بلديات تستعين بالسوريين لتنظيف شوارعها واللبناني يتفرّج !
في برج حمود، الحركة لا تهدأ، فهي من أكثر المناطق اللبنانية حيوية واكتظاظاً في أسواقها ومحالها وشوارعها، إنّها قلب المتن النابض كما يصفها أهلها. المشهد عادي، عجقة ناس من جميع الانتماءات، وأعمال من كلّ الأنواع والمهن، غير أن اللافت هو تجوال مجموعة من العمال غير اللبنانيين يرتدون سترات موحّدة اللون، يقومون بتنظيف الطرقات والأقنية والمجاري، والإهتمام بتشحيل ما تبقى من أشجار صامدة في غابات «الباطون» المدنية وحدائقها النادرة، ما يطرح السؤال التلقائي والعفوي: «وين اللبنانيي»؟ كيف تسمح البلدية بتشغيل هؤلاء فيما أهل البلد عاطلون عن العمل؟ ومن يموّل هكذا مشاريع وما أهدافها؟
بين «القيل والقال» وإلقاء اللوم على السلطات المحلية (البلدية)، واتهام بعضها بالتآمر مع منظمات دولية وغير حكومية بدمج النازحين في المجتمع لقاء منافع مالية ومادية، في ظلّ الأزمة الإقتصادية المتدهورة، وتخبّط المسؤولين في خططهم ووعودهم الزائفة، وتخلّي السلطة المركزية عن المجالس البلدية لتقلّع شوكها بيدها، كان لا بدّ من إبراز الحقائق والبحث عن الوقائع كما هي:
البداية من بلدية برج حمود، المسؤولة مباشرة عن هذه القضية، إذ يتحدّث مدير قسم الأشغال في بلديتها شربل باحوط لـ»نداء الوطن»، عن المشروع الذي تنفّذه جمعية AVSI الإيطالية، بتمويل من «الوكالة الإيطالية للتعاون التنموي» (AICS)، لدعم البلدية في تأمين وظائف موقّتة للعشرات من المستفيدين، الذين يؤازرون قسم الأشغال بأعمال تنظيف الأقنية والمجاري والشوارع، إلى جانب صيانة البنية التحتية (إنارة، أرصفة) والمساحات الخضراء.
أوضح باحوط أنّ «مسار اختيار العاملين بدأ مع نشر إعلانات ومنشورات على الطرقات والأماكن كافة في نطاق بلديتنا، لفتح المجال لكلّ من يرغب في العمل، لمدة 40 يوماً من دون أي تفرقة، فيما كانت الأولوية للبنانيين، واستقبلنا الطلبات في ملعب بلدية برج حمود، وأخذت العملية فترة 5 أشهرٍ من تحضير وقبول الأسماء والتدقيق في الملفات»، لافتاً إلى أنّ المفاجأة كانت بعدم تقدّم أي لبناني! ومن تقدّم منهم تراجع في اليوم الثاني لأنه «ما بدّو يكنّس طرقات».
وعن انزعاج بعض السكّان المحليين من تشغيل غير لبنانيين، قال: «أنا أوّلهم، لكن ماذا نفعل؟ منجبرن يشتغلوا بالقوّة؟ ترجّيناهن وتواصلنا مع كلّ شخص منعرفو بحاجة لعمل»، مردفاً: «رغم ذلك اتفقنا مع الجمعية على تمديد مهلة تقديم الطلبات أسبوعاً إضافيّاً لإفساح المجال أمام اللبنانيين، بيد أن النتيجة كانت سلبية»، وإذ يسأل: «معقول ما في لبناني واحد عاطل عن العمل؟»، يجيب: «المشكلة مرتبطة بذهنيتنا، ونمط حياتنا».
وفي ردّه على بعض ما يتردد عن فرض منظّمات المجتمع المدني على المجالس البلدية ضرورة توظيف السوريين، نفى باحوط نفياً قاطعاً، مشدّداً على أنّ «الجمعية المذكورة لم تضع أي شروط، ولم تطلب منّا تخصيص أي كوتا للنازحين، بل فتحت الباب أمام الجميع، لأي إنسان بحاجة إلى عملٍ يؤمّن لقمة عيشه من عرق جبينه، حتّى أن الفرصة كانت متوفّرة أيضاً لغير المقيمين في برج حمود»، مكرّراً موقفه: «تمنّينا لو كان الكلّ من اللبنانيين».
وعن الرواتب المصروفة للأجراء المذكورين من قبل الجمعية، التي قد تكون عائقاً أمام اللبناني في تحفيزه على هكذا عملٍ، كشف رئيس قسم الأشغال في البلدية، أن «400 ألف ليرة في اليوم، مقبولة وتسدّ الحاجة في هذا الظرف الصعب مقارنة مع الوظائف الأخرى في الدولة وبعض القطاعات الخاصة، كما لا ننسى أن المقيم في برج حمود يوفّر على نفسه كلفة التنقلات والمواصلات، فالشغل «بقلب بيته».
وختم باحوط شاكراً الجمعية على تعاونها، لافتاً إلى أن «النتيجة حتى الآن أكثر من المتوقّع، لأنّها عوّضتنا عن النقص الحاصل الذي تعاني منه معظم البلديات الكبيرة، لناحية تنظيف الطرقات والمجاري والمصافي والأقنية، تحسّباً لفيضان الطرقات في مواسم الشتاء».
نشاطات الجمعية
في المتابعة، كان لـ»نداء الوطن» اتصال مع مسؤولة في جمعية «AVSI» الإيطالية، التي أوضحت أن الجمعية تأسّست في إيطاليا عام 1972، وهي موجودة في لبنان منذ العام 1996 أي قبل أزمة اللجوء والنزوح السوري بـ15 سنة، ونفّذت عشرات المشاريع على امتداد الأراضي اللبنانية، موزّعة بين الزراعية والتعليمية والإنسانية وحالات الطوارئ، إذ تهتمّ الجميعة بالفئات العمرية كافة، من الأطفال الذين تركوا المدرسة في سنّ مبكرة، ومساعدتهم عبر دورات تعليمية لمحو الأميّة، إضافة إلى تدريب الشباب العاطلين عن العمل على بعض المهن كتنظيف الطرقات وزراعة الحقول وغيرها. ولفتت المسؤولة إلى أنّها (أي الجمعية) تأخذ المبادرة في التواصل مع البلديات لشرح مشاريعها التي تنوي تنفيذها بعد تأمين التمويل اللازم، كما حصل مع برج حمود.
وأكّدت أنها «لا تفرض أي شروط على البلديات، إلا ما هو متّصل بالمواصفات التي تحدّدها الجمعية والمرتبطة بمساعدة الفئات الأكثر تهميشاً في المجتمع، ومنها كما ذكرنا، الشباب (فوق 18 عاماً) الذين تخلّوا عن مقاعدهم الدراسية مبكراً، ويبحثون عن عمل، أكانوا من اللبنانيين أو غيرهم».
استطراداً، وفي ما يتعلّق بدورات تعليم الأطفال، أشارت الجمعية إلى أنّ معظم الأطفال هم من السوريين، موضحة أن «السبب غير مرتبط بأي نوع من أنواع التمييز، لأنّه بكل بساطة، نادراً ما نجد طفلاً لبنانياً من دون مدرسة».
في الخلاصة، إنّ معاناة المواطن الباحث عن قوته وحقّه في حياة كريمة، تتحمّل وزرها الدولة، المسؤولة أولاً وأخيراً عن محاربة البطالة والفقر، عبر سياسات إصلاحية شاملة تُنعش الإقتصاد، فاللبناني ليس خمولاً، ولا يخجل من المهن المتواضعة (حسب المجتمع)، لكنه بطبعه يبحث عن الثبات، أي عن وظائف، لها طابع الديمومة والإستمرارية والإستدامة، وليس كأجيرٍ موقّت، لا تتوفّر الضمانات اللازمة له ولعائلته، وتأمين أبسط احتياجاته من التعليم والصحّة والطبابة والحدّ الأدنى من السعادة التي يحلم بها في وطنه.