محليمقالات

طرابلس: مولوي يخرق سياسياً… والجيش يحصّن أمنياً


كان عام طرابلس والشمال مزدحماً بالأحداث والتحوّلات الكبرى على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية، لكن يمكن القول إنّه كان عام «زوارق الموت» وعام الجيش في طرابلس، وعام الانتخابات النيابية مع ما حملته من مفاجآت، وعام اختراق غرفة التجارة للفضاء الدبلوماسي واستقطاب الاعتراف الدولي بأهمية مشروعها باعتبار طرابلس عاصمة إقليمية في مجال التجارة والصناعة والزراعة.

كذلك شكّل أداء وزير الداخلية والبلديات ابن طرابلس القاضي بسام مولوي مفاجأة إيجابية، سواء لجهة حسن إدارته مرافق الوزارة في ظلّ الأزمة، أو لجهة تمكّنه من مواجهة تحدي آفة تصدير المخدّرات إلى السعودية ودول الخليج، وكذلك الحرص على مكانة الدولة وخاصة موقفه من الاعتداء على قوات اليونيفيل وتحييد مطار رفيق الحريري عن الاستهداف الإسرائيلي.

شهدت طرابلس في شهر أيار انتخابات نيابية أسفرت عن قلب الصورة فحصلت المفاجأة وفعلها أشرف ريفي و»القوات اللبنانية»، وفاز الأول بالنسبة الأعلى من الأصوات، ليؤكّد أن المزاج العام في طرابلس ما زال «سيادياً»، وليحصد مرشح «القوات» الياس الخوري ما يزيد عن ثمانية آلاف صوت على مستوى الدائرة الثانية، وأكثر من ثلاثة آلاف صوت للخوري، ليكون أوّل نائبٍ عن «القوات» في طرابلس.

أعطى هذا التصويت دلالة على حجم الالتزام الشعبي في طرابلس بالاتجاه السيادي، خاصة بعد فوز رامي فنج، ليكون اتجاه ما يقارب السبعين في المائة من الناخبين نحو التيار السيادي، ممزوجاً برغبة نقل تجربة القوات اللبنانية التنموية الناجحة في بشري إلى قلب طرابلس.

كانت المعطيات السلطوية تشير إلى أنّ الثنائي الشيعي لن يقبل أن يخسر من شغل منصب الوزير الشيعي الخامس ذات حكومة، وهكذا كشف نائب رئيس المجلس الدستوري القاضي عمر حمزة في مطالعة محكمة فساد قبول الطعن الذي أدّى إلى «تفويز» فيصل كرامي.

إيجابية واحدة سجّلها كرامي في هذه الفترة، وهي اقترابه من المملكة العربية السعودية والعمل على تظهير توازنه في الخطاب السياسي، وهو أمرٌ ربما يصبح أرجح بعد سقوط خيار الجبهة السياسية.

كان العام 2022 عام الجيش اللبناني في طرابلس، فقد أنهى موجات الفوضى وقمَعَ محاولات الفتنة بين التبانة وجبل محسن، وفتحت قيادته حواراً غير مسبوق مع قياداتها الدينية، وكانت زيارة العماد جوزاف عون إلى دار الفتوى وإعلانه رفض تشويه صورة طرابلس مؤكداً أنّ الحرب على المخدِّرات موازية للحرب على الإرهاب، ليعطي الرسالة الأوضح برفض استهداف مدينة العلم والعلماء.

أكمل الجيش عامه بمواكبة أوضاع المدينة الإنمائية وبذل رئيس فرع مخابرات الشمال العقيد نزيه البقاعي جهوداً استثنائية في تحريك الملفات التنموية، وكانت أولى الثمار قرب افتتاح سوق الخضار الأكبر على مستوى المنطقة والمجمّد منذ أكثر من عشر سنوات بسبب الاقتتال على إدارته من السياسيين.

أنهى الجيش عامه في طرابلس بحوار مع المجتمع المدني في الرابطة الثقافية في 28 كانون الأول، كان الأول من نوعه، وساهم إلى حدٍ كبير في ترتيب آليات تعاون تنموية في مجال التحصين الاجتماعي وخاصة في مكافحة آفة المخدِّرات.

شهد أواخر العام 2022 انتخابات الإفتاء ففاز الشيخ محمد إمام وحقّق شيخ القراء الشيخ بلال بارودي إنجازاً لا يمكن تجاهله بعد حصوله على ثقة 30% من أعضاء الهيئة الناخبة في وجه تحالف سياسي كامل عمل لصالح الشيخ إمام، لينتهي المشهد بتجاوز مرحلة الانتخابات وإعلان الشيخين إمام وبارودي التعاون التام للنهوض بدار الفتوى.

كان عام 2022 عام الاضطراب البلدي الكبير في طرابلس حيث لا يزال المجلس قيد الصراع الناتج عن الطعون بعد الإطاحة بالدكتور رياض يمق وتعيين المهندس أحمد قمر الدين رئيساً بالتكليف.

في 23 نيسان توالت الأنباء عن غرق زورق كان يحمل على متنه 60 شخصاً قبالة طرابلس لتنكشف مأساة إضافية خسرت فيها المدينة المزيد من أبنائها الذين علقوا في جوف البحر فبقيت صورهم في آخر لحظاتهم أسيرة قاع مركب كان محبسهم وقبرهم الجماعي.

لا يمكن إنهاء استعراض أحداث العام 2022 من دون التوقف عند الجهود التي سجلتها غرفة طرابلس الكبرى، في مجال تسويق الفرص الاستثمارية في الفيحاء والشمال، ومشروع توسعة المرافئ والخدمات البحرية من مرفأ طرابلس حتى العبدة، واعتراف سفراء الدول الكبرى والعواصم الإقليمية الفاعلة بأنّ المدينة هي عاصمة مرتقبة في الإقليم ورافعة اقتصادية في عالم العرب، وقد ختمت الغرفة نشاطها بإعلان وفد غرفة تجارة بغداد عن تسهيلات استثمارية كبيرة للقطاع الخاص في لبنان.

في المشهد المؤثر في طرابلس، ظهرت بصمات الوزير السابق محمد شقير في سلسلة مبادرات بعيدة عن الإعلام شملت مناطق التبانة والميناء وأهالي ضحايا انفجار التليل، وطلاب الجامعة اللبنانية، مما أثار عليه زوبعة من الاستنكار من إعلام الممانعة، لتنكشف أوراق نشاطه الذي يبدو أنّه توسع أيضاً باتجاه البقاع بعد أن شمل بيروت.

لفتت في نهاية العام زيارة قام بها الرئيس فؤاد السنيورة للدكتور مصطفى علوش في طرابلس والتقى خلالها عدداً من قادة الرأي بحضور النائب الأسبق أحمد فتفت، وتركّز النقاش حول كيفية التعامل مع مرحلة الفراغ السياسي الناشئ بعد تعليق الرئيس سعد الحريري العمل السياسي لتيار المستقبل.

أحداث كثيرة مرّت على الفيحاء، لكنّها تنتظر على مشارف العام الجديد ترسيخ الأمن والاستقرار في زمن الاضطراب الكبير.

المصدر
أحمد الأيوبي - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى