إقتصادسياسةمحليمقالات

كابيتال كونترول أم إبراء ذمة المصارف؟!

غداة الأزمة المالية التي كانت قد بدأت تعصف بلبنان استفاق اللبنانيون ذات صباح على تدابير غير مألوفة وغير معهودة تتخذها المصارف العاملة في لبنان، منها مثلا تحديد سقف للسحوبات لا يستطيع المودع أن يتجاوزه.
وفي الوقت عينه بدأت هذه المصارف والمؤسسات المالية والأفراد بإخراج كميات كبيرة من اموالهم الى خارج لبنان، ما نتج عنه نقص فادح في السيولة ما ادى الى تضييق الخناق على المودعين.
إزاء هذا الوضع تقدم عدد قليل من صغار المودعين بدعاوى قضائية لإسترداد ودائعهم، لكن هذه الدعاوى لم تقترن بنتيجة ايجابية لأسباب لم تعرف، ما حدا بعدد من هؤلاء المودعين الى اقتحام فروع بعض المصارف بقوة السلاح والتهديد وقد تمكنوا من استرداد قسم من ودائعهم. اما كبار المودعين وعددهم لم يتجاوز الخمسة حتى الآن فقد تقدموا بدعاوى قضائية امام محاكم اجنبية انتهت كلها لمصلحتهم وقد بلغت قيمتها ما يزيد عن عشرات الملايين من الدولارات.
اما السلطة السياسية عندنا وبدلا من ان تتخذ تدابير حاسمة وفعالة لتدارك الأزمة كما تفعل الدول الأخرى (ومنها مؤخراً جمهورية مصر العربية) مثل تدبير الكابيتال كونترول او ما يسمى بتدبير ضبط رأس المال فور وقوع الأزمة، وقبل البدء بإخراج الأموال من البلد، انتظرت حوالي السنتين للتفكير بهذا التدبير اي بعد ان اصبحت كل الأموال تقريبا خارج لبنان. وفي هذه الأثناء تكفلت المصارف بدون وجه حق بتطبيق كابيتال كونترول مقنع لأنه غير مقونن.
ان مشروع القانون الذي وصل الى مجلس النواب من دون ان يعرف النواب انفسهم من اين وكيف؟ وصل وما يزال النقاش حوله دائرا حتى الآن في اللجان النيابية المشتركة. ولا نعلم متى سيصبح هذا المشروع جاهزا لإحالته الى الهيئة العامة لمجلس النواب لكي يصبح قانونا؟
لقد تضمن هذا المشروع موضوعين هامين: الأول منح المصارف براءة ذمة واسقاط جميع الدعاوى الحالية والمستقبلية المقدمة من المودعين. والثاني تأليف لجنة حكومية مصرفية مشتركة لمراقبة تطبيق الكابيتال كونترول وقد استبعد منها الجسم القضائي. واذا كان صحيحا ان اللجان المشتركة قد عدلت في هذين الموضوعين الا ان الإشارة اليهما في المشروع المقدم من الحكومة يدل على نوايا السلطة السياسية التي ليست في مصلحة المودعين وذلك خلافا لما يريده صندوق النقد الدولي الذي عبر عن رأيه هذا صراحة في اكثر من مناسبة.

وبما ان النظام الإقتصادي اللبناني قائم على حرية نقل الأموال فيصبح من الضروري ان يتم اقرار الكابيتال كونترول بقانون صادر عن مجلس النواب لأن هذا التدبير يهدف الى ضبط حركة رأس المال ومراقبة دخوله الى الإقتصاد المحلي وخروجه منه.
ولكن، ولكي يكون نظام الكابيتال كوتنرول فعالا ومفيدا يجب اقراره قبل اخراج الأموال من الإقتصاد المحلي وهذا شرط ضروري لأن غاية النظام هي منع اخراج هذه الأموال اي تقييد هذه الحرية التي كفلها الدستور. وكان حريا بالسلطة السياسية ان تلجأ الى اجراءات قانونية اخرى اكثر فاعلية مثل تفعيل او سن تشريعات يكون هدفها استرداد المال المنهوب.
لذلك فان ثمة شكوكا في ان يكون الهدف من تقرير كابيتال كونترول في هذه المرحلة هو ابراء ذمة المصارف ومعها الطبقة السياسية بجميع اجنحتها الموالية والمعارضة وان يكون ذلك على حساب المودعين. من هنا لا يجرؤ احد على الإفصاح عن حقيقة نواياه خوفا من ردات الفعل السلبية من قبل اصحاب الودائع.
ومن المفيد الإشارة الى ان ثمة حالة مشابهة حصلت في لبنان عام 1995 عندما عدلت السلطة التشريعية المادة 27 من قانون العقوبات العام بحيث استفاد من هذا التعديل مصرف هو «بنك كيروز» ونتج عنه اسقاط جميع الدعاوى التي كان قد اقامها المودعون في لبنان وفرنسا.
فهل هذا ما ستؤول اليه حال المودعين من اللبنانيين وغيرهم!؟

المصدر
القاضي الدكتور حاتم ماضي - اللواء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى