سياسةمقالات

إنسداد سياسي ورفض للحوار

يدفع اللبنانيون ثمناً باهظاً جراء الانسداد السياسي الذي تعيشه البلاد، وقد تم تصنيف عاصمتهم بأنها الأسوأ عالميا من حيث صعوبة العيش، وهي الأغلى بين العواصم العربية، رغم تدني منسوب الدخل عند المواطنين الى الحدود الدنيا بعد أن فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 96% من قيمتها خلال السنوات الثلاث الماضية. وكانت بيروت توصف بلؤلؤة شرق البحر الأبيض المتوسط، وكان يقال عن لبنان إنه سويسرا الشرق.

كل المعطيات المتوافرة من الأروقة السياسية ومن المسؤولين الذين يتابعون الملفات المطروحة، تؤكد أن لا شيء جديدا فيما يتعلق بانتخابات رئاسة الجمهورية، والتموضعات النيابية ما زالت على حالها، بينما الحوار الجدي متوقف بين القوى المؤثرة، وتحركات القوى الخارجية مجرد أوهام، وهي عبارة عن استنتاجات إعلامية ليس إلا، ولا يوجد أي مؤشر جدي على تحرك خارجي فاعل يدفع بالملف اللبناني الى الواجهة حتى الآن.

البطريرك الماروني بشارة الراعي قال أمام زواره إبان فترة الأعياد: إن لبنان أسير بين فريقين، فريق لا يريد له أن يعود كما كان وطن الحريات والازدهار والتنوع، وفريق لا يريد أن تسير الأمور على ما يرام، إلا إذا كان هو من يتحكم في مفاصل الدولة، ومنها رئاسة الجمهورية. لكن الراعي متهم من فرقاء آخرين، بأنه يساعد على تعطيل الحوار، وهو ضد دعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري لرؤساء الكتل النيابية للقاء في المجلس النيابي بحثا عن حلول للعقد المطروحة. واستقبال الراعي لوفد يمثل الرئيس نبيه بري، ووفد آخر يمثل حزب الله في بكركي، لا يبدو أنه غيّر من هذا الموقف، لأن الراعي يرى أن على النواب الشروع في انتخاب رئيس للجمهورية دون إبطاء، ومن دون تقديم حجج ليس لها ما يبررها، لا سياسيا ولا دستوريا، لا سيما تعطيل نصاب الجلسات التي تلي عملية التصويت في الدورة الأولى.

يدفع المسيحيون أكثر من غيرهم ثمن تعطيل الدولة، لكنهم يسهمون ربما أكثر من غيرهم في عملية التعطيل، خصوصا في انسحاب قسم من نوابهم من جلسات انتخاب الرئيس وبالتالي فرط النصاب، أو لناحية المساهمة في تعطيل الحياة العامة برمتها، من خلال رفض انعقاد مجلس الوزراء لتصريف أعمال الدولة، وهذا المجلس يمارس صلاحية رئاسة الجمهورية الشاغرة، لكنه في الوقت ذاته يتألف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، ولا يمكن مع ذلك القول، إن رئيس الحكومة يرغب في ممارسة صلاحيات الرئيس بمفرده من خلال دعوته إلى عقد جلسات لمجلس الوزراء تبث في الملفات الملحة، والدولة من دون دور فاعل لمجلس الوزراء وسط هذه الأزمة الخانقة سوف تنهار حكما، حيث غالبية المؤسسات الأساسية تدار بالوكالة، بينما أصبح السلك القضائي في حالة صعبة جدا، لأنه يعاني من نقص فادح في عدد القضاة، ولأن التشكيلات القضائية متوقفة منذ العام 2017، ويصيب الشلل محكمة التمييز، وقضاة التحقيق والهيئات الاتهامية يمارسون أعمالهم بالوكالة، لا سيما في المحكمة العسكرية.

وما أصاب الجيش في المدة الأخيرة، أثر كثيرا على معنوياته، وربما على دوره، لا سيما بعد رفض وزير الدفاع موريس سليم تأجيل تسريح رئيس الأركان والمفتش العام اللذين تقاعدا، كما فعل سلفه سمير مقبل عام 2015 إبان فترة الفراغ الرئاسي. وموقع رئيس الأركان لا يمكن أن يتسلمه بالوكالة أي من ضباط القيادة، ولأن مجلس الوزراء لا يستطيع تعيين بديلين أصيلين عنهما حاليا.

لبنان في أسوأ حال سياسية وحياتية، والمخاطر تهدد وجود الدولة، بينما يتلهى بعض السياسيين في الحسابات الشخصية او الطائفية، ويرفضون الشروع دون أي إبطاء في انتخاب رئيس للجمهورية ومن ثم تشكيل حكومة تعبر عن الإرادة النيابية الجديدة، وهذه الخطوات ضرورية وإلزامية للبدء بعملية الإنقاذ التي طال انتظارها.

المصدر
ناصر زيدان - الانباء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى