سياسة

إنتخابات الإفتاء: السُّنّة أهل الإعتدال.. !

بداية لا بدّ من كلمات تنصف مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان الذي بإصراره وثباته على الحق، وعلى الرغم من شدّة المرض، مكّن أهله وناسه سُنّة لبنان من إجراء انتخابات المفتين في المناطق، محقّقاً بذلك أكبر إنجاز بعدما رفض سيل الاقتراحات بتأجيلها من بعض السياسيين ورجال الدين وبعض الهامسين في الآذان.

آمن بروح المؤسّسة وبقدرة أبنائه على الاختيار بعيداً عن أيّ تدخّل أو وصاية تماماً كما فعل في الانتخابات النيابية الأخيرة حين قال لأبنائه “اذهبوا للاقتراع لمن شئتم، فأمّتي لا تجتمع على ضلالة أو بهتان”.

أهل الاعتدال

إنّ السُنّة الذين انتخبوا حجازياً وزيداً وعليّاً وحسناً وبكراً، وتقدّم صفوفهم في عرينهم في طرابلس فقيهٌ إمام، يُسجّل لهم أنّه فيما كانت باقي الطوائف والمكوّنات تعود إلى كهوفها وقوقعاتها كانوا يتطلّعون باتجاه الغد بروح المحاسبة من دون تشفٍّ والتغيير من دون إفراط. لم يَسْتَعدوا ماضيهم ولا عمدوا إلى تأليه جديدهم، بل منحوا الفرصة لمن طلبها، وعند الامتحان يُكرَم المرء أو يهان. سمحوا للعشب أن ينبت بحرّية على هواه عساه أن يحمل ورداً ونباتاً يفيد الناس والعباد.

أكّد سُنّة لبنان مجدّداً انتصارهم وتمسّكهم بالاعتدال وقرارهم بالعبور نحو التغيير والتطوير إن على المستوى السياسي كما حصل في الانتخابات النيابية أو على المستوى الديني عبر انتخابات مفتي المناطق. سبقوا شركاءهم في الوطن بالنظر إلى الأمام الذي كان وجهة سيرهم وتقدّمهم، وابتعدوا عن تضييع الزمن وأيّامه والفرص وندرتها بالنظر إلى الخلف. هو تغيير ضمن الثوابت الضامنة للنجاح والعبور الآمن من مرحلة إلى أخرى من دون شطط أو غلوّ يميناً أو يساراً للحفاظ على القيم التي لطالما حملوا لواءها عبر العصور وشملت الاعتدال والمواطنة وروح المؤسّسات. دفعوا بروح الشباب إلى الإفتاء تماماً كما حصل عندما انتُخب المفتي الشهيد حسن خالد عام 1966 وكان عمره 45 سنة، فقال كثيرون ماذا يفعل فتى في منصب الإفتاء؟ ذاك الفتى بات قائداً وخطيب العيد في الملعب البلدي وشهيداً افتدى بدمه لبنان.

أربع نقاط لا بدّ من الوقوف عندها في انتخابات مفتي المناطق وعلينا جميعاً أخذها بالحسبان:

1- السُّنّة أهل الاعتدال بخيارهم واختياراتهم هم ضمانة الوطن أن يبقى وطناً لكلّ أبنائه من دون تمييز أو استئثار.

2- قطار التغيير عند السُّنّة لن يتوقّف، بل هو قادم إلى كلّ المحطات السياسية والدينية والاجتماعية وسيشمل المؤسّسات كافّة.

3- لا وصاية ولا حصرية لأحد على قرار السُّنّة، سواء أنائباً كان أم وزيراً أم زعيماً أم مختاراً في حيّ من الأحياء.

المستقبل يصنعه الناخبين لا التيارات ولا الأحزاب.

  • تكريس الحيويّة السياسية في المجتمع السُّنّي عبر التشبّث بروح الديمقراطية والانتخاب والتنافس الشريف لا التناحر على المناصب التي وُجدت لخدمة الناس، بحيث يهنّئ الخاسرُ المنتصرَ واضعاً يده بيده، ويعاهد المنتصرُ الجميعَ على خدمة القضيّة والناس. فالإمام كان يمسك بيد منافسه شيخ القرّاء بلال بارودي، وكذلك فعل المفتي زيد عندما تعانق مع منافسه الشيخ أسامة الرافعي، فكانت صور هذه اللقاءات أجمل الصور المعبّرة عن الرقيّ والألفة والإيمان.

هكذا تدخّلت السعوديّة

على هامش ما حقّقه سُنّة لبنان من إنجاز، لا ضرر ولا ضِرار من القول إنّ المملكة العربية السعودية قد تدخّلت بانتخابات مفتي المناطق في لبنان. لم تتدخّل بالترغيب أو الترهيب من أجل فلان أو علّان، بل كان تدخُّلها عبر نقل روح التغيير الهادئ والهادف إلى أذهان الهيئات الناخبة وقرار الناس.

لم يكن للمملكة العربية السعودية مرشّح محدّد، بل صنعت بممارساتها وتحوّلاتها الداخلية نموذجاً يحاكي تطلّعات الناس والأجيال في كلّ مكان، نموذجاً يتحدّث عن الغد من دون التنكّر للماضي، وعن مصطلح للاعتدال لا يرادف مصطلح الاستسلام.

تتعامل المملكة مع سُنّة لبنان على أنّهم أحرار ليسوا بحاجة إلى وصيّ يفرض عليهم مشيئته.

أكّد سُنّة لبنان نظرتهم للمملكة التي يرون فيها أرض الحرمين وقبلة الصلاة وخيمة مرجعية تقيهم قيظ الحرّ وغدرات الزمان. وها هو الغيم الذي تكثّف في سماء المملكة تطوّراً وتغييراً وآفاقاً اقتصادية يمطر في لبنان.

السُّنّة بخير

السُّنّة بخير فليطمئنّ القلقون والمتربّصون. هم قبل غيرهم أحدثوا الفرق الذي قد لا تعجب نتائجُه البعضَ. دعوا الأيام تحكم على الرجال. انتظام عمل صندوق الانتخاب في كلّ المؤسّسات والمحطّات يمثّل ضمانة لتكريس المحاسبة ولضبط المسؤول كلّ مسؤول لأنّه سيدرك حينئذٍ أنّ الناس تراه وستسأله، وما مات حقٌّ وراءه سائل يطالب به. هذه من حِكَم الحياة.

المصدر
asasmedia

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى