مقالات

الادوية البديلة… وتجّار “الشنطة”!

بعد فترة من حلول الأزمة الإقتصادية على لبنان، وتفاقم أسعار الإحتياجات الحياتية برمّتها، توجّه اللبنانيون إلى بدائل أكثر توفيرا، لا سيما بعد الإحتكارات التي طالت مجمل القطاعات.

ولم يكن سوق الدواء بمنأى عن ذلك، بل كان من أنشط الأسواق بالبدائل. ولكن هنا تصبح المسألة أكثر حساسية، فالموضوع يتعلّق بحياة الناس التي أصبحت للأسف مهدّدة اليوم بفعل تجار الدواء، وتحديدا الدخلاء على هذا المضمار.

إلى ذلك، بات مصطلح الدواء البديل يتردّد على مسمع اللبنانيين وألسنتهم مؤخرا ، فقد لجأ إليه معظم الناس، نظرا لسعره الأرخص عن الدواء الأصلي وفعاليته المماثلة.

في المقابل، وفي ظل اللجوء الواسع إلى الدواء الرديف وكثرة الطلب عليه، إزدهر سوق الأدوية البديلة ودخل إليه من “هبّ ودبّ”، من دون مراعاة أي معاييرعلميّة لناحية التخزين والنقل، ما جعل بعضها غير فعّال وفاسدا، والخطر يكون أعظم حين يتعلّق تحديدا بأدوية الأمراض المستعصية أو المزمنة، علما أنّ كل حالة مرضية مهما كانت بسيطة، قد تتفاقم إن لم يكن الدواء الموصوف فعّالا أو آمنا.

“براند” و”جنريك”: ما الفرق؟

طبيّا، هناك إسمان لأي دواء: إسم علمي(Generic name) يطلق وفق إسم المادة الفعالة للدواء، وغالبا هو إسم واحد، والآخر تجاري (Brand name)، أي الإسم الذي أطلقته الشركة المصنّعة للدواء الذي يحتوي على المادة الفعالة، وغالبا يكون للاسم العلمي العديد من الاسماء التجارية، والتي تعتبر جميعها بدائل لبعضها.

ومثال على ذلك، دواء البنادول هو Brand name، أطلقته الشركة المصنعة له، يحتوي على المادة الفعّالة “باراسيتامول”، وهو الإسم العلمي للدواء Generic name، وهناك العديد من بدائل البنادول التي تحتوي على نفس المادة الفعّالة ولكن باسم تجاري مختلف، مثل الباندا على سبيل المثال.

الباحث في العلوم الدوائية، والإختصاصي في العلوم المخبرية والسريرية الدكتور محمد خيامي، قال لـ “الديار” في هذه المرحلة تقوم مراكز الأبحاث والشركات الكبرى في الدول المصنّعة للأدوية، مثل شركتي “فايزر- Pfizer” أو” بوهرينغر- Boehringer” وغيرهما، وقبل تصنيع الدواء- بدراسات وأبحاث على مدى سنوات طوال، وتجارب كيميائية وتجارب على الحيوانات والبشر، بعدها يحصلون على إجازة أو موافقة (approval) من منظمة الصحة العالمية و إدارة الغذاء والدواء (FDA أو USFDA) لصناعة دواء معين، إذا كانت كلّ الدراسات والأبحاث صحيحة، وبعد أن يسمح لهم بتسويقه، يعطونه إسما تجاريا (BRAND)، كما تمنح الشركات المصنّعة فترة حماية قانونية تترواح بين 10 و15 سنة، لا تستطيع خلالها أيّ شركة أخرى إنتاج مثل هذا الدواء، وذلك لإعطائها فرصة لاسترجاع نفقاتها وتحقيق الأرباح تشجيعا لها.

اضاف خيامي: بعد انتهاء فترة الحماية للشركات المصنّعة للنسخة الأصلية من الدواء، يمكن لمختلف شركات الأدوية تصنيع أدوية تسمّى جنريك ( generic)، أو جنيسة أو ما نسمّيه اليوم بديلة، وأوضح أنّ هذا الدواء هو تركيبة الدواء الأصلي، مثالا “البانادول” الذي هو إسم “براند”، وتركيبته العلمية “باراسيتامول”، وعندما اخترعوه سوّقوه بإسم “بانادول” وباعوه خلال الفترة الخاصة بهم، ويمنع على أيّ شركة تسمية نفس الإسم، فالجنريك الخاص به هو “الباراسيتامول”، وأصبح يوجد نحو 50 شركة تنتجه بنفس العيارات بأسماء مختلفة.

شروط ومعايير

مؤخرا، أعلن وزير الصحة العامة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض عن قرار الوزارة “استبدال شراء تسعة أدوية “Brand” للأمراض السرطانية والمستعصية ببدائل لها (Biosimilar) مضمونة الجودة والفعالية إنما بأثمان أقل، ما يتيح شراء كمية أكبر من الأدوية واستفادة عدد أكبر من المرضى، وهو أمر معتمد في فرنسا والولايات المتحدة الأميركية ومختلف الدول المتقدمة في الرعاية الصحية.

في السياق، أكّد خيامي أنّ “الجنريك” الخاص بالدواء يستعمل بأمان ومن دون خوف، ولكن بشرط أن لا نشتريه من أي شركة كانت، لافتا إلى أنّ نحو 90% من الأدوية في الولايات المتحدة الأميركية هي “جنريك”، كما أنّه أوفر بحيث يبلغ سعر دواء “البراند” مثلا نحو 100 دولار، فيما يبلغ “الجنريك” نحو 10 دولارات فقط.

سمعة سيئة؟

لماذا هناك سمعة سيئة عموما للأدوية البديلة في لبنان؟ أجاب خيامي أنّ مشكلة الجنريك في لبنان هي التهريب، بحيث أصبح أيّا كان يدخل الدواء إلى البلد، وذكر أنّ أيّ دواء يدخل لبنان لا بدّ أن يمرّ عبر وزارة الصحة، التي لا تقبل تسجيل أو إدخال أي دواء “براند” أو جنريك” من دون دراسات وأبحاث، ويجب أن يكون الأخير دواء مستخدما في بلد المنشأ، مؤكدا أنّ لا مشكلة فيه، بشرط أن يكون مصدره بلدا موثوقا، وأن يكون مسجلا في وزارة الصحة.

الدواء بـ”الشنطة”!

واشار خيامي الى ان المشكلة اليوم، أنّ هناك كميّات كبيرة من الدواء تدخل لبنان عبر المساعدات أو بطرق غير شرعيّة، أو تباع بـ”الشنطة” من دون أن تعرف إن كان هذا الدواء جيدا أم لا، صالحا أم فاسدا أو مزورا، وما هو مصدره ، وكيف يتّم نقله. واكد ان هناك شروطا فنية كثيرة لنقل الأدوية، بطرق الحفظ والتخزين(التبريد، الحرارة والرطوبة)، فهناك تجّار ينقلون الأدوية مع الأحذية والثياب والحديد على سبيل المثال.

وعما ما إذا كان هناك من محاذير للأدوية البديلة فيما خصّ الأمراض المستعصية تحديدا، نصح خيامي باستعماله لكلّ أنواع الأمراض حتى المستعصية والمزمنة، بشرط أن يتّم شراؤه من الصيدليات الشرعية، مشدّدا أنّ أدوية التهريب والتقليد والتزوير هي سبب كلّ مصيبة، كما حصل بموضوع دواء السرطان الأطفال مؤخرا، فكلّ هذه الأدوية لم تمرّ عبر الوزارة، ومثلها أدوية المساعدات المشكوك بأمرها ، فكيف تنقل و تخزّن وتصرف للمرضى؟

واكد خيامي أنّ الأدوية البديلة فعالة مثل “البراند”، ولا مخاطر صحية لها، شرط أن تكون مسجلة في وزارة الصحة عبر الطرق القانونية، ولها وكيل رسمي يتحمّل المسؤولية عند حصول أمر ما، وليس عبر تاجر لن نراه مجددا، ورأى أنّ حلّ هذه المشكلة هو عبرمكافحة التهريب، ومنع أيّ تاجر من بيعها للناس، لأنّ همّه ربح الأموال، وآخر ما يهمّه هو صحة الناس.

خلاصة القول، عندما يدخل الدواء بازار التجّار، فعلى الصحة السلام. والخطر يكبر عند الحديث عن الأدوية البديلة المجهولة المصدر، تحديدا للأطفال أو أصحاب الأمراض المستعصية والمزمنة. ولأنّ الفوضى تعمّ سوق الدواء كما سواه، ولا قدرة للدولة على ضبط الأمر، لا بدّ أن يكون المواطن خفيرا على صحته، فاقتضى التنبيه والتحذير!

المصدر
يمنى المقداد- الديار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى