إقتصادمقالات

الضابط السياسيّ لسعر الدولار

غياب أي ضابط أو رادع لارتفاع سعر صرف الدولار يجعل من المستحيل إيقاف المزيد من تدهور سعر العملة الوطنية. أول الضوابط لسوق الصرف أن تكون هناك سلطة، في وقت البلد في حال فراغ، ومن يتسبب بذلك لا يأبه لعواقب استمرار معاناة اللبنانين جرّاء إطالة غياب السلطة الفعلية، في حين يبحث البعض عن وهم السلطة التي تتراجع هيبتها وصدقيتها كل يوم، وصولاً إلى الحضيض.

من خَبِر إدارة مالية الدولة اللبنانية وسوق النقد في البلد، يعتقد أنّ كل الإجراءات الاقتصادية والمالية والإدارية ضرورية، لكن لا بد من الإقرار بأنها غير كافية «إذا لم تقترن بخطوات لها طابع سياسي، بهدف استعادة الثقة»، واسترجاعها بين الناس. وهذا لا يتم إلا بالخطوات السياسية وفي طليعتها إنهاء الشغور الرئاسي الذي يستكمل السلطة الإجرائية باختيار رئيس للحكومة وقيام حكومة منسجمة تقوم بما عليها على صعيد الإصلاحات، تمهيداً لاجتذاب الاستثمارات العربية ولا سيما الخليجية.

هذه اللازمة باقية طالما بقيت الأزمة قائمة والحلول معطّلة والفراغ الرئاسي مستمر بلا سقف زمني، رغم أنّ هناك من يرد اللعب بسعر الصرف إلى خطة من قبل مصرف لبنان من أجل شراء العملة الخضراء من السوق لتأمين اعتمادات الـ300 مليون دولار لتمويل رفع ساعات التغذية بالكهرباء الموعودة منذ أشهر، وهذا ما يفسر شح الدولارات لدى بعض المصارف التي تزيد تقنين مدّ المودعين بها تحت ذرائع شتى. وإن صحت هذه المعطيات فهي تساوي تحميل اللبنانيين الخسائر للمرة المئة وأكثر من كثرة إخضاع مداخيلهم ورواتبهم لفقدان قيمتها الشرائية مجدداً، وإفساح المجال أمام جشع التجار من أجل الإفادة من تذبذب سعر الصرف لرفع أسعار السلع الغذائية، في ظل غياب القدرة على مراقبة السوق وعملية التسعير، فضلاً عن تأثير هذه العملية الجهنمية على فقدان الأدوية لدى الصيدليات في انتظار أن تنتظم عملية الاستيراد ومن ثم التسعير الجديد.

يبدي الدبلوماسيون الأجانب بمن فيهم من يدركون أنّ استعادة ثقة الناس بالاقتصاد والقطاع المصرفي أولوية، هي التي تقود إلى لجم ارتفاع سعر الصرف، تبرّماً يومياً من إلقاء الوسط السياسي اللبناني تبعات ومسؤوليات ملء الفراغ الرئاسي على الخارج، وباتوا يهزأون من مواصلة الإعلام اللبناني وبعض السياسيين الرهان على الاجتماعات التي تعقد في الخارج، لابتداع التسويات حول الرئاسة، وآخر هذه الرهانات اجتماع عمان تحت عنوان بغداد -2 الذي لا مؤشرات على أنّ الكواليس تناولت الملف اللبناني. هذا ما حصل، للتذكير فقط، قبل اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة ثم قبيل القمة العربية في الجزائر، ثم على مشارف اجتماعات شرم الشيخ لقمة المناخ، ومع القمة العربية – الصينية من دون نتائج تذكر سوى بعض اللقاءات التي أخذت في الشكل منحى انفتاحياً من دون أن تحقق أي نتائج ملموسة في ما يخص المضمون… ثم اجتماع بغداد، الذي بالكاد شهد لقاءات اقتصرت على البحث في الملف النووي الإيراني وإمكان إحياء مفاوضات فيينا في اجتماع يتيم بين وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان ومفوض السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل. أما ما قاله اللهيان عن إمكان تجديد المفاوضات الإيرانية السعودية فصدر عن الجانب الإيراني من دون أن تصدر أي إشارة في شأنه عن الجانب السعودي.

القاعدة هي نفسها في الموقفين العربي والسعودي حيال لبنان وأزمته. لا تورط في شأن ترجيح أي اسم من المرشحين للرئاسة، ولا حماس لتقديم مساعدات مالية له، والسلطة فيه ستبقى خاضعة للاختبار والامتحان حول قدرتها على إبعاد البلد عن خطط المحور الإيراني وعن استمرار استخدامه ساحة ضد الدول العربية، إلى أن يثبت العكس.

وها قد أضيفت إلى الاختبارات التي ستخضع لها السلطة في البلد مسألة التحقيق في مقتل الجندي الإيرلندي في الجنوب.

المصدر
وليد شقير - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى