سياسةمقالات

“الكهرباء” المعضلة المضجرة تراوح مكانها… سجالات المسؤولين و”انخلي يا مرات حنّا إن كان عندك طحين”

ماذا نكتب؟ ماذا نشرح؟ ولمن؟ ضجرنا من هدر الحبر على “الأزمة الكونية” التي تسمى الكهرباء، وتكرار النعي المسبق لكل وعد يطلقه مسؤول بعودتها، أو خطة ترعاها حكومة لإعادة تأهيلها، لأن “المكتوب” كان يُقرأ من أجواء النكد والتناحر السياسي بين أركان هذه الدولة، المبتلين بمرض اللامبالاة والاستهتار بمصالح الناس ومستقبلهم.

وعود تليها وعود، وعهود تلي عهود، والكهرباء مصيبة #لبنان التاريخية لم ولن تعود. من تقنين الى تقنين، حتى صارت أقصى أماني الناس التضرع الى الله أن يحمي قطاع المولدات، على رغم فلتان الإستغلال والجشع فيه.

وزير الطاقة وعد ببضع ساعات كهرباء، وجهد لتحقيق ذلك قولا وفعلا، ورئيس الحكومة أكد وأصر وحدد مواعيد، مصرف لبنان لاقاهما بالتمويل، ووزير المال موافق. فأين العقدة؟ لا بل أين العقد؟ كلما حُلت واحدة يعقّدها شرط، وكلما نفّذ شرط، يعقّده مطلب، والنتيجة لا حل ولا كهرباء.

لسان حال الناس يقول: يجرؤ المسؤولون اللبنانيون على ارتكاب “السبعة… والتمانية ودمّتها” لتمرير مصالحهم ومنافع أزلامهم، وأحزابهم ومذاهبهم، لكنهم يتحولون فجأة الى أهل قانون وشفافية ودقة، متمسكين بالفاصلة والنقطة، لا يغيرون ولا يلينون، صامدون في شروطهم ومطالبهم مهما حصل، أمام أي حل أو اقتراح حل أو تسوية لمعضلة الكهرباء.

هل من مسؤول يخرج الى الناس ويشرح اللغز؟ هل من يجرؤ على إخبار المواطنين الرازحين تحت فواتير المولدات الملتهبة، لماذا لن تأتي كهرباء “الدولة”؟، ومن يعرقل مجيئها وحلولها وتمويلها وتلزيمها للقطاع الخاص، لوضعها على سكة الحل الصحيح؟ من يخبر السائح والمغترب أن بلدا فيه ما يزيد ويلمع من أنوار الثقافة والعلم والمعرفة والتفوق والريادة، يعيش أهله في عتمة لا سبب لها إلا فيروسات النكد السياسي، والمماحكات السخيفة، وتسجيل الأهداف اللئيمة، بين أهل السلطة وأحزابها وعصاباتها المعشّشة في كل المؤسسات الإدارية والدستورية.

لأشهر خلت وحتى نهاية العام الماضي عاش اللبنانيون “نعمة” الامل، وانتظار فرج عودة الكهرباء ولو مقنّنة لبضع ساعات فقط، ولكن عوضاً عن ذلك “تقيأوا” سجالات ومزايدات وشعبويات كريهة لا تسمن ولا تنير، وعادوا الى ثباتهم واستسلامهم لقدر اللغز الكهربائي المحيّر.

وزير الطاقة وليد فياض أكد لـ”النهار” أن “وزير المال لم يفرج حتى اليوم عن سلفة الخزينة، ولم يفصح بشكل رسمي عن المطلوب لكي يفرج عنها وأوكل الامر الى اوساطه الاعلامية للرد على كل التساؤلات”، فيما تصر وزارة المال على ضرورة وجود ضمان وسند قانوني من خلال مرسوم يوقعه رئيس الحكومة والوزراء المختصون.

وإذ سأل “ما اذا كانت الاموال لا تزال متوافرة أم صُرفت على مسائل أخرى”، أكد أنه تعهد نيابة عن مؤسسة الكهرباء أن تردّ سلفة الخزينة في مدة أقصاها سنة… وأردف قائلا: “يريدون تعهدا من المؤسسة، مَن الاهم المؤسسة أم الوزير؟”.

وأوضح أنه كان قد وضع التفاصيل في كتاب أرسله الى رئاسة الحكومة ووزير المال تضمّن شروط السلفة، ومنها أن مدة استعمال السلفة سنة اعتبارا من تاريخ صدورها على أن تسدد في مهلة أقصاها سنة من تاريخ صدورها. أما كيفية تسديد السلفة المتعلقة بالاعتماد المستندي ومن ضمنها كل المصاريف والعمولات المترتبة عليه، إما نقدا وإما أن ترصد الجهة المستلفة الاعتمادات اللازمة في موازنتها، في حين يعتبر مجرد استعمال الجهة المستلفة لأي جزء من السلفة إقرارا منها بالقدرة على التسديد وفق الاسس المنصوص عليها في المادة الاولى من السلفة. وأكد أنه لا يجوز للجهة المستلفة وعلى مسؤوليتها أن تستعمل السلفة أو أي جزء منها في غير الغاية التي أعطيت من أجلها.

وكان وزير المال رد في 20 كانون الاول الماضي على طلب وزير الطاقة فتح اعتماد مستندي لمصلحة شركة Vitol Bahrain E.C بقيمة 62.019.344 دولارا لتغطية شراء كمية 66 ألف طن متري من مادة الغاز أويل لمصلحة مؤسسة #كهرباء لبنان بالتمني عليه رفع الموضوع الى الامانة العامة لمجلس الوزراء من أجل اصدار سلفة خزينة نظراً الى عدم وجود قانون أو اعتمادات في موازنة العام 2022 يتيح فتح الاعتماد المستندي المطلوب، علما أن مصرف لبنان سيقوم بحجز وسحب قيمة الاعتماد المستندي من حساب الخزينة عند توقيع وزارة المال الاعتماد وارساله الى مصرف لبنان.

وفي 23 كانون الاول رد رئيس الحكومة على طلب وزير الطاقة بكتاب أكد فيه أنه “نظرا الى عدم الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء في الوقت الحاضر، ونظرا الى الضرورة المتمثلة بوجوب تأمين التمويل اللازم لشراء المحروقات من أجل تشغيل المعامل الحرارية الاكثر كفاية، وفي ضوء وجوب البت بطلبكم لكونه يتسم بطابع العجلة والضرورة، ومع التأكيد على وجوب التقيد المطلق بتنفيذ بنود الخطة الموضوعة من مؤسسة الكهرباء في سبيل تحقيق التوازن المالي ومعالجة الخسائر كافة على انواعها واختلافها، ومع الاشارة الى ضرورة التقيد بشروط العقد وفقا لأحكام دفتر شروط المناقصة لاسيما في الشق المتعلق بتحديد شروط التسليم، نوافق استثنائيا على اصدار سلفة خزينة وفقا للشروط المبينة تفصيلا في كتاب وزير الطاقة تتيح فتح اعتماد مستندي لمصلحة Vitol Bahrain E.C على أن يصار لاحقا الى اصدار المرسوم المتعلق بهذه السلفة عند الاقتضاء، وذلك تفاديا للخسائر المحتملة المترتبة عن التأخر في افراغ بواخر الشحن وبغية تأمين ما يلزم من محروقات لزوم معامل الانتاج في مؤسسة الكهرباء، ونظراً الى عدم وجود قانون أو اعتمادات في موازنة 2022 يتيح فتح الاعتماد المستندي، على أن يعرض الموضوع لاحقا على أول جلسة لمجلس الوزراء على سبيل التسوية”.

وفي 29 كانون الاول أرسل وزير الطاقة كتابا الى وزير المال يبلغه فيه بالتأخر بفتح الاعتمادات المستندية لزوم تغطية شراء كميات من الديزل أويل والفيول أويل لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان، وذلك بناء على موافقة رئيس الحكومة على إصدار سلفة خزينة تتيح فتح اعتماد مستندي لمصلحة شركة Vitol Behrain E.C. بقيمة /62,019,344/ دولارا لتغطية شراء كمية 66 ألف طن متري من مادة الغاز أويل لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان. وذكر فياض أنه ارسل كتابا ثانيا لفتح اعتمادين مستنديين آخرين لمصلحة شركة Vitol Bahrain E.C. الأول بقيمة 15,337,392 دولارا لتغطية ثمن شراء 28 ألف طن متري من الفيول أويل من النوعية (B)، والثاني بقيمة 24,810,744 دولارا لتغطية ثمن شراء 46 الف طن متري من الفيول اويل من النوعية (A) اضافة الى تأمين حاجة مؤسسة كهرباء لبنان من العملات الاجنبية (Fresh dollar) لمدة 4 أشهر بقيمة 54 مليون دولار لزوم التشغيل والصيانة والنقل والتوزيع.

وإذ أكد أن التأخر في الموافقة على فتح الاعتمادات المستندية العائدة لشحنات المحروقات، خصوصا بعد وصول اثنتين من أصل أربع منها الى المياه الاقليمية اللبنانية، “يؤدي الى ترتيب وتراكم غرامات تأخير (Demurage) تلحظها العقود المعنية، وقد بلغت هذه الغرامات حتى تاريخ 29/12/2022 نحو 270 ألف دولار والتي نحن كوزارة ومؤسسة كهرباء لبنان وكشعب لبناني بغنى عنها ونتحفظ عنها بالكامل”، تمنى على وزير المال “مراسلة حاكم مصرف لبنان بالسرعة الضرورية من أجل فتح الاعتماد المستندي استنادا الى سلفة الخزينة التي وافق عليها رئيس الحكومة والإجابة على كتابنا بخصوص الاعتمادين المستنديين الآخرين والمبالغ المطلوبة للتشغيل والصيانة والنقل والتوزيع من أجل تجنيب الخزينة والمال العام المزيد من الخسائر غير المبررة، ونؤكد على بقائنا مع مؤسسة كهرباء لبنان بمنأى عن أي تبعات إدارية و/أو قانونية و/أو قضائية و/أو مالية مهما كان شكلها أو نوعها تتأتى من جراء التأخير الحاصل في الموافقة على فتح الاعتمادات المستندية ذات الصلة.”

بيد أن مصادر وزارة المال أكدت أنها لا تزال على موقفها الذي أعلنته في بيانها الاخير من ضرورة وجود ضمان وسند قانوني، خصوصا ان المبلغ الكبير المطلوب تأمينه يتطلب مرسوما يوقعه رئيس الحكومة والوزراء المختصون وهو ما ليس متوافرا. وجددت تأكيدها ان مؤسسة الكهرباء لم توقع تعهدا باعادة اي سلفة يتم اقرارها كما يفرض قانون المحاسبة العمومية، لا بل حتى انها نأت بنفسها عن سدادها. ولفتت الى أن وزير المال “وجّه كتابا مفصلا الى وزارة الطاقة والمياه يبين الثغرات حيال هذا الملف”.

المدير العام لوزارة المال جورج معراوي أكد لـ”النهار” أن “الاموال مؤمّنة، بيد أن ثمة عددا من النقاط العالقة، ونعمل على ايجاد المخارج القانونية لها مع وزارة الطاقة”. واعتبر أن “ليس لدى احد مصلحة بعدم ايجاد الحلول”، مشيرا الى أن “الحل يجب أن يكون بالتوافق مع جميع الاطراف”.

المصدر
سلوى بعلبكي - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى