لا أحد يستطيع الإدعاء أن وضع السلطة في لبنان طبيعي في ظل هذا الشغور المتمادي في رئاسة الجمهورية، وإدارة شؤون البلاد والعباد بحكومة تصريف أعمال،منقسمة على نفسها، ويتحصن وزراؤها خلف متاريس أحزابهم، ولا يهتمون إلا بتحقيق مصالحهم الشخصية والفئوية، والتي تخدم مرجعياتهم السياسية.
السجال البيزنطي المحتدم حول إنعقاد جلسة مجلس الوزراء لحسم موضوع السلفة الكهربائية، والحد من هدر مئات الألوف من الدولارات كغرامات للبواخر النفطية المنتظرة في عرض البحر، يكشفان، مرة أخرى، هزالة السلطة المتهالكة في البلد، ومدى توغل بعض الأطراف السياسية، لا سيما التيار العوني، في سياسيات الكيدية والنكايات، على حساب ما تبقّى من مصالح الدولة المتهاوية، وضاربين عرض الحائط بآلام الناس الغلابى، التي تشتد يوماً بعد يوم، بسبب سوء الإدارة المستمر منذ فترة ليست قصيرة، والتي بلغت ذروتها في السنوات الأخيرة.
كيف يتجرأ من يدّعي الحرص على حقوق جماعته الطائفية، ويزعم التمسك بالأصول والنصوص الدستورية، على إبقاء البلد في ظلامات العتمة، ولا يشارك في إقرار سلفة الكهرباء وفق القواعد القانونية التي تضع حداً لفوضى السلف الكهربائية؟
ماذا يعني الناس هذا التراشق بالإتهامات بين مكونات الحكومة، تحت شعار تجاوز الصلاحيات الرئاسية، والذي يؤدي في النهاية إلى إستكمال دائرة الشلل في الدولة، التي تُعاني أصلاً من العجز والفشل في الحد من تدحرج الإنهيارات في مختلف القطاعات؟
ما معنى وجود سلطة غير قادرة على إتخاذ القرارات الملحّة والضرورية، مثل إقرار سلفة الكهرباء، وهذا أضعف الإيمان، بسبب عناد فريق في الحكومة يصرُّ على الإستمرار في سياسة التعطيل، بحجة الضغط لتسريع إنتخاب رئيس للجمهورية؟
المشكلة أن الفريق المعطِّل يدرك أكثر من غيره، أن مصير الإنتخابات الرئاسية مرتبط بعوامل الصراعات والتوافقات الدولية والإقليمية، والتي تحوّل لبنان إلى إحدى ساحاتها المكشوفة.
المطالبة بتواقيع كل الوزراء على أي مرسوم يصدر عن الحكومة، عوض إلتئام مجلس الوزراء، تبقى من نوع الهرطقات الدستورية والسياسية، لا علاقة للدستور بها، لا من قريب ولا من بعيد، وتُخفي وراءها طموحات رئاسية، تبقى مجرد سراب، لا وجود له على أرض الواقع!