مقالات

حادثة اليونيفيل إلى النسيان

بمجرد إحالة ملف التحقيق في حادثة «اليونيفيل» على المحكمة العسكرية، وهي المرجع القضائي المعروف لتسييس الملفات الهامة، يكون مسار التحقيق الذي لن يبدأ، قد بات معروفاً سلفاً.

لن يجرى تحقيق فيه الحد الأدنى من الجديّة في اغتيال موكب القوّة الإيرلندية، الذي أدى إلى سقوط جندي وجرح آخرين. فالحادثة لم تكن الأولى، إنمّا كانت الأخطر بعد عبوة تفجير الكتيبة الاسبانية التي عطّلت عملياً مهمة «اليونيفيل»، وحصرت دورها بالمراقبة واصدار البيانات، من دون أن تتمكن من تطبيق ما أسست من أجله، خصوصاً في جنوب الليطاني، وحتى الحدود الدولية، التي تشهد أعمالاً وتحصينات واستعدادات مستمرة، لا يسمح «حزب الله» بالاقتراب منها.

تجتمع عوامل عدة لتُضفي على هذه الحادثة مساراً غامضاً سيؤدي في النهاية إلى وضع الملف في الادراج. على المستوى الداخلي لا توجد حكومة أو سلطة سياسية أو أمنية قادرة حتى على التفكير بإجراء تحقيق يقود إلى معرفة هوية مطلقي النار، والأهم هوية من أعطاهم الأمر باستهداف الدورية بعشرات الطلقات من الرصاص، والأهم أيضاً من يؤمّن لهم الحماية وعدم التعرّض للملاحقة.

لا بل على النقيض من ذلك، تشي الأحداث المماثلة ومنها حادثة استشهاد الضابط سامر حنا، أنّ القضاء العسكري جاهز لتوليف الملف في خدمة «حزب الله»، وهو القضاء الشهير الذي نظر في معظم القضايا التي تمّ حرفها عن مسارها، من قضية ميشال سماحة إلى أخواتها من الملفات المفخخة.

وعلى المستوى الداخلي أيضاً تفتقر القوى السياسية التي تواجه مشروع «حزب الله» إلى وجود قرار بالذهاب في المواجهة الى النهاية، ولن يجد ملف الاعتداء على «اليونيفيل» من القوى السياسية من سيتابعه بجدية، وسينتهي به الأمر إلى أن يتعرض للتخدير على يد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي غير القادرة على تحمّل أي مسؤولية حين يتعلق الأمر بـ»حزب الله».

أمّا على المستوى الدولي والعربي، فالاعتداء لم يكن الأول وقد لا يكون الأخير، وقد اعتادت الأمم المتحدة في مثل هذه الاعتداءات أن تركن الى الأمر الواقع، وأن تكتفي بتحسين سبل الحماية لقوات الطوارئ، كما يأتي الاعتداء في توقيت هو الأصعب على المستوى الدولي، حيث تقارب حرب روسيا على أوكرانيا أن تتم السنة، وسط عجز مجلس الأمن الدولي والأمم المتحدة عن وقفها، وهذه الحرب التي تشغل العالم، ستؤدي إلى تضاؤل الإهتمام بأي ملف آخر ولو كان بحجم الخطورة التي يمثلها مقتل عنصر من قوات الطوارئ في اعتداء مسلح مقصود في جنوب لبنان.

في العام 2006 صدر القرار 1701 تحت الفصل السادس، وليس السابع، ما حوّل مهمة هذه القوات إلى قوات مراقبة لا تمتلك الحق حتى بالدفاع عن نفسها. منذ ذلك التاريخ وضع «حزب الله» خطة لاستنزاف مهمة هذه القوات، حتى وصل إلى إجهاضها بشكل شبه كامل، وهو يستكمل بحادثة العاقبية ردع قوات الطوارئ، وترهيبها بالأهالي، والأمم المتحدة تعرف أنّه صاحب السيطرة الأمنية في الجنوب وأنّ الوجود الشرعي لا يُعوّل عليه، وبالتالي سيسجل اعتداء العاقبية في سجل الأمم المتحدة، كحادثة لن يعقبها إلّا الاستنكار.

المصدر
أسعد بشارة - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى