إقتصاد

موسم الميلاد ورأس السنة… خجول

يتحضّر اللبنانيون والتجار وأصحاب المؤسسات السياحية لإستقبال عيديّ الميلاد ورأس السنة، بما يرافقهما من «عجقة» ووعد بإنفراج مالي وتجاري موسمي، نتيجة الحركة المتوقعة للمغتربين والسياح الآتين للإحتفال بهذه الاعياد في ربوع لبنان، إلا أنه لا يمكن الرهان على هذا الموسم باعتباره سيُدخل المليارات إلى بلد منهار إقتصادياً ومالياً، على غرار ما فعل موسم الاصطياف الماضي. علماً أن الخبراء الماليين والاقتصاديين يشككون برقم 4 مليارات دولار الذي قيل أنه كان حصيلة موسم إصطياف 2022 (وزير السياحة يشير إلى ان الرقم هو 6 مليارات!).

يضاف إلى ذلك أن «مؤشر جمعية تجار بيروت – فرنسَبنك لتجارة التجزئة»، الذي نُشر مؤخراً يوضح أنه «خلال موسم الإصطياف تم إنفاق ما يقارب الـ 4 مليارات دولار، مما ساهم في وقف تدهور الليرة اللبنانية مقابل الدولار، إنما المؤسف كان أن القدر الأكبر من هذه المبالغ قد تمّ صرفها في القطاعات السياحية الترفيهية وبالأنشطة المتعلقة بها مباشرة»، شارحاً أن «القطاعات الأخرى، ولا سيما التجارية منها والتي كانت تتوقّع شيئاً من الإنتعاش، لم يطلها سوى القليل جداً من تلك الأموال، التى دخلت بمعظمها إمّا الى الخزائن في المنازل، أو خرجت مجدّداً من البلاد، بدل أن تودع في المصارف وأن تساهم في إعادة تحريك العجلة الإقتصادية، ولو بنسبة ضئيلة».

ما يمكن الجزم به أن أعداداً كبيرة من المغتربين اللبنانيين سيأتون لتمضية 15 يوماً على الاقل مع ذويهم. بالإضافة إلى السياح العراقيين والاردنيين والمصريين، بحسب ما تشير أرقام مكاتب السفر( 600 ألف سائح ومغترب). لكن معطيات كثيرة تدل على أن هذه الفترة، ستكون أقرب إلى «جرعة أوكسجين» تمكّن المؤسسات السياحية والتجارية، من الإستمرار من دون المراهنة على أن هناك فيضاً من العائدات المالية، سيعدّل حالة الانهيار الحاصلة في لبنان وعلى كل الصعد.

أول هذه المعطيات هو «قُصر» فترة الأعياد، وطابع عيد الميلاد العائلي، الذي غالباً ما يتم الإحتفال به في المنازل. بالإضافة إلى غياب الحفلات الكبرى عن معظم الفنادق الموجودة في بيروت، والتي كانت عاملاً جاذباً لمجيء السائح الخليجي مما يزيد حركة الإشغال في الفنادق والمؤسسات السياحية. فالاعلانات عن هذه الحفلات غالباً ما يبدأ، من شهر تشرين الثاني من العام وهذا أمر غير ملحوظ لا في إعلانات التلفزيونات أو الطرقات.

حفلات متواضعة

يشرح المدير الاداري لأحد أكبر الفنادق في بيروت لـ»نداء الوطن»، «أنه منذ بداية جائحة كورونا، وما رافقها من إنهيار إقتصادي، تم إتخاذ القرار بعدم إقامة حفلات كبرى تستضيف كبار المغنين اللبنانيين والعرب، بسبب كلفتها العالية. وتمّ الإكتفاء في العام الماضي وهذا العام بالتعاقد مع مطربين عراقيين ولبنانيين من الصف الثالث، يؤدون اللون العراقي لإرضاء أذواق السياح العراقيين والاردنيين، الذين غالباً ما يأتون إلى لبنان لتمضية عيد رأس السنة».

يضيف: «لا شك أن السائح العراقي إحتل نسبة كبيرة من الإشغال في فنادقنا خلال السنوات الماضية، والحجوزات لهذا العام تشير إلى أن نسبة الاشغال ستكون 80 بالمئة ونحو 60 بالمئة منهم هم من أخواننا العراقيين».

بيار الأشقر

فترة جيدة للإقتصاد المنهار

يعتبر نقيب أصحاب المؤسسات السياحية بيار الأشقر، في حديثه لـ»نداء الوطن»، أن «ما ينتظره اللبنانيون ليس موسماً سياحياً على غرار موسم الاصطياف، الذي إمتد 3 أشهر أو موسم تزلج الذي يمتد أشهراً أيضاً، بل هو أقرب إلى عطلة سنوية، لن تزيد مدتها عن أسبوعين إلى 10 أيام»، لافتاً إلى أن «قطاع الفنادق يعيش فترة ركود، منذ 15 أيلول حتى 15 ديسمبر/ كانون الاول الحالي، أي ثلاثة شهور، في حين أن العطلة المقبلة هي فترة جيدة للبلد والاقتصاد المنهار. لكن لا يمكن التعويل عليها كمنقذ إقتصادي للوضع المأسوي الذي نعيشه، ولن تغيّر المعادلة وتحسّن مداخيل المؤسسات السياحية والبلد ككل».

يشرح الاشقر أن «أغلبية الزوار الذين سيأتون إلى لبنان هم من المغتربين اللبنانيين، وهذه العطلة لها طقوسها. بمعنى أن الاسبوع الأول الذي يتخلله عيد الميلاد تكون الاحتفالات عائلية، في حين أن الأيام المتبقية ستكون ضمن عيد رأس السنة، وهنا تنتعش السهرات»، لافتاً إلى أنه «في بيروت، السياح الاجانب هم عراقيون ومصريون وأردنيون وبعض الاوربيين. وهؤلاء يرتادون لبنان منذ 5 سنوات، في حين أن السائح الخليجي ممنوع عليه المجيء إلى لبنان علماً انه العمود الفقري للسياحة».

ويضيف: «صحيح أن هناك تحسناً في القطاع السياحي عن السنوات الماضية، لكن ليس بالصورة التي يظهرها الاعلام. ونسبة التشغيل في الفنادق 70 بالمئة، وخارج بيروت هناك مناطق ستبقى معدومة الحركة (عاليه وبحمدون ومتن الوسط)، في حين أن الحجوزات ستكون في فقرا وكفرذبيان وفاريا». ويختم: «ما يزيد من التوقعات ان المردود سيكون تواضعاً هو عدم وجود حفلات كبيرة في لبنان مقارنة مع ما يحصل في الماضي (أكثر من 60 حفلة). وبالرغم من شكوى اللبنانيين من إرتفاع الاسعار، إلا أن أغلى مطاعم وفنادق هي الأكثر إزدحاماً بالرواد والزبائن».

خالد نزها

فرصة لإدخال الدولار

يأمل نائب نقيب المؤسسات السياحية والمطاعم والباتسيري ودور اللهو خالد نزها في «أن يكون موسم الأعياد مشابهاً لموسم الاصطياف الماضي»، شارحاً لـ»نداء الوطن» أن «الأخير كان ممتازاً من حيث المردود المالي وكان أطول من الناحية الزمنية، لكن يمكن أن يكون مشجعاً للمغتربين والسياح بالمجيء إلى لبنان مجدداً، بالرغم من غياب الخدمات الاساسية والكهرباء التي تستهلك 35 بالمئة من الكلفة التشغيلية، وقد تولت المؤسسات السياحية تأمينها جميعاً».

ويشير: «في هذا الموسم نتشدد بالشروط الصحية في ظل إنتشار مرض الكوليرا، والانتباه إلى مصدر المواد المستعملة لإعداد الاطباق، ونحل مكان الدولة التي هي شبه غائبة».

يضيف: «نحن نعرف أن موسم الاعياد لن يكون مردوده كبيراً لأن الفترة أقل، لكننا نعوّل على هذه الفترة، لإدخال عملة صعبة إلى لبنان، وضّخ حياة وإنتعاش في شرايين البلد والقرى وبيوت الضيافة»، لافتاً إلى أنه «بعد جائحة كورونا بات الكثير من الناس يفضلون الطبيعة وهذا ما سيشجع السياحة الداخلية. ونتوقع أن تكون الحركة السياحية في العاصمة، والمناطق ولا سيما في مناطق التزلج. كما أن قطاع المطاعم سينتعش ونحن نعوّل على هذه الحركة، والأمر الايجابي أن الناس تعاود زيارة لبنان بالرغم من كل ما حصل».

ويوضح أن «الإنهيار الاقتصادي أدى إلى تغيير كبير في النمط الاستهلاكي للبنانيين المقيمين، وليس هناك أفق يدفعهم لتغيير هذا النمط. ولذلك فهذا الموسم يشكل لنا نوعاً من إعادة التوازن كأصحاب مؤسسات، لأننا نحاول الاستمرار وإثبات الوجود»، مشدداً على أننا «بلد يصدّر مطاعم إلى كل العالم وبهويات مختلفة وبمستويات عالية تضاهي المطاعم العالمية».

سامي العيراني

نشاطات لتحريك الأسواق

على ضفة المؤسسات التجارية فالتوقعات أقل تفاؤلاً لكن الجهود المبذولة لجذب المغتربين والسياح كبيرة. إذ يشرح رئيس نقابة تجار جونية وكسروان سامي العيراني لـ»نداء الوطن» أن «التحضير لموسم الاعياد بدأ من أول كانون الاول، لكنه فعلياً لن يبدأ قبل منتصف الشهر، مع عودة المغتربين وتقاضي الموظفين لرواتبهم قبل عيد الميلاد». لافتاً إلى أنه «بالمقارنة مع العام الماضي، فإن قدرة المواطنين المقيمين على التسوق في تراجع مستمر بسبب الانهيار، لكنهم كتجار جونية وكسروان تحضروا للموسم وأطلقوا مجموعة حوافز للتجار والمستهلكين معاً، ولا سيما قبل الايام الاخيرة من الاعياد وبالشراكة مع بلدية جونية، وهذا سيتبلور من خلال نشاطات ترفيهية في الاسواق لجذب المستهلكين، وخاصة المغتربين المتوقع حضورهم بأعداد كبيرة، والرهان عليهم بتنشيط أسواقنا».

ويختم: «لا يمكن المقارنة مع فصل الصيف من حيث المردود الاقتصادي، والمطلوب هو هدوء سياسي وأمني، كي تمر هذه الفترة بسلام».

الأرقام ليست دقيقة

على ضفة الخبراء الاقتصاديين، يشرح رئيس مركز الابحاث في بنك بيبلوس نسيب غبريل لـ»نداء الوطن»، أنه «يمكن التعويل على موسم الاعياد القادم لتحسين الحركة الاستهلاكية في البلاد. لكن ليس بنفس الحجم والمردود على غرار موسم الاصطياف الذي امتد إلى 3 شهور. في حين أن موسم الاعياد لا يزيد عن أسبوعين»، لافتاً إلى أن «هذا يعني من الناحية الاقتصادية، أن هناك زيادة في الحركة في قطاعات معينة وليس في كل القطاعات. أي المطاعم والمؤسسات السياحية وأماكن السهر ومراكز التزلج، ومراكز التسوق (بنسبة معينة) ومكاتب تأجير السيارات».

ويلفت إلى أن «إشغال الفنادق يعتمد على السياح الأجانب والعرب، لأن المغتربين اللبنانيين لديهم منازلهم في لبنان. والمناطق الأكثر إزدهاراً ستكون مناطق التزلج. والتصريحات التي تطلق عن الارباح والاموال المتوقع ربحها من الموسم ليست واقعية، وهذا ينطبق أيضاً على الارقام في موسم الاصطياف، والذي حكي أنه دخل على لبنان نحو 4 مليارات دولار».

يضيف: «برأيي هذه أرقام غير دقيقة، خلال الاعياد سيزيد الاستهلاك صحيح، لكن المغتربين حين يزورون لبنان، يحاولون إستخدام جزء من ودائعهم في المصارف، عبر سحبها وفقاً لما نصت عليه التعاميم، او يعمدون إلى بيع شيكات.هذا ما حصل في الصيف الماضي، لأنه إلى الآن لم يتم إيجاد حل لمشكلة الودائع، بالاضافة إلى أموال أخرى يأتون بها من عملهم في الخارج»، مشيراً إلى أن «هذا يعني أن جزءاً من نفقات المغتربين في لبنان تأتي من الودائع الموجودة. صحيح أنه سيكون هناك دولارات وافدة، لكن ليس بالارقام التي يتم تداولها، بالاضافة إلى أن مداخيل المغتربين في الخارج، تأثرت بفعل التضخم الحاصل عالمياً».

زهير عيتاني

عيتاني: في شارع الحمرا… غابت الزينة وحلّ الانقباض

في شارع الحمرا التوقعات أكثر تواضعاً، بحسب تعبير رئيس جمعية تجار الحمرا زهير عيتاني لـ»نداء الوطن»، إذ يقول: «الى الآن لا عيد ولا مؤشرات إحتفالات، لدرجة أننا كجمعية لم نعمد إلى تزيين الشارع بسبب إنقطاع الكهرباء.

ومن يزور الحمرا ليلاً يشعر بالإنقباض بسبب شوارعها المطفأة، وهذا الامر لم نعشه قبلاً، حيث كان شارع الحمرا يضاهي شوارع باريس في مواسم الاعياد، سواء من حيث الزينة أو الرواد والزبائن».

يضيف: «خلال الصيف الماضي تحرك السوق قليلاً، لأن أغلب زبائننا كانوا من السياح العراقيين والاردنيين. ومن المفروض أن يتحرك الموسم الحالي إبتداء من 20 الشهر. ونحن نعول على المغتربين والعراقيين، في ظل غياب كامل للدولة على كل الاصعدة».

المصدر
نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى