البنى التحتية في الأساس غير مؤهلة لتحمّل هذه الأعداد، كما أنّ فكرة الدمج الاجتماعي والانخراط الاقتصادي غيرُ واردة، فيما المصلحة الوطنية العليا تقتضي عدم المسّ بالتوازنات الديموغرافية، والخلل الداخليّ”.

ويشدد على أنّ “هذه المقاربة التي نتحدّث عنها غير موجّهة ضدّ النازح السوري، كسوري الانتماء والهوية، ولا ضدّه كعربيّ، ولا ضدّه كسنّيّ، بل انّ واقع وجود نحو 30 في المئة من نازحين من غير بلد على أرض لبنان لا يجب أن يستمرّ”.

ويربط بو عاصي بين أربعة عناصر، الهوية والجغرافيا والوقت والعدد. ويعتبر أنّ السوريين ناس لديهم هوية، تُعاش ويُعبّر عنها في مكانها الجغرافيّ الطبيعي أي سوريا، لما للتاريخ والجغرافيا والهوية من تداخل ثقافي وبنيوي واجتماعي وغيره، كما أنّ الوقت، بعد مرور نحو 11 عاماً على الحرب السورية، حان للعودة، فيما يجدّد التأكيد على أنّ الأعداد الموجودة حاليّاً في لبنان غير مقبولة”.

وبشكل حاسم، يرى بو عاصي أنّ “المجتمع الدولي قد يكون مرتاحاً لاستضافة لبنان العدد الكبير من النازحين السوريين، إلّا أنّ السياسة اللبنانية المبنية على الانفتاح على المجتمع الدولي لا تتماهى مع المصلحة الوطنية العليا على هذا المستوى التي ترتّب عودة النازحين إلى سوريا أمس قبل اليوم”.

درباس ورعب الأرقام
وزير الشؤون الاجتماعية الأسبق رشيد درباس، الذي كان من المعالجين الأساسيين لهذا الملفّ، يَعتبر أنّ “الوجود السوري يُجزّأ إلى قسمين، ما قبل الأزمة السورية وما بعدها. ما قبل الأزمة كانت أعداد السوريين في لبنان لا تتعدّى الـ 400 أو الـ 500 ألف شخص، وهؤلاء كانوا يساهمون إيجاباً في الحركة الاقتصادية، وكانوا يعملون تحت سقف القانون الذي يسمح لهم بمهن محدّدة، كالبناء، والزراعة، وغيرهما.
وبعد الأزمة السورية، بات الأمر مرعباً وخطيراً، كما يقول درباس، إذ وصلت أرقام اللاجئين السوريين إلى حدود المليون في لبنان، عندها بدأتُ في وضع الخطط والبرامج لتقليص هذا العدد وإيقافه، واستطعنا بدءًا من 5 كانون الثاني 2015 إيقاف استقبال أيّ لاجئ سوري”، موضحاً أنّ التدفّق الذي حصل لاحقاً أتى من خارج نظام اللجوء والمعايير التي طبقّناها. من هنا، يشدّد على الخطر الذي يعكسه ازدياد أعداد اللاجئين السوريين في لبنان على الديموغرافيا وعلى الهوية اللبنانية ككلّ، ويحذّر من إبقاء الملفّ قيد التجاذبات الحزبية الداخلية السخيفة، وعدم الارتقاء به إلى المصاف الوطنيّ، فالخطر كبير وكبير جدًّا.

ويستذكر درباس لقاء جمعه بالجنرال ميشال عون قبل وصوله إلى الرئاسة عبر صديق مشترك يدعى توفيق وهبي. ونَقل إليه وقتذاك صورة خطرة، مفادها، أنّه إذا وصل عدد اللاجئين إلى مليون و200 ألف لاجئ، قد يكون بينهم 120 ألف شاب خضعوا للخدمة العسكرية.

وهذا يعني بالنسبة إلى درباس، تحوّلُهم إلى قنبلة موقوتة في المجتمع اللبناني، وإلى كارثة إذا تنظّموا عسكرياً وسياسياً واجتماعياً. فمدّ هؤلاء بـ120 ألف قطعة كلاشينكوف مثلاً سيجعلهم جيشاً مرادفاً للجيش اللبنانيّ، وأقوى منه، أو قد يتحوّلون إلى حزب، أو إلى حالة اجتماعية تخلق الفوضى في المجتمع، من هنا، يدعو وبإصرار، إلى إيلاء هذا الموضوع أهمية وطنية كبرى”، واصفاً المعالجات الحالية بأنّها عبارة عن ضمّادات.

الهاشم… والخطر الساطع
مخاوف كلّ من بو عاصي ودرباس، يتحدّث عنها البروفسور والباحث الاجتماعي بسّام الهاشم، الذي يستند إلى إحصاءات الأمن العام اللبنانيّ، والتي تقول بوجود مليونين و700 ألف لاجئ سوري في لبنان، يضاف اليهم اللاجئون الفلسطينيون، فيما تشير التقديرات إلى أنّ أعداد اللبنانيين هي نحو 4 ملايين مواطن أو أكثر، وهذا يعني أنّ عدد السوريين يشكّل نصف عدد اللبنانيين.

ويلفت الهاشم إلى أنّ أعداد اللبنانيين إلى تضاؤل نتيجة الضائقة الاقتصادية والمداخيل، وتفشّي البطالة، والأزمة الاقتصادية الكبيرة، ما يدفع الشباب ومتوسّطي العمر والكوادر المهنية والنُخب إلى مغادرة لبنان، ويبقى من هم غير قادرين على السفر لأسباب عدّة، أو الشيوخ”.

ويرى الهاشم أنّ “البلد ينزف بشكل كبير، إذ بحسب المؤسسات الإحصائية، مثل الدولية للمعلومات، يتبيّن أنّ من سنة 2018 حتّى أواخر تشرين الأول 2021، بلغ عدد من هاجروا 183 ألفًا. وبحسب مؤسسة لابورا بلغ العدد في الفترة نفسها 230 ألفًا، وهؤلاء غادروا ولم يعودوا.
وبالتالي، بقدر ما تشتدّ الأزمة تشتدّ وتيرة الهجرة، بالتوازي، هناك ظواهر اجتماعية مؤذية لدى الشباب اللبناني، مثل التدنّي في معدّلات الإقبال على الزواج بسبب الضائقة المعيشية، وارتفاع معدّلات الطلاق، إضافة إلى تضاؤل عمليات الإنجاب، وتراجع معدّلات الخصوبة، ومعنى ذلك أنّ الكتلة الديموغرافية اللبنانية إلى تراجع مستمرّ. في المقابل، تختلف أيضاً معدّلات الولادة بين اللبنانيين وغير اللبنانيين، فهناك أرقام خطرة ومخيفة. ففي سنة 2018، وبحسب الدكتور فيصل القاق، وهو مرجع متخصّص ومنسّق اللجنة الوطنية للأمومة، سُجّل ولادة 68 ألف طفل لبنانيّ مقابل ولادة 59 ألف طفل غير لبناني أغلبهم سوريون”. ناهيك عن عدد اللاجئين مكتومي القيد فلا أحصائيات بشأنهم، لأن الولادات تحصل داخل المستشفيات وخارجها.

وفي السياق، تشير النشرة الاحصائية لوزارة الصحة اللبنانية إلى أن الوزارة بدأت تسجيل ولادات اللاجئين منذ عام 2012 وفي سنة 2021 تم تسجل 100 الف ولادة في لبنان، 40 بالمئة منها لسوريين. فيما معلوم أنّ ثمة ولادات تحصل يومياً خارج المستشفيات، وهذه لا تدخل سجلات الجدول خصوصاً بعد عام 2019 نتيجة الوضع الاقتصادي المتردي.

وفيما كثير من اللبنانيين يتوانون عن الإنجاب، يستمرّ اللاجئون السوريون به، ومعنى ذلك أنّ أعداد اللبنانيين إلى تقلّص فيما أعداد اللاجئين إلى ارتفاع. واليوم، تشير المعلومات إلى أنّ ولادات اللاجئين السوريين ارتفعت كثيراً في الأعوام الأخيرة لتتخطى 200 ألف سنوياً، بينما لا يتعدّى رقم الولادات اللبنانية 53 ألفاً، ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول عدد اللاجئين السوريين في لبنان بعد عامين أو خمسة أعوام.

ويرى البروفسور الهاشم أنّه “بقدر ما يطول بقاء السوريين في لبنان واستمرار الأزمة، بقدر ما يحصل تحوّل عميق في بنية الديموغرافيا اللبنانية. هناك مرحلة طويلة من الصراعات قد تحصل قبل الرضوخ لوجودهم ومفاعيلهم، لكن لا بدّ من أنّنا ذاهبون نحو تصادم ديموغرافي، يغيّر في تركيبة السكان والهوية اللبنانية. ويضيف: “هم لم يحصلوا اليوم على هويات، لكنّ المنظمات الدولية تصرّ على توطين السوريين في لبنان”.

ويوجّه الهاشم اتهامات إلى “واشنطن بأنّها تعمل على توطين السوريين في لبنان ولما فيه مصلحة اسرائيل، لكونهم يشكلون أغلبية ديموغرافية ضدّ “حزب الله”، كون 94 في المئة منهم من الطائفة السنيّة، وبالتالي يشكّلون قنبلة موقوتة في الداخل اللبنانيّ على المدى البعيد، في وجه “الحزب” خدمة لإسرائيل”.

تنظيم اللجوء
لبنان الذي لا يستطيع تحمّل وزر 25 إلى 30 في المئة من اللاجئين السوريين، تصدر فيه بعض الطروحات لتنظيم هذا اللجوء أسوة بالوجود الفلسطيني، ليسهل ضبطه أمنياً واجتماعياً وعدديّاً، وضبط انعكاساته السلبية على المكوّنات اللبنانية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يزاحم الفلسطينيّ اللبنانيّ في عمله ومهنته ولقمة عيشه في جونية وبيروت والعاقورة وزغرتا والنبطية، بينما اللاجئ السوري موجود على كلّ البقعة اللبنانية ساحلاً وجبلاً.
وفي السياق، يذهب بو عاصي في اتّجاه الكشف والتشديد على “وجود إجماع وطني حول وجوب عودة النازحين، وضرورة تنفيذ هذا الإجماع. أمّا تنظيمهم موقّتاً أمر قد يكون مقبولًا، بالنسبة إلى بو عاصي، ويتطلّب قراراً سياسيّاً وتنسيقاً بين مؤسسات عدّة في الدولة، منها وزارة الداخلية بالتعاون مع عدد من الوزارات، من وزارة الشؤون الاجتماعية إلى البلديات، لإحصاء النازحين وتحديد أماكن تواجدهم، ووضع قواعد بيانات ديناميكيّة غير جامدة”.

خاطر والواقع الاقتصاديّ الصعب
البروفسور مارون خاطر، باحث في الشؤون الماليّة والاقتصاديَّة، يقول لـ”النهار”: “لا شكَّ أنَّ موضوع النازحين السوريين هو أحد المُعضلات الصعبة والشائكة التي تلقي بثقلها على المشهد اللبناني. يتَّخذ هذا الملفّ أبعادًا سياسيَّة، وجيوسياسية وحتى جيواستراتيجيَّة، الى جانب أبعاده الإنسانيَّة والاقتصاديَّة والأمنيَّة والماليَّة.
لعل أبرز وأخطر ما يُميِّز ملفّ النزوح السوري القسري الى لبنان هو الغياب شبه الكامل للتنظيم وللضوابط من جهة، وعدم وجود إطار زمنيّ لانتهائه أو لإنهائه من جهة ثانية، ما قد يجعل منه مشكلة مستدامة تضاف الى مشاكل لبنان الكثيرة.”

ويتابع: “تنظيميًّا، يُعتبر النقص الكبير في الإحصاءات الرسمية الدقيقة لأعداد النازحين ولموجات النزوح ومسبباتها أحد نقاط الضعف الأساسّية والخطيرة. يؤدّي عدم ضبط الحدود وازدهار التهريب الى زيادة غير معلنة في أعداد القادمين، يُضاف إليها ارتفاع قياسيّ في أعداد الولادات.
تساهم برامج المساعدات الإنسانيَّة المتعدّدة بتأمين استقرار نسبيّ للعائلات. أمّا اللاجئون من أصحاب المِهن والأعمال فيستفيدون من الميزة النسبيَّة ومن الأزمة الخانقة ومن أكلافهم المنخفضة الناتجة عن عدم تسديدهم الضرائب، وينتجون السلع والخدمات بتكلفة فرصة بديلة أقلّ من اللبنانيين. وذلك يجعل العودة فكرة لا تسلك طريقها الى التنفيذ، على الرَّغم من كونها متاحة في أوقات وظروف عدَّة”.

ويضيف: “لغياب التنظيم القانونيّ والضرائبيّ والاجتماعيّ والمُجتمعيّ للنازحين السوريين انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على لبنان وعلى أزمة النزوح نفسها، لجهة تأطيرها زمنيّاً. يتشارك النازحون البنية التحتية اللبنانيَّة المستهلكة والمهترئة مع اللبنانيين دون أن يساهموا في تطويرها أو على الأقلّ في صيانتها والحفاظ عليها. كذلك، يضع النزوح ضغطاً كبيرًا على مؤسسات الدولة الخدماتيَّة والتربويَّة والأمنيَّة وكلّ ذلك من دون مقابل يُذكر. من هنا، يتحمّل لبنان المنهار سياسيًّا واقتصاديًّا تبعات النزوح وهذا ما لا تستطيع دولة معافاة تحمُّله، فأهل لبنان نازحون في وطنهم”!

عطالله… تركيبة تولّد العنف والعنصرية
في جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت في 26 نيسان 2022، عُرضت تقارير تُظهِر أنّ 90 في المئة من الذين تمّ القبض عليهم في جرائم في لبنان هم من الجنسيات السورية. وبما أنّ الصرخة بدأت تعلو من قيادات سياسية بتوجهات مختلفة في البلد، فهذا يعني أنّ المسألة بعيدة كلّ البُعد عن العنصرية.

جرائم كثيرة ارتُكبت، ولا فائدة من عدّها، لكنّ بعضها رسَخ في الذاكرة، لبشاعة الجريمة في حدّ ذاتها. إيلي متى ابن الـ17 عامًا في بلدة عقتنيت، جوزف طوق في بشرّي، ميريم الأشقر في ساحل علما، وريا الشدياق في مزيارة، الصيدلانية ليلى رزق في بولونيا -المتن، إلى ارتكابات أخرى طالت مواطنين في أنحاء مختلفة من لبنان، من زحلة، الى النبطية، إلى طرابلس وعكار وكلّ لبنان. فهل باتت دعوة اللاجئين السوريين للعودة إلى بلادهم عنصرية؟

بشكل عام، نسبة الجرائم ارتفعت في هذه المرحلة لأسباب عدّة، الفقر، التوقف عن العمل نتيجة وباء كورونا، أو نتيجة انفجار بيروت، وبالتالي الحاجة وعدم قدرة اللبناني وغير اللبناني على التحمّل ترفع من نسب السرقات والتعدّيات، تقول ريتا حسّون عطالله المتخصّصة في التقييم النفسيّ، والدكتورة في علم النفس العياديّ والمرضيّ.

وبعيدًا عن العنصرية، تردّ عطالله ظاهرة العنف ونسب الجرائم المرتفعة لدى السوريين، إلى جملة أسباب اجتماعية أو شخصية. إذ أنّ العديد من السوريين أتوا إلى لبنان وهم يعانون من أبسط مقوّمات الحياة الطبيعية، فقر شديد، غياب المسكن، اللا تعليم، إضافة إلى ضغوط ومشاهد الحرب السورية.

وتضيء على المشاكل الكثيرة لدى السوريين، إذ أنّ “أغلبهم من مستوى اقتصاديّ متدنٍّ، تعرّضوا إلى ضغوطات وعوامل مخيفة خلال الحرب، كمحاولات قتل وملاحقات وسجن وغيره، وبالتالي كثيرون ممن وصلوا إلى لبنان، أتوا وهم يحملون كلّ هذا الكمّ من العنف والعوز والضيق والشعور بالاضطهاد، وهي أمور تؤثّر نفسياً عليه”.

وتضيف: “مقارنة حال المعدمين أنفسهم بحال العائلات الميسورة، يولّد لديهم حالة من الغيرة والحسد. وهذه نظرية تحدّث عنها عالم النفس بندورا، التي تتعلّق بالنمذجة ومراقبة السلوكيات وردود الفعل العاطفية والتقليد والمواقف العفوية للآخرين، من هنا، فإنّ ردّة فعل لاجئين سوريين، تكون عنيفة، وهو ما قد يكون حصل في حادثة الفتى إيلي متى، من دون إغفال الحالات الأخرى التي يمكن أن يعاني منها المعتدي، كاضطراب في الشخصية، وفي التربية والنمو، وبالتالي وجود عوامل تؤدّي إلى أعمال وسلوكيات غير سوية في المجتمع، فيختار المجرم ضحيّته وفق نموذج محدّد، كأن تكون أضعف منه جسديًّا، تملك الكثير من المال، فينفّذ جريمته بلا رحمة وبلا شفقة. وهذا يدعو بحسب عطالله إلى ضرورة خضوع هؤلاء الأشخاص إلى اختصاصيّين نفسيّين.

السرقات وكلام عبد المسيح
في الموضوع الأمني أيضاً، وإضافة إلى حالات العنف، تكثر أعمال السرقات والتعديات، وتشير وزارة الداخلية إلى أنّ نسبة السرقات المرتكبة على يد لبنانيين تقدّر بـ 47 في المئة، و42 في المئة على يد سوريين، و11 في المئة على يد جنسيات أخرى. وبحسب القوى الأمنية، ارتفعت نسبة التوقيفات ما أدّى إلى انخفاض نسب السرقات في العام 2022، لكنّ هذا لا يحجب الخطر الذي يمكن أن يسبّبه غرباء، خصوصاً أنّهم يعتبرون أنّ لبنان ليس بلدهم، وللكثير منهم صلات خارجية عند تنفيذ الجريمة تساعدهم في الهروب إلى سوريا.

ولعلّ النداء الملفت مؤخّراً أطلقه النائب أديب عبد المسيح، الذي كشف أنّ جهاز أمنه ألقى القبض على سوريين يخطّطون لمحاولة سرقة منزله وغير محاولة سرقة. وربما هذا يعكس حجم الفلتان الأمنيّ الذي يزداد نتيجة عقم الدولة في القيام بواجباتها تجاه شعبها. هذا إضافة إلى حالات النشل والخطر الذي يتعرّض له المواطنون على الطرقات.

ماذا لو رحل النازحون؟
بحسب تقرير صندوق النقد، دفع لبنان حتى الآن 47 مليار دولار لرعاية النازحين، هذا عدا المساعدات التي يتقاضونها من المنظمات الدولية. ولكن ماذا لو افترضنا يوماً أنّه “صار عنّا دولة”، وأنّ اللاجئين غادروا إلى بلدهم، فكيف تنعكس هذه الفرضية إيجاباً على اللبنانيين؟
يقول البروفسور خاطر: “لا بدَّ من أن تنعكس أيّ خارطة طريق تهدف إلى عودة النازحين السوريين الى وطنهم إيجابًا على اقتصاد لبنان وبنيته التحتيَّة ومِهَنِهِ الحرّة والحرفيَّة. ويساهم إيجاد حلّ لعودة النازحين الى بلادهم بتبديد الهواجس الديموغرافية والاجتماعيَّة والسياسيَّة المتعلقة بوجودهم وهي ليست خفيَّة ولا سرّيَّة”.
وبحسب خاطر، “ليست مشكلة النزوح السوري الى لبنان شأناً لبنانيّاً داخليًّا ولا حتّى مسألة إقليميَّة بل هي جزء لا يتجزّأ من لعبة الأمم التي تحطّ رحالها تاريخيًّا في بلدنا الصغير المُنهك إلّا أنّ السعي واجب وحقّ الى أن يقضي الله أمرًا”.

خلاصة
لا يمرّ يوم إلّا وتُطلق القوى الأمنية تحذيرات للتنبّه من السرقات والتعديات اليومية. ففي عزّ أيام الحرب، كانت المناطق آمنة، وأيّ معتد كان يُحاسب. فهل العنصرية اليوم أن نطالب بأن يكون أمننا محفوظاً وأمن عائلاتنا وبناتنا مصاناً من كل المجرمين مهما كانت جنسيتهم؟
في المقابل، مسؤوليات كبيرة ملقاة على عاتق مسؤولينا، أكانوا في السلطة أم خارجها، فلبنان إلى تحوّل كبير في عمق بنيته الديموغرافية، والمطلوب لا بل هم مجبرون على إيجاد المعالجات، قبل فوات الأوان.

المصدر
رولان خاطر - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى