مقابلات

البرلمان الأوروبي : من غير الصحّي وجود ميليشيا داخل الدولة تدّعي تطبيق القانون

ملفات لبنان المتشعّبة، التي لطالما اتخذت حيزاً وافراً من تصريحات النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي فرانسوا – كزافييه بيلامي، وشكّلت عنواناً أساسياً لمواقفه الصلبة، دفعته الى زيارة لبنان لأيام عدّة، حيث التقى عدداً من المسؤولين السياسيين والقادة الروحيين، وأجرى زيارات ميدانية الى عدد من المؤسسات التربوية والاجتماعية، اطّلع فيها عن كثب على الواقع اللبناني بكل تفاصيله في هذا الظرف الصعب.

خرج من زيارته بخلاصات عدّة أبرزها، أنّه لا بدّ من محاسبة كل من يحول دون انتخاب رئيس ويعرقل مسار العدالة وطريق الاصلاحات، ومن الضروري فرض عقوبات أوروبية على كل من يمنع حل الازمة المالية الخانقة ومن ساهم في الاستيلاء على اموال اللبنانيين في المصارف، مشيراً إلى أن احد ابرز مشاكل لبنان تتمثل بسيطرة “ميليشيا مسلّحة” عليه، وانه من غير الصحّي ان يكون هناك في بلد واحد، “دويلة داخل الدولة”.

وفي ختام زيارته الى لبنان كان لـ “نداء الوطن” لقاء مع بيلامي تحّدث فيه عن نظرته للأوضاع في هذا البلد، والسبل الأمثل لحلّ الأزمات التي يعاني منها.

وهنا نصّ الحوار:

– ما هي الرسالة التي حملتها معك الى لبنان الذي اعتبرت انه “يمرّ بأحد أصعب الأوقات التي عرفها على الإطلاق”؟

لا اريد أن أدّعي أنّني اعرف كل ما يتعلق بلبنان، انا اتيت لكي اسمع. اعتقد ان الشعب اللبناني يطلب العدالة، وهو محتجز كرهينة من قبل حكّام غير مسؤولين يرفضون تسيير أمور المؤسسات بشكل طبيعي، ومنها مجلس النواب. انا نائب، واعرف ماذا يعني ان تكون برلمانياً لا تقوم بواجباتك وتغادر قاعة المجلس أثناء جلسة الانتخاب كي لا تؤمّن النصاب المطلوب لانتخاب رئيس. انا اتساءل كيف يمكن في خلال هذه الازمة ألاّ يحظى لبنان بحكّام يديرونه وحكومة فاعلة ورئيس قادر على مخاطبة العالم اجمع؟ حالياً الازمة تنفجر ومن يعرقل انتخاب الرئيس يجب ان يحاسب.

واعتقد انه على اوروبا ان تضع شروطاً لمساعدة لبنان بأسرع ما يمكن. الاتحاد الاوروبي يعوّل كثيرا على دولة القانون، وأوّل مبادئها العدالة، التي تسمح بكشف المسؤولين عندما يُرتكب جرم او خطأ ما. انفجار مرفأ بيروت هو جريمة غير مسبوقة تجاه الشعب اللبناني، وتجاه اكثر من 200 ضحية وآلاف الجرحى وعشرات آلاف المتضررين منه. فكيف يمكن الا يُحاسب المرتكبون والمسؤولون عنه؟

كما ان انهيار النظام المالي، هو جريمة بحق اللبنانيين الذين عملوا طوال حياتهم لتأمين مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، وهم اليوم تعرضوا لسرقة جنى عمرهم. فكيف يمكن عدم محاسبة مرتكبي هذه الجريمة؟

لذا الخطوة الاولى كي يستعيد لبنان الثقة بمستقبله هو المحاسبة.

– تحدّثتم عن تفجير مرفأ بيروت، هل تتخوّفون على مصير التحقيق الذي لا يزال معطّلاً بعد سنتين ونصف السنة على حصوله؟ وهل تؤيدون الدعوات لإنشاء لجنة تقصّي حقائق دولية؟

طبعاً انا قلق على مصير التحقيق في تفجير مرفأ بيروت.

واتمنى ان تبادر فرنسا والاتحاد الاوروبي الى المطالبة بلجنة تحقيق دولية في تفجير المرفأ. في البداية كان لدينا امل وثقة بالعدالة اللبنانية. اعتقد ان لبنان يمتلك مؤسسات ديمقراطية، وهي اعجوبة في هذه المنطقة، وكان من الشرعي والمنطقي ان يتمّ الاعتماد اولا على العدالة اللبنانية. ولكن اليوم من الواضح أن التحقيق لا يتحرك، حيث لم تكشف هوية اي مسؤول. وهذا الأمر يهم الاسرة الدولية برمّتها. كيف يمكن ان نساعد دولة عندما نرى ان عدالتها فاشلة بالكامل؟ فعندما تكون العدالة فاشلة او ناقصة او معرقلة يصبح من السهل ان تنمو ظاهرة الفساد بالكامل.

اعتقد حاليا انه من الضروري على الاقل تشكيل لجنة تحقيق دولية كي تضع الامور في نصابها وتكشف الحقيقة.

حان الوقت كي يتخذ الاتحاد الاوروبي اجراءات واضحة وصريحة بحق من يدمّرون الدستور الديمقراطي وعمل المؤسسات في لبنان. وما يقلقني ايضاً هو التشويش على النظام اللبناني. اللبنانيون يعانون الآن من تشويش ميليشيا مسلّحة مموّلة من قوّة خارجية تديرها وتدّعي أنها تساعد لبنان. لذا علينا ان نساعد لبنان لتخطي ذلك عن طريق فرض عقوبات على من يرفضون المثول امام القضاء، ومن يهدّدون القضاة ويحاولون ادارتهم والسيطرة عليهم. هذه العقوبات قد تساعد على تحرير لبنان من هذا “النظام الموازي”.

– في مطلع كانون الاول قدّمت “رابطة المودعين في لبنان” ومجموعة “المحاسبة الآن” التماساً قانونياً رسمياً إلى مجلس الاتحاد الأوروبي، للمطالبة بفرض عقوبات على السياسيين اللبنانيين. كيف ستتعاملون مع هذه الرسالة وكيف يمكن ترجمتها؟

أجدّد القول إنّه لا بد من فرض عقوبات صريحة وقوية بحقّ المسؤولين عمّا وصلت اليه البلاد. لست مخوّلاً الدخول في لعبة الاسماء التي يجب ان تطالها العقوبات. لكن طبعاً يجب ان تشمل كل من يعرقل طريق العدالة، وجميع اللبنانيين يعرفونهم. وكل من يعطّل عملية انتخاب رئيس جديد للجمهورية، من خلال مغادرة قاعة المجلس لافشال آلية التصويت، وطبعاً المسؤول الاول عن ادارة عملية الانتخاب، اي رئيس المجلس الذي يمنع البرلمان من العمل، ويجب أن تشمله العقوبات الاوروبية.

– هل من مرشّح معيّن تدعمه فرنسا او مرشّح ترفض مطلقاً انتخابه رئيساً للبنان؟

لست من ضمن الغالبية النيابية للرئيس ايمانويل ماكرون لأعرف ذلك. ولكن اعتقد ان ماكرون لا يملك رؤية كافية وواضحة لمشاركتها مع اللبنانيين من اجل مستقبلهم. ليس بمعنى انه على فرنسا ان تفرض مرشحين رئاسيين، هذا ليس دورها، ولكن يجب على الاقل، ان تتمتّع برؤية سياسية واضحة عن علاقاتها مع لبنان. فلا يمكننا ان نعتمد مبدأ التواصل مع كل الاطراف، وان نتحاور في وقت واحد مع “المذنبين والضحايا”، وان نضع في خانة واحدة من يعرقل ومن يريد التقدّم الى الامام.

الواقع هو ان كل القوى الاقليمية، وبعض القوى العالمية لا تملك رؤية سياسية عن مستقبل لبنان. وربما فرنسا اوروبا هما اللاعبان اللذان يمتنعان عن وضع استراتيجية قوية من اجل الحفاظ على الديمقراطية في لبنان. ليس من واجب فرنسا ان تملي على لبنان اسم رئيسها المقبل، ولكن يجب ان تعمل على ضمان احترام الديمقراطية في هذا البلد.

– الاسبوع الماضي شهد جنوب لبنان حادثة أليمة ادت الى مقتل جندي ايرلندي في صفوف قوات اليونيفيل. هل بتّم تتخوفون على أمن عناصر اليونيفيل؟

من المستحيل ان نتحدث حالياً بشكل مؤكد عن ملابسات هذه الجريمة وأتمنّى ان تتقدم اليونيفيل في تحقيقاتها سريعاً وتحدّد المسؤوليات. ولكن ما هو مؤكد اننا نسمع اكثر فاكثر تصريحات، تحديداً من جانب حزب الله، تستطيع ان تقودنا الى توتر اكبر. وهذا ما يثبت أنّه ليس بالأمر الصحي بالنسبة لبلد مثل لبنان، ان تكون هناك بدلا من الدولة، دويلة داخل الدولة، وبدلا من الجيش، جيش آخر و”ميليشيا موازية” تدّعي انها تطبق القانون وتدير البلاد.

– تحدّثت بعض المعلومات الصحافية في لبنان عن احتمال ان تكون القوات الفرنسية هي المستهدفة من هذا الاعتداء، هل وصلتكم اي معلومة مماثلة؟

اعتقد انه من المبكر الوقوف عند حقيقة ما جرى. وعلينا ان ننتظر حتى انتهاء التحقيقات.

– هل يمكن ان تصل الأمور الى حدّ المطالبة بتعديل مهام اليونيفيل او تقصير ولايتها بعد هذه الحادثة؟

لا اعتقد ذلك. ويجب الا نرضخ ونحقّق رغبة من يريدون انهاء مهمة اليونيفيل. وهم مستعدون لفعل ذلك من خلال لغة العنف. من ناحية اخرى، على المسؤولين السياسيين في لبنان المهتمّين بضمان الأمن في هذه المنطقة، الا يعتقدوا ان قوات اليونيفيل باقية مهما كانت الظروف.

– لطالما ربطت فرنسا وباقي الدول، مساعدة لبنان بالبدء بالاصلاحات. ولكن في ظل الازمة الاقتصادية المتفاقمة هل لبنان قادر على تطبيق هذه الاصلاحات؟

ليس فقط الازمة الاقتصادية، بل فعليا الازمة السياسية هي التي تمنع الاصلاحات في لبنان، ومن يتسبّب بها، هم المسؤولون السياسيون انفسهم. وهم من عليهم إخراج لبنان من هذه الازمة. وكما قلت، على اوروبا ان تساعد في فرض عقوبات على كل من يمنع حل هذه الازمة السياسية. لذا الاصلاحات هي ضرورية.

وعلى الاتحاد الاوروبي الضغط كي تكون هناك طبقة سياسية مسؤولة قادرة على تطبيق الاصلاحات المطلوبة واستعادة ثقة شركاء لبنان الدوليين. واعتقد ان المساعدات الدولية لا تستطيع ان تخدم اليوم طبقة سياسية ترفض اجراء الاصلاحات، ومنظومة تستريح الى ما لا نهاية بانتظار وصول الاموال من الخارج ومن المغتربين ومن الاتحاد الاوروبي والمنظمات غير الحكومية. هذا سيكون ضرباً من الجنون وليس من مصلحة الشعب اللبناني تقديم المساعدة الى هذه الطبقة الحاكمة.

– أثرت أيضاً فور وصولك الى لبنان ازمة النزوح السوري، هناك مطالبات كثيرة بعودتهم الى المناطق الآمنة في بلادهم، هل تؤيد ذلك؟

حالياً، من الخطأ ان يقوم المجتمع الدولي والامم المتحدة بتمويل هذه الازمة بدلا من حلّها. وجود اللاجئين السوريين في لبنان يشكّل تحدياً كبيراً بالنسبة للشعب اللبناني اليوم، بما ان اعدادهم الكبيرة تشكّل عامل ضغط اضافياً على المجتمع، وكل ذلك يمكن ان يقود الى توتر خطير وان يخلق مشكلة اكبر في الغد، لأنّ هندسة المجتمع اللبناني هشّة وفريدة من نوعها ومتنوعة ومؤثرة، وهذا التوازن والتنوّع الذي يميّز لبنان قد يتزعزع.

لذا يجب على دول العالم ان تنظر الى الامر بطريقة أخرى. لا يمكن لأي دولة في العالم ان تستضيف على ارضها هذا العدد الكبير من النازحين بالنسبة لعدد السكان.

لا يمكن الاستمرار حالياً في تمويل اللاجئين السوريين الذين يصرّون على البقاء في لبنان.

– خلال لقائك مع البطريرك الراعي تحدثت عن اهمية الوجود المسيحي في لبنان، هل تتخوّفون على مصير المسيحيين في هذا البلد؟

انا اتخوّف على التنوع في لبنان، والتوازن الجميل الذي يميّز هذه البلاد. اذا بات المسيحيون غداً ممنوعين من البقاء في لبنان بسبب الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر عليهم بشكل كبير، سيجبرون على اتخاذ قرار الهجرة.

واذا غادر المسيحيون ستكون هذه مسؤولية كبيرة على عاتق اوروبا. فلبنان سيفقد بذلك مفتاحاً مهماً من تنوّعه وسيخسر شيئاً من ثقافته ومن جوهره.

لقد زرت هذا الاسبوع مستشفى في بيروت تضرّر كثيراً في انفجار المرفأ، وزرت عدداً من المدارس المسيحية، وفهمت ان هذه المنشآت تستقبل مجموعة متنوّعة من كل الطوائف. كما زرت مقرّ مؤسسة اجتماعية تهتم بتوزيع اكثر من الف وجبة غذائية يومياً، تعطي كلّ من يقصدها، من دون ان تسأل عن هويته او مهنته او طائفته. اعتقد ان كل اللبنانيين، على اختلاف انتماءاتهم، يدركون انه اذا غادر المسيحيون لبنان، سيخسر البلد جزءاً من توازنه وتنوّعه وغناه المجتمعي.

– في ايلول من العام 2020، وبعد شهر على جريمة تفجير مرفأ بيروت، دعوت الى تحرير لبنان من الميليشيات والقضاء على الفساد، ودعم مبدأ الحياد… هل لا تزال هذه الأمور في سلّم الاولويات التي ستعيد للبنان استقراره؟

طبعاً واعتقد أنّ الوقت حان اكثر من قبل، كي نعيد للبنانيين سيادتهم وحق تقرير مصيرهم، وان نضمن الا يكونوا لعبة بأيدي القوى الخارجية التي تريد رسم مستقبلهم على طريقتها.

حان الوقت لاحترام اللبنانيين، في وطنهم، ومن قبل جيرانهم وكل دول العالم.

لقد سنحت لي الفرصة ان امضي وقتاً في بعض المدارس وان اتواصل مع الجسم التربوي، زرت مدرسة مهمّة وعريقة في بيروت واخرى في باب التبّانة – طرابلس، وهي احدى المناطق الفقيرة في لبنان، وعانت في فترة ليست بعيدة من مواجهات أهليّة مسلّحة، وتأثّرت كثيراً بجو السعادة ونمط الحياة الذي لمسته بين الشباب اللبناني في هذه المدارس، كما تأثرت بمستوى التعليم، وتحديداً اللغة الفرنسية التي تجمعنا، وبتنوّع الطلاب وذكائهم ورغبتهم بالنجاح في المستقبل.

هذا يعطينا الأمل. نحن عشية عيد الميلاد، ويمكنني القول انّه وسط كل هذه العتمة يبقى هناك نور. وهذا خبر جيّد. فللبنان الكثير من الاسباب التي تجعله يحافظ على بارقة أمل بغد أفضل ينتظره.

– بعد هذه الزيارة، ما الرسائل التي ستحملها معك الى البرلمان الاوروبي؟

اعتقد انني سأبلغهم أولاً بضرورة تغيير طريقة التعاطي مع ملف اللجوء السوري بشكل عاجل.

سأتحدث عن اهمية مساعدة اللبنانيين قضائياً لاستعادة اموالهم ومدخراتهم، فانا اعتقد انه الشعب الوحيد في العالم الذي تعرّض لسرقة أمواله من المصارف.

كما ساقول انه على لبنان ان يمضي قدماً في المسار السياسي.

وسأتحدّث عن ضرورة مساعدة القطاع الخاص على النهوض ودعمه مادياً، فالقطاع المالي منهار في لبنان، وهذا ما يجعل من الصعب على المستثمرين تمويل مشاريعهم.

لبنان لديه مشاكل كثيرة ولكن افضل طريقة لكي يخرج من مأزقه الحالي ان يبدأ بحل المشاكل الصغيرة تدريجيّاً. لا يمكننا ان ننتظر دائما الحل الشامل.

لا اريد ان اضيف اسمي الى لائحة السياسيين الاوروبيين الذين يعطون الدروس للبنانيين، بل على العكس أفضّل الاستماع الى اللبنانيين، فهم يعطوننا دروساً في الشجاعة. 

المصدر
ألين البستاني - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى