مصير الفراغ الرئاسي واستخراج الغاز وتحليق الدولار… ماذا ينتظرنا في العام 2023؟
ودّعنا العام 2022 بعدد ممّا أسمته السلطة “إنجازات” والتي يبدو أنها ستمتدّ الى العام 2023.
ودّعنا عهد “الانهيار” الذي ظهرت معالمه في السنوات الست الماضية ومن المرجح أن تستمر أقلّه للسنوات الست المقبلة.
محطّات بارزة، إيجاباً وسلباً، طبعت العام المنصرم… فما الذي يخفيه العام الطالع بحسب الخبراء؟ وما هي أبرز الملفات التي ورثها العام الجديد عن سَلَفِه؟
رئيس في أول العام أو فراغ طويل الأمد؟
أهم المحطات التي شهدها العام الفائت كانت في ايار 2022، حين أنجزت الانتخابات النيابية وتمكن الشعب اللبناني من الاقتراع، في الداخل والخارج. وهو السباق الذي انتج، اضافة الى عدد من الوجوه والاحزاب التقليدية، جبهة برلمانية معارضة مشتّتة، مؤلفة من مجموعة تتقن اللعبة السياسية الجارية لأعوام، وأخرى جديدة في الميدان تريد التجديد والتغيير ولكنّها تفتقر للحنكة والخبرة السياسية.
مفارقة لافتة شغلت بال المحبّين والمبغضين واحتلت العناوين الأولى في الصحف المحلية والخارجية هي إعلان الرئيس سعد الحريري انكفاءه عن العمل السياسي من دون تجيير أصوات سنّة بيروت لأحد، فكان الاقتراع خجولاً في صفوف ناخبي الطائفة السنّية التي تمثّلت من دون أن يتمكن أحد من وراثة الزعامة بدلاً منه.
ويبقى الفراغ الرئاسي حملاً ثقيلاً ورثه العام الجديد من السنة المنصرمة، في ظل حكومة تصريف أعمال، صلاحياتها مدار جدل واسع بين أفراد الطبقة السياسية.
ولا يزال الشغور يخيّم على قصر بعبدا، من دون ان تنجح حتى الآن اي مبادرة في احداث خرق يؤدي الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
أولى المبادرات الرئاسية، اطلقها نواب التغيير الذين اختلفوا بعدها وتشتتت أصواتهم في جلسات الانتخاب. تلتها مبادرة نواب التيار الوطني الحرّ، مع إصرار رئيسه النائب جبران باسيل على رفض ترشيح رئيس تيار المرده سليمان فرنجية وقائد الجيش جوزاف عون، مع عدم إعلان نفسه كمرشح رسمياً، حتى الساعة.
وبين المبادرة والاخرى، سُجّلت 10 جلسات انتخاب “هزلية” تكرّرت فيها لعبة تعطيل النصاب في الدورة الثانية، وتخلّلتها نهفات أقلّ ما يقال فيها أنّها “سخيفة” و”ولاّدية” لا ترقى لمستوى العمل الديمقراطي والمسؤولية الوطنية التي يجب أن يتحلّى بها نوابٌ، يريدون لململة فتات وطن على شفير الموت.
فإلى متى ستطول لعبة الفراغ؟
الكاتب والمحلل السياسي جوني منير، يرى في حديث لموقع “نداء الوطن” الالكتروني، أنّ “الحلّ الداخلي صعب جداً والتفاهم على رئيس مستبعد، إنما نحن أمام فرص حقيقية في العام 2023 ستبدأ بعد رأس السنة مباشرة على خط فرنسا والولايات المتّحدة الأميركية وستكون في حركة تصاعدية الى جانب حركة إقليمية باتجاه الاتفاق النووي مع إيران وإذا نتجت عن هاتين الحركتين مؤشرات إيجابية فمن الممكن أن يكون للبنان رئيس في الأشهر الأولى من العام وإلا فسنكون أمام فراغ طويل الأمد وهو ما يتحدث عنه حزب الله ويذهب من خلاله نحو تغيير النظام عبر تبديل المجلس النيابي أوّلاً لأنه يرى أن المجلس الحالي غير قادر على انتخاب رئيس”.
دولار بلا سقف واستعادة الودائع ممكنة
بعيداً من الأزمة السياسية، لا تزال الأزمة الاقتصادية والمالية والمصرفية تزداد تفاقماً، ما انعكس سلباً على حياة المواطن الذي بات يرزح تحت وطأة سلسلة من الأزمات المعيشية الخانقة.
وفي العام 2022، برز بقوّة مشهد اقتحام المصارف من قبل المودعين. حيث قرّر البعض ممن تعرّضوا لسرقة ودائعهم، المواجهة بدلاً من الهرب أو انتظار الحلول، فاقتحموا المصارف بهدف استرداد جنى أعمارهم بالقوّة… هي محاولات نجحت احياناً وفشلت احياناً اخرى في تحقيق الهدف المنشود.
في هذا الوقت، طار الدولار وحطّ على مستويات مرتفعة وغير مسبوقة وتبعته أسعار المحروقات التي أصبحت تتغيّر يومياً وليس أسبوعياً.
وفي الأيام الأخيرة من العام لاحت أزمة جديدة، اذ بعدما اقترب دولار السوق السوداء من الـ 50000 ليرة، فردّ حاكم المركزي رياض سلامة بقرار اعتباطي غير منسّق مع الجهات المعنية، رفع بموجبه “صيرفة” الى 38000 ليرة، فاستحدث أزمة إذلال جديدة على أبواب المحطات، التي عاد إليها مشهد طوابير السيارات، قبل المسارعة الى الاتفاق على صيغة تناسب مختلف الاطراف.
هذه الصورة القاتمة والتي تكررت لأكثر من مرّة في الـ 2022 هل سنشهدها أيضاً في العام الطالع والى أي سقف يتّجه الدولار؟
يؤكد الخبير المصرفي نيكولا شيخاني لموقعنا، أنه “مع استمرار مصرف لبنان بطبع العملات نتيجة تعاميمه التضخمية التكتيكية، كما وصفها، وبغياب السياسات النقدية والضرائبية والمالية، ما يبقي ميزان المدفوعات سلبياً وميزانية الدولة أيضاً، بالاضافة الى سلسلة الرتب والرواتب التي تزيد الطلب على الليرة اللبنانية، ومع ارتفاع الكتلة النقدية من 5 تريليار الى أكثر من 75 تريليار ليرة لبنانية، الدولار في الـ 2023 سيستمر بالارتفاع من دون سقف والليرة ستنهار أكثر فأكثر”.
ونبّه شيخاني من “خطورة عدم فصل التأثير الخارجي عن النقد في ظل الدولرة الشاملة وارتفاع نسبة الفساد في ظل غياب الاستقرار السياسي (استمرار الفراغ الرئاسي وحكومة تصريف الأعمال)”، وقال إن “غياب أي خطّة لإعادة الودائع وعدم التوصل الى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي والعمل على إصلاح اقتصادي ونقدي وضرائبي وسياسي يعيد الثقة بلبنان وقطاعه المصرفي سيؤدي حتماً الى مزيد من الانهيار”.
كما شدد على “ضرورة وضع خطة نقدية لسعر الصرف وقانون لحماية الودائع لاسترجاع الثقة في القطاع المالي وإعادة هيكلة الدين العام لإعادة الثقة الخارجية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي بين good bank و bad bank. هذا واقترح وضع أصول الدولة في صندوق سيادي لتطوير الأصول من دون بيعها وتأمين مدخول للدولة تسترجع من خلاله أموال المودعين.
العتمة مستمرة والمصارف في إفلاس غير معلن
في الكهرباء، الملف الأكبر والأكثر جدلاً، يستمر “مزراب الفساد والسرقة” الذي تبادل حوله النواب الاتهامات وفتحوا جبهات الأخذ والردّ، ولكن بقي كلّ الكلام من دون محاسبة، فوصلنا الى صفر تغذية وطرقات من دون إنارة تحصد كل 24 ساعة روحاً على الأقل.
أما الهيئة الناظمة فتمّ الاعلان عن النية بتشكيلها فقط، فيما البنك الدولي ينتظر تطبيق الشروط لانهاء الاتفاق مع لبنان. فما الذي سيتغير في العام 2023؟
بحسب ما يراه الخبير الاقتصادي المهندس ادمون شماس في حديث لموقعنا، لا كهرباء في المدى المنظور ولا اتفاق مع صندوق النقد الدولي. وفي توضيح مختصر، المشكلة بحسب شماس، هي غياب التمويل لاستجرار الغاز من مصر، والكهرباء من الأردن، والحل الوحيد ليس عبر الهيئة الناظمة بل بخصخصة كاملة للقطاع عبر مناقصة دولية وشريك أجنبي يأتي بالأموال المطلوبة ويؤمن الكهرباء.
وأكد شماس أن “ما قدّمته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي كخطة هو مجرد تلاعب بالأرقام وليس خطة تعافٍ وبالتالي لن يتمّ الاتفاق النهائي مع صندوق النقد الدولي، ونحن اليوم متّجهون نحو عجز سيتخطّى المئة مليار ليرة”.
أما القطاع المصرفي فهو في حالة إفلاس غير معلنة بحسب شماس وأي حديث عن قانون الكابيتال كونترول غير مجدٍ ولن يعيد الثقة بالمصارف، لا في الداخل ولا في الخارج، كما أنّ إعادة تعويم البنوك غير ممكنة في ظل الأوضاع الراهنة.
استخراج الغاز مجمّد حتّى الصيف
قبل انتهاء “العهد القويّ” والدخول في مرحلة الفراغ الرئاسي، الذي يبدو أنّه طويل الأمد، تمكّن لبنان من اتمام اتفاق ترسيم الحدود البحرية الجنوبية، الأمر الذي سجّله الرئيس السابق ميشال عون كأحد أبرز الانجازات التي كلّلت عهده. فمتى سيلمس لبنان، وما تبقى من شعبه، نتائج هذا الانجاز “العظيم”؟
الخبيرة في النفط والغاز لوري هايتايان قالت لموقعنا إنّ “أعمال الحفر لن تبدأ في البلوك 9 قبل نهاية حزيران وقد يتبين عدم وجود كمّيات من الغاز قابلة للإنتاج أو حتى قد نكتشف عدم وجود غاز بالمطلق”.
وتضيف: “إذا تخطّى الغاز الموجود في البلوك، الحدود اللبنانية الى الاسرائيلية، سنكون امام انتظار جديد لإتمام الاتفاق المالي بين توتال واسرائيل لتنطلق الاعمال. وبانتظار اتمام دورة التراخيص للحفر في البلوكات الباقية المتوقعة في حزيران أيضاً لا انعكاسات ايجابية على الاقتصاد اللبناني في العام المقبل وسنبقى في المراحل التحضيرية”.
الموت غرقاً أو جوعاً أو المواجهة
الى المحطات الحزينة التي طبعت العام 2022، تضاف مشاهد الموت غرقاً التي تكررت أكثر من مرّة في هذه السنّة المُرّة، وكان آخرها في اليوم الاخير من العام 2022. ففي ظلّ الفقر والجوع اللذين وضعتنا فيهما سلطة “الحلول الترقيعية”، ضاقت السبل بعدد كبير من “الجياع” الذين رأوا الأمل وراء الأمواج في الأفق المجهول، لكنّ القدر كان أقوى من أحلامهم وحصد موج البحر أرواحهم في بعض الرحلات، فيما تمّ إحباط محاولات أخرى للهجرة غير الشرعية عبر البحر.
مستشفيات الى الاقفال والدواء للأغنياء فقط
وفي اطار سلسلة محاولات “القتل العمد” التي انتهجتها سلطة الفساد في العام الماضي… أزمة الدواء.
فقد امتدّت يد التهريب لفاقدي الانسانية والضمير وسلبت أدوية الأمراض المستعصية والسرطانية من أمام المريض اللبناني لبيعها في الخارج. وما بقي منها في لبنان، فاقت أسعارها الخيال وقدرة الكثيرين على تأمينها.
وفي الأيام الأخيرة من العام، تكلّلت هذه الأزمة بدخول دفعة ملوّثة من أدوية الأمراض المستعصية الى لبنان، والتي تمكنت من كشفها الرقابة الخارجية طبعاً، ودفعت منظمة الصحة العالمية لدقّ ناقوس الخطر، ما اجبر المعنييّن في الداخل على التحرّك سريعاً لسحبها من الاسواق.
كل ذلك، والأوبئة مستشرية مع غياب الحد الأدنى من الرقابة ومعايير النظافة.
أما أوضاع المستشفيات، الحكومية منها والخاصّة، فحدّث ولا حرج. ويبدو أنها تتجه الى مزيد من التأزّم. فهل تصل الأمور الى حدّ اتّخاذ قرار بإقفال بعضها في العام 2023؟
رئيس لجنة الصحة النيابية السابق عاصم عراجي ليس متفائلاً بل يرى أن “القطاع الاستشفائي والطبّي ذاهب الى مزيد من الانهيار، وقد أصبح للمقتدرين فقط ولمن لديهم مدخول بالدولار”. وقال في حديث لموقعنا، إن الوضع الى الأسوأ، من دون أن يستبعد وصول بعض المستشفيات الى قرار الاقفال. فالضمان لا يغطي إلا 10 بالمئة من النفقات، والتأمين بالفريش دولار، في ظل نقص مستمر بالاموال والطاقم الطبّي الذي جذبته الهجرة ايضاً.
ولكن عراجي رفض تحميل وزارة الصحّة مسؤولية هذا الانهيار والتقصير في الرقابة في ظل انهيار مختلف مؤسسات الدولة، الذي طال أيضاً الجهات الرقابية.
رفعوا اسم لبنان
وبين “جحيم” الأزمات، أحداث عدّة شكّلت بارقة أمل للبنانيين في العام 2022.
فوسط هذا النفق القاتم ومقابل الفشل الذريع الذي لا تتوانى الطبقة الحاكمة عن إظهاره على الصعد كافّة، استمرّ شباب لبنان برفع إسمه عالياً في المجالات كافّة.
وقد سجلت انجازات رياضية كثيرة، أبرزها مشاركة منتخب لبنان للرجال في كرة السلّة ببطولة العالم للمرة الرابعة في تاريخه، وتتويجه وصيفاً في بطولة آسيا التي استضافتها اندونيسيا، في حين أحرز منتخب كرة الطائرة للسيدات لقب النسخة الأولى من بطولة غرب آسيا التي نظّمت في الأردن.
أمّا فنياً فلمع نجم فرقة “ميّاس” اللبنانية في العالم، حين حصدت لقب “America’s Got Talent” بعدما تغلّبت على مواهب عالمية عدة وخطفت الأنظار بعروضها المميّزة وأدائها المبهر.
في الخلاصة، ما ينتظره لبنان معجزة تبدأ بانتخاب رئيس قادر على تقديم مشروع يتفق عليه محلياً ودولياً للبدء بورشة الاصلاحات، ما سيجذب الدعم الدولي والعربي ويساهم في وقف الانهيار بالاضافة الى تقديم خطّة إنقاذ متكاملة تقنع صندوق النقد الدولي… وإلا فإلى قعر جهنم درّ!