محليمقالات

الراعي… من الأمل بالإنتخابات النيابية إلى الدمعة على “الرئاسية”


يحمل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي همّ القضية اللبنانية أينما حلّ، لكن الطبقة السياسية في لبنان تعاكس كلّ التوجهات التي تسير عليها البطريركية المارونية. تشكّل بكركي الحامي الأول للكيان اللبناني، فالبطريرك الراعي يُصرّ على متابعة مسيرة أسلافه من البطاركة الكبار، ويعمل للحفاظ على دولة «لبنان الكبير» رغم الإنتقادات التي تواجه الصيغة الحالية، وما حزنه ودمعته في تلاوة رسالة الميلاد إلا خير دليل على الوضع المهترئ الذي وصل إليه الكيان.

لا شكّ أنّ هناك تياراً مسيحياً يحنّ إلى «جبل لبنان القديم» الممتدّ من زغرتا إلى جزين مروراً بزحلة، لكنّ البطريركية لا تزال تؤمن بلبنان كما أراده البطريرك الياس الحويك، وطناً لجميع أبنائه وقابلاً للحياة ويحمل مقومات إقتصادية.

ولعلّ صورة مجاعة 1915 وما تبعها من قتل متعمّد لأهالي جبل لبنان تؤكّد صواب خيار البطريركية بتوسيع حدود الجبل ليصل إلى حدوده الحالية، وقدّ عزّزت هذه النظرية الأزمة الإقتصادية الخانقة التي تمرّ بها البلاد والتي أعادت الناس إلى قراها وجعلتهم يستثمرون في الزراعة. وأمام كل هذه التحديات الإقتصادية والمالية، فإنّ البطريركية حملت الهمّ الإجتماعي وحاولت قدر الإمكان التوفيق بين استمرارية المؤسسات وبين وجع الناس. إستشعر البطريرك الراعي الخطر عام 2022، فصحيح أنّ الأزمة انطلقت سنة 2019، إلا أنّها إشتدّت في هذا العام، لذلك كان لا بدّ من التحرّك السريع، فالمؤسسات الكنسية التي أمّنت إزدهار لبنان وتفوقه في محيطه مهدّدة بالزوال، من المستشفيات التي تملكها الرهبنة إلى التعليم الخاص وبقية مؤسسات البطريركية، لذلك كان لا بدّ من عملية إنقاذ سريعة، حيث حشد الإكليروس الماروني من أجل دعم هذه المؤسسات ونجح بدرجة كبيرة في تخطي كلّ الصعوبات، وقد ساعدت فرنسا المؤسسات التعليمية الفرنكوفونية على الصمود.

هذا بالنسبة إلى الشق التربوي والإستشفائي والمؤسساتي، أمّا سياسياً ووطنياً فقد ظلّ البطريرك الراعي يطلّ بخطاب عالي اللهجة، يُهاجم دويلة «حزب الله» والسلاح غير الشرعي ويدعو إلى حياد لبنان والقيام بمؤتمر دولي، وظلّت بكركي تستقطب كل الشخصيات السياسية والدبلوماسية. وشكّلت قضية توقيف مطران الأراضي المقدسة موسى الحاج من قبل الأمن العام رسالة إلى البطريرك، حيث وجّهت إلى المطران تهمة نقل الأموال من اللبنانيين الموجودين في إسرائيل إلى أهلهم في لبنان، وقد دخلت هذه القضية البزار السياسي، لكن الراعي الذي حشد عطفاً كبيراً حوله ظلّ ثابتاً على مواقفه ولم يلِن أو يقدم أي تنازل.

وراهن البطريرك الراعي على الإنتخابات النيابية ودعا الناس إلى الإنتفاضة وتغيير الواقع، لكن هذه الانتخابات التي حصلت في موعدها رافقتها نكسة كبيرة تتمثل بفشل المجلس المنتخب حديثاً في إتمام الإستحقاق الرئاسي. وحاول البطريرك الراعي فعل كل ما يلزم من أجل إجراء الإنتخابات الرئاسية وعدم دخول البلاد في الفراغ، لكنه لم يوفّق في جمع القوى المسيحية، كما أنّ مساعيه تصطدم بالنواب المعطلين.

ولا يزال الراعي يشنّ الهجوم تلو الآخر على المعطلين، لكن من دون أن يحرّك ضمائرهم، بينما تحاول بكركي القيام بدور توفيقي من خلال طرح لائحة أسماء مرشحة للرئاسة، في حين أنّ البطريرك حذر من الدخول في لعبة الأسماء لأنّ التجارب السابقة لا تشجّع.

يحاول الراعي أن يقوم بالدور التوفيقي وفق المواصفات التي وضعها هو، من هنا فإنّه عدا عن المجهود الداخلي هو يكثّف اللقاءات والإتصالات مع الدول الصديقة للبنان وعلى رأسها الفاتيكان وفرنسا، لكن حتى المساعي الخارجية لم تصل إلى أي نتيجة بعد لأنّ الإستحقاق الرئاسي يتطلب أوسع مروحة من التوافق الإقليمي والدولي.

تعترف بكركي أنّ العام 2022 كان من الأصعب، فالناس تسمع عظات البطريرك أو ما يبوح به في الإعلام وتظنّ أنّ هذا هو فقط ما يفعله البطريرك، لكن الحقيقة أنّ هذه الأزمة العاصفة التي تضرب لبنان ضربت المؤسسات البطريركية لذلك يلجأ الناس إلى بكركي لثقتها بها ويظنّون أنّه بامكانها أن تحلّ مكان الدولة.

ومن جهة أخرى، فإنّ بكركي تعترف أنه لولا القرار الدولي بابقاء البلد واقفاً على رجليه لكان الإنهيار أكبر، لكن هذا كلّه لا يعني أن ننتظر الحلول، فالبطريرك يتحدّث دائماً مع الفرنسيين والأميركيين والسعوديين وبقية الدول، لكن هذه الدول وعلى رغم اهتمامها بلبنان، لديها انشغالاتها ولن تقوم بما يجب أن يقوم به القادة اللبنانيون.

من الصعب جداً معرفة إتجاه الوضع اللبناني، لكن البطريرك الراعي كان يقرأ المشهد منذ بداية 2022، وهو كان على دراية بأنّ الأزمة السياسية ستتعقّد ولا توجد نية لدى السياسيين لحلّها، لذلك رفع الصوت، لكن كل هذه التنبيهات لم توصل إلى مكان لأنّ الحل والربط بأيدي هؤلاء السياسيين وليس بيد بكركي. حلّ الميلاد حزيناً على الصرح البطريركي، فكرسي الرئاسة في قداس الميلاد كانت فارغة والأنوار في قصر بعبدا مطفأة، لذلك يبقى أمل بكركي في أن يشكل مطلع العام مدخلاً لانتخاب رئيس والحفاظ على الكيان، لأنّ خوف البطريركية المارونية يبقى دائماً من وجود مخطط لضرب أسس الدولة اللبنانية خدمةً لمشاريع خارجية باتت معروفة لدى الجميع.

المصدر
ألان سركيس - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى