سياسةمقالات

«فساد ع مدّ عينكن والنظر»

استمهلتُ نفسي عندما طرأت فكرة الكتابة عن الفساد السياسي في لبنان، ولكن عندما تيقنتُ أنْ الأمور بلغتْ حدّاً لا يُطاق وبعد إستشارة مكتبي القانوني الدولي واللبناني، قررتُ في هذه الأيام الميلادية إثارة الأمر راغباً من كل مخلص التعاون معي ومع مكتبي اللبناني لوضع حــد لهذا الفساد الذي بلغ ذروته في كافة المجالات. مُثُل الأخلاق والمبادئ والقيم الصادقة التي تُسيّر المجتمعات لم تعُد موجودة وللأسف هذا الأمر ينطبق على الواقع اللبناني… المُثُل الأخلاقية في ممارسة العمل السياسي والتي تتمثّل قانونياً وبشكل رئيسي في الحق والعدل والمساواة والتي يجب أن تسود في العمل السياسي غير متوفرة عند الذين يُمارسون العمل السياسي سواء أكانوا نوابا أو وزراء أو رؤساء أحزاب أو أتباع… وهذه ظاهرة باتت متأصلة في الحياة السياسية اللبنانية ويجب إقتلاعها من أصولها.

كثيرون يسألون بواسطة مكتب لبنان أو بواسطة الهاتف لأني مقيم خارج الأراضي اللبنانية وحتى يتجرأون على طلب مكتبي القانوني ليسألوا «ماذا يقصد المجبّر في الفساد؟» ليكون يا سادة قصدي بالفساد السياسي القائم على أيديكم هو البُعد عن القيم والمبادئ السياسية القويمة وبشكل عام إن العمل السياسي يتطّلب أخلاقًا قويمة وحميدة إلاّ أنه في المرحلة الحاضرة يطغى بشكل غير مقبول عامل الكذب بما يُخالف النظُم السياسية وهو ما أثّــر على مجتمعنا اللبناني وصدق من قال يا أشباه الرجال «إنما الأمم الأخلاق ما بقيتْ فإنْ ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا…» فهمتوا ليش؟؟!!!!
تُعتبر ظاهرة الفساد السياسي في لبنان والممارسة من قبل الطبقة السياسية الحاكمة ظاهرة شديدة الإنتشار وهي ذات جذور عميقة تأخذ أبعاداً واسعة تتداخل فيها عوامل مختلفة يصعب على مراقب عادي التمييز بينها، والمؤسف أنّ درجة شموليتها باتت كثيرة الإمتداد، وقد حظيت ظاهرة فساد ساسة لبنان بإهتمام العديد من المناضلين وعلى مختلف اختصاصاتهم وعلى سبيل المثال شكّلنا ندوة من اختصاصيين مؤلفين من رجال قانون – علم سياسة – عسكر – اقتصاد – مال – إجتماع، للصراحة أجمعنا وفقاً للنظريات السياسية أنه بات من الواجب قطع دابرها وإلّا الوطن سيُدمّــر على رؤوس أهله.

إن ظاهرة الفساد السياسي في لبنان وفقاً لرأي القيّمين على الشأن العام أنها ظاهرة طبيعية ويعتبرون أنها تختلف من فاسد إلى آخر وبصريح العبارة من سياسي طائفي – مذهبي إلى سياسي آخر طائفي – مذهبي، والفساد هذا يَعُّــم كل إدارات الدولة حيث يتدنى مستوى الفكر السياسي الحر وهذا ناتج عن التخلُّف وإزدياد مستوى نحــر الديمقراطية… هذه الحالة إتسعتْ وانتشرت في الجهاز الوظيفي السياسي على مستوى النوّاب والوزراء ونمط العلاقات مع السلك الخارجي، وما أن نُراجع دبلوماسياً سواء أكان داخــل لبنان أو في عواصم القرار حتى يُقال لنا: «زعمائكم حراميي تجّار بشر ووطن، حرِّروا أنفسكم أولاً وراجعونا وإلّا لا جدوى من أي مراجعة…».

راجعت الأسبوع المنصرم مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان باحثاً معهم موضوع حقوق الإنسان في لبنان وما يمرّ من أزمات على الشعب اللبناني حيث أفدتْ أنّ للفساد القضائي تأثير مباشر على شرعية حقوق الإنسان ويعلَّلْ ذلك الأمر إلى سببين; السبب الأول: يحرم المجتمع اللبناني من موارد مهمة يمكن استخدامها لتلبية الاحتياجات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية، السبب الثاني للفساد العديد من العواقب والمدمرة على عمل مؤسسات الدولة وخاصة العدل حيث يقلِّل من ثقة المواطن اللبناني في العدالة ويُضعف قدرة النظم القضائية على ضمان حقوق الإنسان، وأستشهد بما حصل مع سعادة القاضي شادي قردوحي اليوم على قوس المحكمة.
إنّ العمل يا سادة على مكافحة الفساد من خلال إقامة العدل وليس من خلال إسكات قاضٍ على قوس المحكمة، ومعكن صار الفساد ع مد عينكن والنظر، سيأتي يوم وسنعيد للقضاء رهجته وسيصحّ قول: العدل أساس الملك.

المصدر
د. جيلبير المجبِّرْ - اللواء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى