سياسة


عوده: المصلحة العامة تقتضي وقف التراشق الكلامي والعمل على إظهار الحقائق المطموسة وهذا لن يحصل ما لم ينتخب رئيس

ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، خدمة القداس الإلهي في كاتدرائية القديس جاورجيوس.
 
وبعد قراءة الإنجيل المقدس ألقى المطران عوده عظة قال فيها: “عيدنا منذ يومين عيد الظهور الإلهي، أي معمودية الرب يسوع، بواسطة يوحنا السابق، في نهر الأردن. لقد جاء المسيح ليعتمد كسائر البشر، بعدما ولد وقبل الختانة مثلهم، متمما الناموس البشري، إلا أنه، في كل من هذه الأعمال، كان يضيف بعدا جديدا دون أن ينقض الشريعة، هو الذي جاء ليكمل لا لينقض. يتضح لنا هذا الأمر من كلام الرب يسوع إلى يوحنا: (إسمح الآن لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل     بر) (مت 3: 15). قلنا الأسبوع الماضي إن مشروع التبني بدأ في التجسد، ومر عبر الختانة، وأكمل في المعمودية. هذا الأمر نفهمه وندركه من خلال قول الله الآب الظاهر صوتيا عند لحظة خروج الإبن الإلهي من مياه الأردن: (هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت) (مت 3: 17). نسمع هذا القول مجددا في حادثة التجلي للتأكيد عليه، كما يضيف الآب عبارة طلبية قائلا: (له فاسمعوا) (مت 17: 5)”.
 
أضاف: “إن الله الآب، بقوله هذا، يعلن الإبن بكرا لكل الأبناء الذين تبناهم من خلاله، لهذا يؤكد على أن يكون الإبن مثالا لكل من أراد بلوغ الملكوت. فلكي يسر الله بأبنائه، عليهم أن يصيروا كالإبن الذي به سر، لذلك يطلب فيما بعد أن يسمعوا له، أي أن يسيروا على خطاه، خصوصا في موضوع الصلب المؤدي إلى القيامة. حدث المعمودية كان إتماما لتنازل المسيح الأقصى، الذي بدأه باتخاذه جسدا بشريا. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: (جاء السيد مع العبيد، القاضي مع المحكوم عليهم، لكي يعتمد. مع ذلك، أقول لك: لا تضطرب، في ما بين هؤلاء الوضعاء يسطع سموه. إقتبل أن يحمل به في أحشاء العذراء لزمن طويل، وأن يولد منها بجسد طبيعتنا البشرية، وأن يضرب ويصلب ويكابد الآلام كلها. إذا، لماذا تتعجب إذ تراه يقتبل المعمودية ويأتي مع الآخرين متجها نحو عبده؟ المذهل في الأمر هو الآتي: يريد أن يصير إنسانا بينما هو الله). في يوم معمودية المسيح، مع ظهور الثالوث القدوس واعتراف السابق الشريف، أصبح لدينا اعتراف رسمي بأن ابن الله وكلمته هو (أحد الثالوث)، وقد صار إنسانا ليخلص الجنس البشري من الخطيئة والشيطان والموت”.
 
وتابع: “لقد اقتبل المسيح معمودية يوحنا، التي كانت لمغفرة الخطايا، ليس لأنه خاطئ، حاشا، بل ليقدس مجاري المياه ويجعلها ماء للتطهير بنعمة الروح الكلي قدسه. فمعمودية اليهود، على حسب قول القديس يوحنا الذهبي الفم، لا تطهر من خطايا النفس، بل من قذارة الجسد فقط. بينما معمودية الكنيسة، هي أكثر سموا بما لا يقارن لأنها تحرر الإنسان من الخطايا وتطهر النفس وتمنح الروح القدس. بين هاتين المعموديتين تأتي المعمودية التي مارسها يوحنا، التي كانت جسرا بين اليهودية والمسيحية. معمودية يوحنا كانت أرفع من المعمودية اليهودية، لأنها أشارت إلى المسيح. يقول القديس يوحنا الدمشقي إن المسيح لم يعتمد لأنه كان محتاجا إلى التطهر، بل لينسب إلى نفسه طهارتنا. إعتمد المسيح لكي يسحق رؤوس التنانين التي في الماء، إذ كان الاعتقاد السائد أن الشياطين تعيش في الماء، فغسل الخطيئة ودفن آدم القديم في المياه. إعتمد لكي يحفظ الناموس الذي وضعه هو، حتى لا يظهر مخالفا له، ولكي يكشف سر الثالوث القدوس، وليصير مثالا لمعموديتنا التي تتم بالماء والروح القدس. يقول القديس نيقوديموس الآثوسي إن الخزاف يحتاج عنصرين لكي يعطي الوعاء شكلا: الماء لتحويل التراب إلى طين، والنار لكي يحرق الطين ويعطيه شكلا. والله، خزاف طينتنا العظيم، يفعل الأمر نفسه. فهو إذ أراد أن يغير هيئة طبيعتنا المسحوقة بالخطيئة، استعمل النار والماء، فكان هو نفسه (نارا آكلة) تبيد الشرور، واستعار الماء من الأردن. ولأن المعمودية تتم مرة واحدة، أعطانا المسيح معمودية ثانية بماء حار ينهمر من عيوننا، أي معمودية الدموع التي تحدث في سر التوبة والاعتراف. الشيطان هزم بماء المعمودية، حيث يصبح المعمد ابنا لله، وهو يهزم بواسطة دموع التوبة الحقيقية التي تحرق الخطايا”.
 
وأردف عوده: “يلفتنا في حدث المعمودية أن السماوات قد انفتحت. انفتاحها يعني أنها قد أغلقت بعصيان آدم فخسر الإنسان شركته مع الله. بطاعة المسيح الكاملة، وهو آدم الجديد، تنفتح السماوات مجددا ويصير الإنسان قادرا على بلوغ الشركة مع الله. إذا، المسيح هو المؤسس الجديد للجنس البشري. نحن ننحدر من آدم الأول جسديا، لكننا روحيا ننحدر من المسيح، آدم الجديد”.
 
وقال: “المعمودية هي السر الذي يدخلنا إلى أحضان الكنيسة. فكما أن عمل المسيح الخلاصي للعالم بدأ بالمعمودية، وتبعتها أمور أخرى كالآلام والصلب والقيامة والصعود إلى السماوات، على المنوال نفسه تبدأ الحياة الروحية بسر المعمودية. إلا أن كثيرين ممن تسموا مسيحيين بالمعمودية يبعدون أنفسهم عن حضن الكنيسة الدافئ، ساعين وراء مصالحهم، مستغلين اسم المسيح. هنا دعوة إلى كل مسؤول يعتبر نفسه مسيحيا حقيقيا، أن يجتهد من أجل خلاص أبناء الله الذين ألقيت على عاتقه مسؤولية رعايتهم. هذا الاجتهاد يظهر من خلال محبة الخير والصلاح، ورفض الظلم والقهر وتجويع البشر وإذلالهم واستغلالهم من أجل مكاسب ومصالح خاصة، ومن خلال التعلق بالوطن والإخلاص له والعمل من أجل المصلحة العامة. والمصلحة العامة تقتضي وقف التراشق الكلامي وتعطيل الدولة، والعمل على إظهار الحقائق المطموسة في شتى القضايا التي مست قلب الوطن وأبنائه، ومصارحة المواطنين بشأنها، وإنصاف من يجب إنصافهم ومعاقبة من تجب معاقبتهم، بعيدا من الشعبوية والمتاجرة، كما تقتضي العمل الحثيث من أجل إنهاض البلد وإعادة الحياة إلى مؤسساته وإداراته، وهذا لن يحصل ما لم ينتخب رئيس، مسيحي حقيقي، يتخذ الرب يسوع مثاله الأوحد ويستلهم تعاليمه، اليوم دعوة إلى جميع المسؤولين أن يطهروا أنفسهم بدموع التوبة الحقيقية، ويعودوا إلى الرب الرحوم، ويعملوا بحسب وصاياه، عل الخلاص يزور وطننا المقهور”.

المصدر
NNA

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى