مقالات

لماذا يغيب لبنان؟

اليوم ينعقد على ضفاف البحر الميّت في الأردن مؤتمر بغداد الإقليمي بنسخته الثانية. المؤتمر الأول استضافته العاصمة العراقية في آب من العام الماضي (2021) وحضرته دول أساسية في المنطقة، من السعودية إلى ايران وتركيا، وأقيم تحت عنوان دعم أمن العراق واستقراره، وتطرّق إلى مسائل اقليمية ملحّة في مقدمها العلاقات الايرانية – السعودية.

كانت فرنسا (ايمانويل ماكرون) ولا تزال المحرك الأساس لهذا المؤتمر. ولم يتغيّر في الوجوه الّا وجه مصطفى الكاظمي رئيس الوزراء العراقي السابق الذي حلّ محله محمد شيّاع السوداني. باقي اللاعبين ما زالوا في مناصبهم، أمّا أمن العراق الذي التأم المؤتمرون تحت رايته فقد تعرّض لأشنع اعتداءات مارستها دولتان من دول الجوار المشاركة. تناوبت إيران وتركيا على توجيه الضربات إلى كردستان العراق من الشرق والغرب، في اعتداءات موصوفة تطرح سؤالاً أساسياً عن الجدوى العراقية الخاصة من المؤتمر، فيما القول إنّه يتناول شؤون الإقليم يطرح أسئلة أخرى أكثر مدعاة للحيرة. من هذه الأسئلة، سؤال عن طبيعة المشاركين. فلبنان، مثلاً، ليس مدعواً للمرة الثانية، فيما توسعت الدعوات لتشمل تقريباً كلّ دول الخليج العربي وصولاً إلى عُمان؟!

إيران وتركيا على رأس قائمة الحضور في الدورة الراهنة. الأولى تأتي وصواريخها لم تهدأ في دك الشمال العراقي، وهي تعاني انتفاضة شعبية وانسداداً في ملفها النووي، وستكون أكثر تشدداً وعدوانية في ملفات الإقليم كافة (العراق ولبنان وسوريا واليمن…)، وتركيا تحضر وفي جعبتها مشروع اجتياح شامل للشمال السوري وصولاً إلى العراق.

المشاركون الآخرون، في دول الخليج ومصر، لا أحد منهم يطمح إلى اجتياح العراق أو يطمع في سلطته وأراضيه. السعودية ودول الخليج ومصر والأردن تبحث عن توطيد استقلال العراق ودعم اقتصاده وبناء علاقات طيبة مع جواره، وهو ما تؤكده في كل مواقفها وآخرها في بيانات القمم الصينية العربية، وهو أمر لن يتحقق من دون وضع حد للاعتداءات والتدخلات التركية والايرانية العابرة للأوطان.

لم يعُد أمن العراق، ولم يكُن يوماً مفصولاً عن أمن الإقليم، لأنّ المتلاعبين بأمنه، خصوصاً إيران، يمدّون أيديهم وأذرعتهم إلى شتى الأنحاء. بُحث الأمر في لقاء بغداد الأول، وهو ما سيعُرض في مؤتمر بغداد الثاني في الأردن. بلدان من المعنيين في مسألة الأمن الإقليمي يغيبان للمرة الثانية. سوريا لا تُدعى ربما لأن إيران تمثلها، ولبنان لا يُدعى ولا نعرف ما إذا كان ذلك للأسباب عينها.

كان الأجدى بأصحاب الدعوة في باريس وبغداد وعمان الانتباه إلى معنى هذا التغييب. ولكن قبل ذلك، الأجدى أيضاً بالمعنيين في لبنان، من رئيس الحكومة إلى وزير الخارجية أن يتحركوا لتثبيت حضور بلد يعاني كما العراق، وبالتفاصيل التفصيلية من انعدام توازنه، وللأسباب نفسها التي استدعت مؤتمراً ثانياً على البحر الميًت. لم نسمع شيئاً في تبرير الغياب ولا في السعي لتجنبه، لكن ما زلنا نسمع عن تدخل فرنسي وانتظار تدخلات الإقليم «جرد العصا» لتعيين رئيس للجمهورية، إنها استساغة لموت من دون بحر ميّت.

المصدر
طوني فرنسيس - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى