سياسةمقالات القُرّاء

ساسة أم دعارة في السياسة؟!

ورد في الكتاب المقدس «أيُّها الرب الآب يا إله حياتي، لا تتركني ومشورة شفتاي. لا تدعني أطمحُ بعيني والهوى أصرفهُ عنّي، لا تملكني شهوة البطن ولا الزنــــــــــــــى، ولا تُسَلِّمني إلى نفس وقحة» (سفر يشوع بن سيراخ 23/6)، كما ورد في المصحف الكريم «قُـلْ إنما حـرَّمَ ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بَطَنَ والإثمَ والبغيَ بغير الحق وأنْ تُشركوا بالله ما لم يُنزل بهِ سُلطانًا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون» (سورة الأعراف 33). علم الإجتماع يعتبر أنّ الزنى السياسي هو مصطلح حصري وخاص بخونة العمل السياسي وعقوبة هذه الخيانة الوطنية هي بالتحديد الإعدام . ونُعاني في لبنان زنا سياسي وذلك الأمر هو نتيجة سلوكيات ومنظومات ورؤى لا تمُّت إلى الواقع الأخلاقي بأي صلة.

نعلم أنّ الديمقراطية هي أصلاً حُكْم الشعب، ولكن في لبنان الحكم ليس للشعب وهذا الأمر نقيض ما يرد في مقدمة الدستور الفقرة /د/ والتي تنص «الشعب مصدر السلطات يُمارسها عبر المؤسسات الدستورية»، وقد تناسى عهّار السياسة عندنا أنّ الديمقراطية الفعلية هي أنْ يحكم الشعب نفسه بنفسه لصالح الشعب، كل الشعب وليس لطبقة دون أخرى فضلاً عن أنْ تكون الطبقات المستفيدة هي طبقة الحاكم بأمــره والحاشية وبعض الإقطاعيين. وهل يدركون أنّ الله لا يرضى أنْ يُحكم الناس لغير مصلحة الناس جميعاً دون إستثناء.
سئلتُ أحد فقهاء الدين عن «الدعارة السياسية» الممارسة في لبنان، إستفاض في الإجابة وأردف «من المتعارف عليه يا بُنيّ سوسولوجياً وحتى حقوقياً أن يكون فعل الدعارة فعل إستئجار أو تقديم ممارسة خدمات جنسية مقابل أجر مادي وتختلف طبيعته من مكان إلى آخر، وقد عُرِّفَتْ بأنها خدمات جنسية. وإذا كان الإيجار بالجسد يُسمّى دعارة أو بغاء فماذا يُسمّى الإتجار بالوطن ونهب الخيرات والموارد وسرقة حقوق الشعب اللبناني وتهجير شبابه ورهن سيادته وإستقلاله وحرية الكلمة وهؤلاء الساسة قدّموا خدمات مقابل أجر مادّي ومناصب معينة وإثراء غير مشروع وشهوة سلطة مستدامة…».
في لبنان ويا للأسف أصبحت الدعارة السياسية مفهوماً يُحاكي العمل السياسي دون خوف أو وجل ويتماثل هذا الأمر في سلوك السياسيين الذين يُحلَّلون الحـــرام ويُحـــرمون الحلال ويدمِّــرون الوطن ويزوّرون الحقائق ويتحايلون على الديمقراطية وينتهكون عرضها وكان آخر فصولها الإنتخابات الأخيرة التي أفضتْ لتلك النتيجة السفيهة إذ أصبح لنا مجلس نيابي لقيط يُعلِّق السلطة والقوانين ويُغيِّب العدالة في تحقيق إنفجار مرفأ بيروت ويتغاضى عن إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتسود شريعة الغاب والسلاح اللاشرعي ويستشري البغاء السياسي في كل أرجاء الجمهورية.
يا للأسف ليس بالضرورة أن يكون معنى كلمة «الدعارة على المستوى الجنسي»، لكن الفعل في لبنان قد يتعلق بالفساد وسوء الأخلاق والشر والنميمة وغيرها من سوء الصفات، أيعقل السكوت عن ممارسة الدعارة السياسية بمعناها الواسع أي الشراء والرهن والبيع للمواقف السياسية مقابل المال والمراكز أو المصالح الخاصة بمنأى عن القواعد الأخلاقية. إلتقيت بأحـــد الدبلوماسيين المتقاعدين واستفسرت منه عن واقع السياسة في لبنان وما يراه بعد تقاعده تفاجأت بالجواب الآتي على لسانه على الشكل التالي «يُمكننا في هذه الأيام أيّها الصديق المناضل أنْ نستخدم مصطلح بيت دعارة سياسية أي المكان الذي تُمارس فيه السياسة الفاسدة أو سياسة الشر، كما يمكننا القول أنّ أغلبية بيوت السياسة في لبنان هي «بيوت دعارة سياسية» تمارس فيها الرذيلة والزندقة والفسق بحق الوطن والشعب المغلوب على أمره…».

إنّ الدعارة السياسية في لبنان على ما أشاهده وألاحظه وألمسه فعلياً هي المواقف الخاطئة التي تُنافي المنطق القانوني والدستوري لكنها مدعومة ومُبرّرة بقوة اللامنطق والمال والعسكر التي تمتلكها السلطة القائمة وهي تُكرِّس هذه الأفعال وتُبقي البغاء السياسي قائماً وتقدِّم له الحماية وحتى الوقت للبقاء على ما هو عليه. الدعارة السياسية اللبنانية تتجسّد في كل إدارات الدولة من خلال ممارسة الكذب المتمادي وتزييف الحقائق والوقائع والتضليل الذي يُمارس بشكل ممنهج ويومي. يعرضون الجزء اليسير من الحقيقة ويستغلّون المناسبات للجلوس في الصفوف الأمامية ويعرضون حقائق خاطئة على أنها حقائق واضحة وثابتة وموثقة ويزوّدون الإعلام اللبناني بمعلومات كاذبة كي لا يتفاجأ المواطن عند تلّقي كذبهم وعارهم…
إنّ أهداف الدعارة السياسية اللبنانية هي التضليل الإعلامي والتعتيم على الأخبار الحقيقية وإخفاء الجرائم المرتكبة بحق الجمهورية وإداراتها وشعبها وتهميش القضايا المهمة كالسيادة المنتقصة والتخلّي عن أجزاء من الأراضي اللبنانية وصرف إهتمام الشعب اللبناني عنها والهدف إحداث تغيير في سلوكية الفكر اللبناني مثلما نُشاهد على الشاشات بعض تصاريح هؤلاء الزُناة الذين يجمعون بين الدعارة السياسية والتضليل الممنهج.
لا أعمّم بل ما أحقــر كل سياسي نذل وجبان وعديم الضمير كلهم حطّوا رحالهم في مُجمع الزنا السياسي لا عهد لهم بدستور الوطن، ولا بتاريخه ولا بحضارته ولا بمرجعيته هم فقط يتواجدون حيث أوكار العار والزنا… حوّلوا السياسة إلى إمرأة تبيع جسدها لمن يرغب وغُبَّ الطلب… نكحوا الديمقراطية وحوّلوا الناخبين إلى قطعان من المغفّلين الذين ترّاصوا في صفوف طويلة لإضفاء الشرعية على لقطاء ولدوا وأُعطوا إسم «نائب»، أخال بعض الساسة عندنا أنهم كبائعات الهوى اللواتي يبحثن عن «زبون مئرش» الذي يدفع أكثر ويهدي أكثر، والمؤسف أني أرى بعض هؤلاء الساسة كبائعات الهوى كل فترة في حضن دولة من الدول… لا فرق عندهم بين دولة ودولة كل همّهم كسب المال الوسخ، وقد صح فيهم قول المثل «مين ما أخـــد إمّــي صار عمّــي».

مع هؤلاء الساسة القوّداين مات الوطن، وأصبحت الوطنية والكرامة مجرد خرافة، وماتت الضمائر، وهجِّر الطموح، وسادت الوقاحة والفساد الخُلُقي، ومعهم إزدادت الجرائم وكَثُرَ الإنتحــــــــــــــار، لأنهي سائلاً كل مخلص سواء أكان علمانياً أو رجــل دين: هل تقبلون أن تكون البيوت السياسية بيوت للدعـــارة السياسية؟ ليكُن جوابكم صادقاً عملاً بما ورد في الكتاب المقدس «إستقامة المستقمين تهديهم، وإعوجاج الغادرين يُخربهم» (سفر الأمثال 11/3)، أو كما ورد في المصحف الكريم «والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصدّيقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم» (سورة الحديد الآية 19).

المصدر
بسام ضو - اللواء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى