سياسةمقالات

حسين الحسيني… دستور في رَجُل

ليس قليلاً أن يقترن اسم سياسي واحد بدستور بلد كامل. لُقب بـ”عَرّاب الطائف” ليس مجاملةً ولا اعترافاً فقط بمساعيه وموقعه يوم اجتمع نواب الأمة في المملكة العربية السعودية لوقف الحرب، بل لأنه نذر نفسه منذ ذاك الوقت للدعوة الى إحياء لبنان دوراً وعيشاً مشتركاً ومؤسسات في ظل دولة يحكمها الدستور وسلطة القانون.

طغى “المبدئي” لدى حسين الحسيني على “السياسي”، فاختار الشأن الوطني بديلاً من تلوث اليوميات وموجبات المساومات. وعلى مدى العقود الثلاثة الأخيرة، لم يَكلّ عن التذكير بالأساسيات أو يَمَل من تصويب الشوائب أو يبدِّل نهجه في نقد الإعوجاج والتنديد بـ”الانقلاب” على “اتفاق الوفاق” وبالارتكابات التي أودت الى الخراب.

رحلة السيد حسين طويلة في العمل العام لكنّ بصْمته المميزة برزت في إنجاز “الطائف” نصاً، والاجتهاد المحموم لتطبيقه روحاً وعملياً عبر رفيق خطواته ونظير عقلانيته وحكمته رينيه معوض “شهيد الطائف” وميزان التوازنات.

ألمنا أنّ الحسيني غادر الدنيا شاهداً على تدهور لبنان وليس على نهضته. رحل وفي قلبه غصّة على اندثار الفكر والقول وصدق النوايا لمصلحة الترهل والتفاهة وخبث الطوايا. وإذ كان يفهم ضعف أهل السلطة أمام المغريات، فإنه لطالما عجب من قلة الأخلاق وانعدام الحس الوطني وممارسة الجريمة في حق الفرد والجماعة على السواء.

انتقدناه مراراً لكتمه أسرار “الطائف” ومداولاته ورفضه فضح التجاذبات التي سبقت التوقيع على “الاتفاق”. ولعلّه بذلك ما أراد إلا البناء على الايجابيات وتجنُّب صبِّ “الزيت الطائفي” على النار.

كان حسين الحسيني رجل اللقاء في منتصف الطريق درءاً للتطرّف وليس رغبة في إمساك العصا من الوسط. اعتداله لم يكن مجرّد تسوية بين تناقضات، بل موقفاً جريئاً وفلسفة كاملة للدولة المتعددة الطوائف والمذاهب ولكل دولة اختارت النظام البرلماني الديموقراطي ومبدأ تداول السلطة بين الأصلح والكفاءات.

كان مشرّفاً لأي صحافي حمْلُ وسام تقريظ كتابته من حسين الحسيني أو انتزاع تمهيد لكِتابه من قلمه الأنيق. أما نسج الصداقة معه مع اختلاف العمر والتجربة فلم يكن معيارُه تعدد اللقاءات بل تلك الكيمياء التي تُحدثها حساسية الكتابة والشراكة في القناعات والحض على بناء دولة السيادة والاستقلال والعدالة.

“نداء الوطن” تتذكّر باحترام مواقفه كلها، وخصوصاً مبادرته للحضور الى مكاتبها متضامناً مع الحريات في مواجهة دعوى السلطة عليها بعيد صدورها في العام 2019، وتتقدم بأحرّ التعازي من عائلته الصغيرة والكبيرة، ومن كلّ لبنان.

المصدر
بشارة شربل - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى