مقالات

مأزق الحزب في أيّ اتّجاه؟

صدرت ردود فعل وإدانات متعدّدة من مجموعة من الدول العربية وعلى نحو لافت جنباً الى جنب مع الدول الغربية لمقتل الجندي الايرلندي شون روني في الجنوب.

ردود الفعل هذه تظهر أن عملية التصدّي لعناصر الكتيبة الإيرلندية الذين سلكوا طريقاً غير الطريق المفترضة تتخطى إطار الحادث الفردي أو العرضي وهو أمر غير مقبول إذ يجري تناقل روايات تظهر عملية قتل مباشرة ومتعمّدة وهو ما ينذر بتفاعلات كبيرة ولا سيما أن وزير الدفاع الإيرلندي لم يظهر أي تهاون إزاء رواية الحزب عن حادث عرضي وغير مقصود، وهو أمر يُفترض أنه مبنيّ على المعطيات التي توافرت له وتسمح له بتبنّي هذا الموقف. ما حصل لم يكن بالغ الخطورة فقط بحسب مصادر سياسية بل هو وفر ورقة للدول الرافضة للاستسلام لشروط الحزب من أجل إطلاق سراح الرئاسة الأولى بأن الامر قد يكون توجيهاً للرسائل وخاضعاً للابتزاز. ما يحصل في رميش والذي أثار سخط بكركي ومسؤولين مسيحيين يكاد ينسف نظرية الحادث العرضي لكي يدرج ما يحصل من ضمن آلية تأتي منسجمة ومتكاملة مع المنطق الذي يفيد بأن لا دولة لا في المناطق الخارجة على مناطق سيطرة أو وجود القوة الدولية كما لا دولة لبنانية في رميش أيضاً وتالياً في الجنوب ككل، والبعض يضيف لا دولة في لبنان أيضاً.

هل هي دعوة للتفاوض استناداً الى مأزق يجد الحزب نفسه فيه فيما لا تجاوب مع حملاته على الدعوات الى التوافق والحوار وعلى ضوء علاقته التي اهتزت مع حليفه الوحيد خارج علاقته مع الثنائي الشيعي أي التيار العوني، وعلى خلفية وضع إيراني صعب يهدّد بارتدادات كبيرة على نفوذ إيران في المنطقة والبعض يقول على نفوذ الحزب في لبنان من ضمن بيئته المباشرة إذا استمرت الاحتجاجات والعجز عن مواجهتها؟ يسأل البعض: هل الأمر هو في الاتجاه المعاكس أي السعي الى استمرار القدرة على فرض النفوذ وعدم تغيير الواقع أو القبول بتغييره بناءً على جملة المؤشرات السابقة؟ إذ يعتقد مراقبون أن هناك مكابرة إزاء الإقرار بأن التعطيل لن يؤتي ثماره كما في السابق حيث استطاع الحزب فرض انتخاب العماد ميشال عون فيما يتبيّن أكثر فأكثر أولاً أن الفراغ في السلطة التنفيذية لا فحسب في الرئاسة الأولى لم يعد سلاحاً سياسياً ضد الآخرين بل إن ولاية عون وممارسته الحكم عزّزتا الاقتناع بأن الفراغ قد يكون أفضل من قرارات سيّئة تُتّخذ أو يُخضَع لها أو جهنم يُدفع إليها البلد. وثانياً وتالياً إن البيئة الشيعية ليست منفصلة عن البيئات الطائفية أو المجتمعية الأخرى في معاناتها المخيفة من تدهور الأوضاع. ما قد يجعل الوضع مخيفاً ليس ترجمة أو انسجاماً مع ما يجري في إيران بل مع ما سبق للبنانيين جميعهم أن انتفضوا على الاحزاب والزعماء السياسيين ومن بينهم البيئة الشيعية في الجنوب والبقاع. ويضعف نفوذ الحزب وأوراقه التفاوضية كذلك تمرّد حليفه المسيحي عليه وعلى خياراته الرئاسية المحتملة بغضّ النظر عن الاعتبارات التي تحدوه الى ذلك وإن كانت مفتعلة من أجل كسب شعبية مسيحية (علماً بأن ذلك يشير الى مشكلة للحزب لدى المسيحيين) أو من أجل تبرير انقلاب مسرحي ومتفق عليه بين الطرفين أو حقيقي على الحزب نتيجة فقدان التيار الحظوظ باستكمال ولاية رئاسية ثانية أو حتى ضمان من الحزب لضمانات لاحقة للتيار على غرار تلك التي يقول الأخير إنه أعطاها له في موضوع عدم اجتماع حكومة تصريف الأعمال. ولكن يقول مراقبون إن التيار يأمل مكاسب خارجية واستعادة بعض الاعتبار من خلال إفقاد الحزب قوة ورقته الرئاسية التي لا يستطيع التفاوض في شأنها مع الآخرين ولا طبعاً فرضها.

هل أراد الحزب توجيه رسائل خارجية أبعد من الحرتقات الداخلية التي على اهميتها في الموضوع الرئاسي فإنها لا تخرج عن إطار المناورات التي يمكن أن تخلط الأوراق مرحلياً في موضوع الاستحقاقات الدستورية؟ إذ إن هذه المناورات شملت سابقاً إتاحة عقد اتفاقات وتفاهمات مع القوى السياسية كتيار المستقبل وحزب “القوات اللبنانية” من أجل ضمان إيصال عون وكان الأمر متاحاً لوعود وضمانات تحقيقاً لهذا الهدف. واللعبة نفسها تمارس راهناً لجهة التساهل إزاء خلط للأوراق يمكن أن يعزز مواقع أو يحسن حظوظاً ما للرئاسة.
إلا أن الجواب عمّا إن كانت ثمة رسالة خارجية، فإن البعض يعتقد ذلك بقوة في انتظار أن تتوضح بعض الأمور قريباً.

وما يعزز ضوابط اللعبة أقله في المشهد الأكبر جملة عناصر من بينها على سبيل المثال لا الحصر وصول طائرات هليكوبتر أميركية الى الجيش اللبناني على نحو لا يشي بأي متغيّر في المقاربة الأميركية تجاه لبنان. وهي نقطة لافتة لاستمرار الاستثمار الاميركي في الجيش اللبناني ليس في خضم الانطباعات اللبنانية بأن لبنان ينحدر أو ينزلق الى انهيار أكبر فحسب، بل أيضاً مع مساعدات بريطانية للجيش تسهم في الإيحاء بأن البلد غير متروك مهما تكن الاعتبارات، والأمل غير مفقود بإنجاز استحقاقاته الدستورية في نهاية الأمر. وهذا مهم لأن المخاوف لا تزال كبيرة لدى كثر ومن بينها بكركي مثلاً أن كل التعطيل وانهيار البلد يرميان الى تغيير جذري يرغب فيه البعض. لكن هذا لم يعد على الطاولة كما كان مطروحاً منذ بعض الوقت من دون نفي إمكان التغييرات التي حملها انهيار المؤسسات اللبنانية والهجرة الشبابية وفقدان الناس جنى أعمارهم.

روزانا بومنصف-النهار

المصدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى