كنا آلينا على أنفسنا في “نداء الوطن” متابعة عملنا بما يرضي المهنة والحرفية ويعبّر عن موقفنا الواضح الملتزم سيادة لبنان وقضايا الناس غير آبهين لا بسلطةٍ فاجرة تدّعي علينا لتمسّكنا بالدفاع عن الثوابت الوطنية، ولا بأطراف سياسية ومصرفية ونفطية تصيبها الهستيريا كلما نشرنا عن ارتكاباتها وسرقاتها حقائق لا يرقى إليها شكّ.
وكنا – انطلاقاً من هذا المبدأ – نساجلُ من يستحق السجال ويرتفع الى مستوى الكتابة باحترام، مثلما كنا ننشر ردوداً تصلنا، بعضها مجاف للحقيقة ومصرٌّ على الإنكار وتنقصه اصول الصياغات. رمينا دائماً وراء ظهرنا افتراءات يوجهها سياسيون أو أزلامهم أو حقارات تمارسها جيوش الكترونية او إعلاميون صغار أو صحف صفراء. ولطالما اعتبرنا أن تعالينا وقيامنا بنشر النفي والرد، ولو تعوزهما اللياقة الكافية، يكسبنا ثقة لدى القراء كونهم يضعون مصداقيتنا مقابل مصداقية الآخرين فتَرجَح كفتنا في الميزان.
غير ان بيان مكتب رئيس الجمهورية السابق ميشال عون ضدنا أول من أمس السبت، الذي نشرناه على موقعنا الالكتروني ونعيد نشره داخل العدد اليوم، تجاوزَ كل اعتبار. فقدَ فخامته حتماً أعصابه حين أشار لكتبته الصغار بتحبير شتمٍ يليق بأولاد الشوارع لا بخريجي مدارس وجامعات. جُنَّ جنونه لأننا كشفنا محضر لقاء له مع شباب تياره جاء فيه “إما تصطلح الأمور مع حزب الله أو نضع تفاهم مار مخايل في سلة المهملات”. وهو كلام منقول عن حاضرين موثوق بهم، ويحق للصحافة تداوله وإبرازه للرأي العام، خصوصاً أن ما نقل يتناسب مع لغة فخامته التي تكره القفازات مفضلةً الوضوح الجارح الذي يطلق الاتهامات على التعبير الراقي الموجب استخدام الحجج والكلام البناء… ثم إن الخلاف بين طرفي “التفاهم” ظهر على لسان قادة الطرفين وشكل مادة خلاف كبير بين جمهوريهما ومحوره “رئاسة جبران” ومن “ضحَّى” أكثر من الآخر على امتداد سنوات حِلف “أغطيكَ مسيحياً وأتغاضى عن قضمك الدولة، فاعطني كرسي الرئاسة وأتِح لتياري الشراكة مع المافيا”.
بيان “الرابية” يقول في “نداء الوطن” ما قاله مالك في الخمرة، لكن نشوة السَّكرة فيه أننا “سفهاء وبلا أخلاق”، من دون أن يكرر تعابير الجنرال التاريخية مثل “أوطى من بطن السقاية” و”تحت زناري” وتعابير أشنع سمعها الناس جميعاً مباشرة وسمعنا مثلها في “مجالس بالأمانات”.
ويبدو أن حاشية الرئيس عون مصابة مثله بمتلازمة “ضيق الصدر” والشعور الدائم بالاستفزاز. لم يوفّرنا وزير خارجيته عبدالله بو حبيب بنفي لخبرنا عن “تسويق نفسه لرئاسة البلاد في واشنطن” متهماً إيانا باستهدافه الشخصي والتضليل والعمالة في بيانٍ عمَّمه على الإعلام، فيما تتوخّى أخبارنا الدقّة ومصدرها أجنبيّ وبلديّ على حدّ سواء، وفيما لا يشكل السعي الى رئاسة الجمهورية لخدمة البلاد إهانةً على الإطلاق بل نراه سعياً شريفاً ومشروعاً. أما رسائله النصية التي وجهها إليّ عبر الـ”واتس آب” فسأتحفظ عليها لئلا يترحّم اللبنانيون على أيام تربَّع فيها على عرش الخارجية وزراء من طراز فؤاد بطرس وشارل مالك وفيليب تقلا وخليل أبو حمد وحميد فرنجية ويوسف سالم وكميل شمعون.
ما أوردناه أعلاه نموذجان لتعاطي رئيس جمهورية ورئيس دبلوماسية مع الصحافة، فكيف نستغرب إيقاف القاضي زاهر حمادة وليم نون؟ ومن باب التذكير هنا أنّه قاضي الإدعاء نفسه الذي هاج وماج في جلسة محاكمة “نداء الوطن” (قبل أيامٍ من ثورة 17 تشرين) بدعوى فخامته علينا حين عنونّا “أهلاً بكم في جمهورية خامنئي”. يومها أيضاً شعر “بيّ الكل” بالإهانة! فاقتضى البيان.