كتبت غادة حلاوي:
لم يعد بالإمكان إحصاء عدد المشاكل المتنقلة والجرائم التي تستهدف المواطنين اللبنانيين في قراهم ومنازلهم الآمنة والتي يرتكبها نازحون سوريون مقيمون على الأراضي اللبنانية. في المقابل لا تزال المنظمات الدولية تغض الطرف عن معاناة لبنان المتكررة جراء أعداد هؤلاء المتزايدة وتتعاطى كأنّ وجودهم غير موقت. وجراء هذا الواقع سيرفع لبنان «البطاقة الحمراء» في وجه المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي يصل الى لبنان اليوم للقاء رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب.
وفيما يشكل ملف النازحين الهدف الرئيس للزيارة، فليس معلوماً بعد ما هي «الإملاءات» الجديدة التي سيحملها الموفد الدولي وطريقة العمل التي سيقترحها مجدداً وما إذا كان سيتدخل هذه المرة بتحديد الجهات المعنية بمتابعة الملف في لبنان خصوصاً في ضوء التحفظ الذي سبق وعبّرت عنه جهات دولية معنية بالنازحين إزاء التعاون مع جهات رسمية معينة. فضلاً عن ذلك لم تحرك المفوضية ساكناً بعد المذكرة التي تلقتها من الحكومة اللبنانية بما يتعلق بتطوير التعاون بشأن ملف النازحين فأبقت الحال على ما هي عليه لناحية التفرد بالقرارات ولم تقدم للبنان ما يساعده على معرفة أعدادهم الواقعية.
اذ منذ نحو أربعة أشهر تقدمت الحكومة اللبنانية بمذكرة من 15 بنداً تتضمن مقترحات لتطوير التعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في لبنان وسلمتها إلى ممثل مكتب المفوضية في لبنان أياكي إيتو وأبلغها الى المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي الذي أبدى موافقة المفوضية على كامل البنود واستعدادها للتعاون بشأنها. ولغاية اليوم لم تحرك المفوضية ساكناً بخصوص بنود الخطة الموضوعة في عهدتها ما أثار استياء الجهات الرسمية المعنية في لبنان والتي تتهم المفوضية السامية للاجئين ومنظمة الأغذية العالمية بعدم التعاون والتفرّد في القرارات والعمل على دعم وجود النازحين متجاوزة الصعوبات التي يعانيها لبنان بسببهم.
وفي اتصال مع «نداء الوطن»، يشير بو حبيب إلى أنّ لبنان لم يزل ينتظر خطوات المفوضية بهذا الشأن وهو سيثير الموضوع مع مسؤول المفوضية. وزير الخارجية العائد من إسبانيا لمس تفهماً دولياً لمعاناة لبنان من أزمة النازحين السوريين، واستغرب كيف أنّ ملف النازحين لا يحتل صدارة البحث بالنظر الى الأعباء المترتبة على وجود النازحين على الأراضي اللبنانية «ما يضاعف مشاكل بلد غير مهيأ لإستضافة ما يقارب المليوني نسمة ويتشارك معهم بناه التحتية وخدماته التي بالكاد تسد حاجات مواطنيه، وهم معفيون بطبيعة الحال من دفع الضرائب أو بدل خدمات أو رسوم الإقامة».
وأثار بو حبيب مع الدول الغربية مسألة بالغة الحساسية وهي التنوع الإسلامي المسيحي والمساواة بين الديانتين التي يحفظها القانون في لبنان خلافاً لغيره من الدول و»هي من الأسباب التي دفعت البابا بولس الثاني إلى القول إن لبنان بلد الرسالة، فإذا فشل التعايش الإسلامي المسيحي فيه فقد عنصر تمايزه ولذا فإن هذا البلد الصغير معرض ليفقد هذا التمايز بسبب عنصر دخيل عليه يهدد وجوده وقد مضى على وجود النازحين سنوات طويلة فيما تصرّ الدول المانحة على ربط عودتهم بالحل السياسي وترفض خوض حوار مع الدولة السورية بشأن عودتهم».
ولا شك أنّ جود هؤلاء في لبنان سببه المساعدات التي يتلقونها من الدول المانحة بواسطة مؤسسات أممية ولا سيما المفوضية السامية للاجئين ومنظمة الأغذية العالمية، والتي تشكو المؤسسات المعنية من طريقة تعاطيها التي تنعكس سلباً على موضوع النازحيين إن لناحية عملها من خلال مؤسسات NGOS على حساب مؤسسات الدولة أو التعاقد مع عشرات الشباب بموجب عقود عمل موقتة.
ومن خلال تعاطيها يلمس المسؤولون في لبنان الأسلوب الليبرالي لمفوضية الشؤون بالنسبة لما يجب أن يكون عليه وضع النازحين، أي أنهم يريدون التحكم بقواعد اللعبة بعيداً عن المؤسسات اللبنانية المعنية وهو ما يؤكد عليه بو حبيب مستغرباً كيف أنّ «المنظمة الدولية المعنية لا تزال ترفض تسليم لوائح بأسماء النازحين وأعدادهم والمبالغ المرصودة لهم وآلية صرفها ومشاركة لبنان أعباء استضافتهم بدل الإكتفاء بشكره».
وبينما تتحدث هذه المنظمات عن تقديرات أمنية في حوزتها، تؤكد وجود خطر على عودتهم فإنّها ترفض تسليم لبنان ما يثبت ذلك وكيفية الحكم مسبقاً طالما لا تواصل مع النظام، خاصة و»أنّ هناك آلاف النازحين الذي يغادرون ذهاباً وإياباً عبر الحدود بين لبنان وسوريا يومياً فكيف يمكن التحقق ما اذا كانوا لاجئين وكيف دخلوا البلاد وعادوا منها إن كانوا فعلاً مطلوبين من النظام». يتخوف وزير الخارجية من كرة نار متدحرجة في ظل تفاقم الحساسيات بين النازحين واللبنانيين وكيف أن المؤسسات الأممية ترهن عودتهم الى بلادهم بالحل السياسي مبدياً خشيته من أن نكون أمام تكرار لمأساة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان؟