مقالات

معادلة غرامشي “اللبنانية”

ليس تكرار الشغور الرئاسي كل ست سنوات سوى تعبير عن التدهور في حال الجمهورية. ولا تدهور الجمهورية سوى واحد من إشتراكات مرض خطير هو الإصرار على الحؤول دون القيام بأي خطوة جدية في مشروع بناء الدولة التي يستحقها لبنان كمغامرة رائدة في الشرق. والمصرون فريقان قويان وخائفان. واحد متعدد الأطراف خائف على مصالحه وإمتيازاته في السلطة وحرصه على الفساد وتفصيل القوانين على قياس رغباته، وإلّا خرق القوانين. وآخر خائف من أن يسد بناء الدولة الطريق على بناء مشروعه للبنان آخر خطوة خطوة، وعلى فقدان “الغلبة بالشوكة” وحرية العمل والقدرة على إستغلال الضعف إذا قامت دولة تبسط السيادة على الحدود والمرافق.

ومن هنا التهرب المنهجي من الإصلاحات والإنتخاب الرئاسي وتأليف الحكومة الفاعلة وكل ما يجب أن نفعله بأنفسنا ويطلبه منا ولنا الأشقاء والأصدقاء لمساعدتنا في بدء مسار التعافي، ثم الإدعاء أن القوى الخارجية تحاصرنا وتمنعنا من إنتخاب رئيس لكي يبقى لبنان ورقة للمقايضة في صفقات مقبلة. والمفارقة أننا نطالب تلك القوى بالتدخل وإختيار رئيس لنا والضغط على قوى التعطيل. والمفارقة الأكبر أننا ننتظر في رهان على متغيرات وتطورات إقليمية ودولية لا نعرف كيف ستكون، ثم نتصرف كأن الزمن واقف والوقت خادم لنا، والفرص لن تضيع في مهب المتغيرات وتبدل الإهتمامات.

وأقل ما علينا فعله هو رؤية الأشقاء العرب وكيف يبنون ويتحركون في كل الإتجاهات ويقيمون “شراكات إستراتيجية” مع أميركا والصين وروسيا وفرنسا والهند لخدمة حاضرهم وبناء مستقبلهم. وهو أن نتأمل حقيقة موقع لبنان في الشرق الأوسط الذي يتزايد إهتمام الصين به، وتخفف حرب أوكرانيا من إهتمام روسيا وقدرتها وتضعه إستراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس جو بايدن في المرتبة الخامسة والأخيرة من الأولويات. فضلاً عن أن إنتظار التطورات والمتغيرات للمجيء برئيس ملائم لها هو لعبة خطرة وسيئة. فلا تطور يفيدنا إذا كنا في فراغ. ولا متغيرات تؤذينا كثيراً إذا كان للبنان رئيس وحكومة فاعلة يخففان من الأذى ويحاولان حماية البلد من فقدان رأسه عند تغيير الدول. ولن يشن أحد حرباً على لبنان إذا انتخبنا رئيساً، ولو من دون بناء دولة.

وما ينطبق على حالنا هو قول أنطونيو غرامشي: “النظام القديم يموت، والجديد لم يولد بعد، وفي فترة خلو العرش بين النظامين تظهر مجموعة كبيرة من الأعراض المتوحشة السقيمة”. فالدولة القديمة في إنحلال. والدولة الجديدة الأفضل لم تولد بعد، ولا أحد يعرف إن كانت ستولد. والدولة الجديدة الأسوأ هي نهاية لبنان كمشروع رائد في الشرق. وما نراه ونعانيه هو كل أنواع الشرور.

و”كيف يمكن أن نعيش حياة حقيقية ضمن حياة زائفة؟”، كما تقول جوديت بتلر.

المصدر
رفيق خوري - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى