لا مفرّ من الأمل… ولا بديل من الصمود
ماذا عسانا نقول ونحن نطوي عاماً آخر من التردي والانهيار؟ ماذا نتمنى فيما العوَز ينهش أكثرية العائلات ومؤسسات الدولة في أخطر انحلال؟
فلنترك التبصير والتنجيم والتوقعات لمن يؤمن بالخرافات والغيبيات. نحن نعيش الواقع الملموس والوقائع التي لا ينقصها برهان، ونرى المؤشرات التي لا تشي بتغيير نحو الأفضل في غياب مفاجآت تفتح كوّة في الجدار، أو استجماع للقوى ينجح بفرض احترام الدستور ونهج إصلاح أو عقد اجتماعي جديد.
أسوأ ما في حظنا أننا نعاصر أحداثاً كونية طاغية تلغينا عن رادار الاهتمام الدولي. عنوانها العريض “انعدام اليقين” والخشية من مصير عالمي ضبابي إذا استمرت لعبة “الدب الروسي الجريح” في أوكرانيا، أو أخطأت الصين في حساباتها التايوانية، أو ترسخت ثورة المرأة والحرية في ايران. العالم منشغل بأزمات الوقود والحبوب والتضخم وتحوّل نصف سكان الكرة الأرضية الى معوزين، فيما نبحث عمَّا دار بين سليمان فرنجية وجبران باسيل، ونسأل إن كانت عاطفة “حزب الله” الجيّاشة تجاه حليفيه تسمح له باقتراح ثالث تسهيلاً لانتخاب رئيس.
لا شيء مخفياً في المشهد السياسي. وفيما نترقّب رئيساً انقاذياً محترماً يخرجنا من الحفرة، لا يزال التحالف المافياوي يخيّرنا بين رئيسٍ تابع يتابع “انجازات” الرئيس “الجهنمي” وبين تعطيل مديد للاستحقاق الرئاسي. والخياران وصفة رهيبة لتعميق الأزمة وتعريض مقومات الكيان والهوية الى التآكل خصوصاً بفعل رسوخ النازحين وتفاقم هجرة اللبنانيين المميزين.
لن نيأس. صحيح أنها لازِمة نكرّرها كلّما اعترضنا استعصاء. لكن وظيفتها ليست رفع المعنويات وبيع الأوهام. لن نيأس لأنّ لا بديل من الصمود في وجه الفاسدين ولأننا رهائن يرفضون حكم الخاطفين، ولأن فشل النظام السياسي الحالي لا يعني أبداً نهاية الوطن واقفال الباب على صيغ تعيد انتاج عيش كريم وحر لكل اللبنانيين.
نعلم أن خاتمة العام بالنسبة الى عموم المواطنين ليست المطاعم الملأى بالرواد ولا الصالات المكتظة بالمحتفلين، بل العائلات التي تنام بردانة، والفقير الذي يكدّ لسدّ رمقه، والمريض الذي يقبع على باب المستشفى، وكل من تدهور وضعه الاقتصادي.
كلّنا نعلم أن الساهر على أمن الساهرين لا يتجاوز راتبه ثمن قنينة نبيذ. ورغم ذلك نفرح للفرحانين محبي السهر والمرح وممارسة الحرية وحب الحياة. ونتمنى أن يجدد الجميع ايمانهم بأنّ لبنان ليس مجرّد ساحة للمخططات الاقليمية ولا للبؤس المقيم ولا حكراً على أهل السلطة الناهبة والفاسدين، وأن يتذكروا أننا مررنا بمحطات تأسيسية مضيئة من 14 آذار الى 17 تشرين، وهي خمائر لا تفسُد بالتقادم، وتحضّ على الصمود في وجه من يمنع قيام الدولة ويعطل المؤسسات ويريد انتزاع لبنان من عمقه العربي وإلحاقه بمحور الفقر والاستبداد.
سنة ولَّت. كانت مؤلمة على كلّ صعيد. لكن التاريخ لم يتوقف يوماً عند الرداءة. ففي كلّ عام ميلاد ورأس سنة جديد. وكلّ عام وأنتم بخير.