مقابلات

عبر شطرنج مع محمد صابونجي: قريباً… تعديل لقانون الأحوال الشخصية بمبادرة من رئيس المحكمة الشرعية السنية؟!

شكّل أحد الملفات القضائية الشرعية ذروة الاحتدام بالسؤال عما إذا كان الزواج المدني حلال أم حرام بالنسبة للمحكمة الشرعية السنية، وذلك بعد أن تم تدوين طلاق بالارتكاز على عقد مدني، لزوجين كانا قد تزوجا في قبرص منذ 11 عاماً.
وبعد أن انتشر تسجيل صوتي لأحد قضاة الشرع في بيروت وهو يقول ما بحرفيته أن “لا مشكلة مع الزواج المدني إلا أن المرفوض هو قانون مدني للأحوال الشخصية”، استضاف الإعلامي محمد صابونجي المتحدث باسم المحكمة الشرعية السنية فضيلة الشيخ القاضي همام الشعار في برنامج “شطرنج” على منصة SPI ليوضًح التباسات الموضوع وكانت حلقة حوارية قانونية-شرعية تحت عنوان “الزواج المدني حلال أم حرام” جمعته بالصحافية مريم مجدولين اللحام بمداخلة من المحامية ديالا شحادة .

في خضم الحلقة الحوارية حدد فضيلة القاضي الشعّار الفرق بين المصطلحات قائلاً: “القاعدة الأولى وقبل الجواب علينا أن نحدد المصطلحات، أي ماذا نقصد بالزواج المدني أو الحكم المدني أو الدولة المدنية، أحيانا ما يُستخدم مصطلح المدني بإطلاقه ضد العسكري، فعندما يقال ضد المحاكم غير المدنية، يُقصد المحاكم العسكرية، وأحياناً يُقصد بالمدني ما هو ضد الشرعي وأحياناً يُقصد بالمدني من جهة القاضي، وصفته كمطلق للحكم، أي ما إذا كان قاضٍ يتبع سلك ديني وشيخ معمم أو قاضي مدني لم يدرس الدين بل القانون ويطبق قانون شريعة اسلامية في سوريا مثلا، حيث يحكم القاضي المدني ارتكازاً على المواد الشرعية” ليتابع ويشرح أن من يرفض الزواج الديني، لا يرفض الشيخ بطبيعة الحال بل يرفضون قانون أحوال شخصية ذو مرجعية دينية ويريدونه الا يستند على النصوص الدينية ومن أهم مواصفاته أن لا يفرق بين المواطنين على أساس التنوع الطائفي والجندر ولا دخل له بالدين من حيث الأحكام الشرعية ومفاعيل عقد الزواج”
إلا أن الزواج المدني يختلف مثلا في تركيا، فهو غير مبني على الشريعة الاسلامية، فهو كما في تونس، يتم العودة فيه إلى القانون البرلماني وليس الشريعة.”

ومن ثم تطرق الشعار إلى النواب العلمانيين فكشف للإعلامي محمد صابونجي أنهم في غاية الانفتاح عليهم وأنه “ضمن جلسات مع هؤلاء النواب العلمانيين قلنا أننا مستعدون لمساعدتهم الخروج من حالة النفاق وطرحنا تأسيس طائفة علمانية تُشرّع فيها جمعية كفى لهم ما أرادوا وتعبدون ما تريدون وتدخلون إلى جهنم التي تريدونها وتأتون بشخص مدني يُصلي عليكم لا أعلم لمن، إلا أنهم في كل مرة يصرون على البقاء تحت غطاء الشريعة وفرض أجندتهم الخارجة عن الشرع وأن يكون التغيير بنسف الطوائف، ويرفضون إقامة طائفة علمانية خاصة بهم مع انه يكون لهم حق التشريع في حال تم فصلهم كطائفة بحد ذاتهم”

ورداً على أسئلة المحاور الإعلامي محمد صابونجي في انعكاس خيارات القضاة الشرعيين على المتنازعين ذكّر القاضي الشيخ همام الشعار بحديث نبوي شريف إذ قال رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ، وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: رَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ، فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ، وَجَارَ فِي الْحُكْمِ، فَهُوَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ، فَقَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ، فَهُوَ فِي النَّارِ. رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ”.
هذا وقد تطرّقت الصحافية مريم مجدولين اللحام إلى أنه “غنيّ عن القول ضرورة الثناء على مبدأ الحوار الذي يطرحه برنامج شطرنج مع محمد صابونجي اليوم بين رئاسة المحاكم للشرعية في لبنان وصحافية تطرح أسئلة استقصائية مبنية على ملف تتابعه مع المحكمة الشرعية، لأنه على الأقل قد يُصلح جسرا شبه مقطوع بين المرجعية والمواطن الذي يبدو أنه قد فقد الثقة في إمكانية إيصال صوته إلى المفتي، من دون حاجةٍ إسكاته تحت مسمى انها تنطلق من هجوم أو “نشر للغسيل” إنما العكس صحيح فالاصلاح حق، والسكوت عن الحق شيطنة ورفض لغة التهويل هو في أساس عملنا الاستقصائي”.
وأوضحت أنه في القضية التي تحملها “زواج مدني، وبالتالي لا تعترف المحكمة الشرعية بعقده، وبالتالي إذا تم الارتكاز عليه لأي تعليل كالإعتراف بالأطفال وبالتالي فسخة، على المحكمة أن تثبته قبل فسخه، وأنه من غير المفهوم فسخ عقد زواج تعتبره المحكمة مشوب بعيوب قبل تصحيحه وشرعنته بدعوى اثبات شرعي كونه يستند الى قانون مدني فاسد من وجهة نظر شرعية.” ثم كشفت أنه وفي ظل وجود دعوى اثبات زواج لم يصدر بعد فيها حكم مبرم بل حكم ابتدائي رفض التثبيت، وعليه قبل إعطاء صيغة شرعية للزواج، تم تدوين طلاق!”
ثم سألت القاضي الشعار قائلة “حضرة الشيخ همام قامة قضائية معروفة بالعدل والحكمة، ولا شك أنه على دراية تامة أن القانون ينص بخضوع الزواج المعقود مدنيا في بلد اجنبي الى قوانين هذا البلد الاجنبي من حيث الشكل ومن حيث الاساس بخاصة اذا كان نظام الاحوال الشخصية التابع له الزوج (أي المحكمة الشرعية السنية) لا تقبل بشكل الزواج ولا بمفاعيله الناتجة عن القانون المحتفل بالزواج وفقا له. لذلك، وبمجرد ما أن ترفض المحكمة الشرعية السنية القبول بالزواج المدني جملة وتفصيلاً، يكون تدوين احد طرفي النزاع أي طلاق هو باطل وبدون اية قيمة قانونية لانه يخالف احكام القانون المدني الأساسي الالزامية الذي ترأس زواجهما والذي لن يعترف بأي طلاق لم يُدوّن بالطريقة الأساسية. وفي هذه القضية تحديداً كان الملفت جدا لي فضيلة الشيخ أن محامي الخصم، قد استعجل أمر تدوين الطلاق الديني ليعود ويمرره إلى القاضية المدنية كونه يعلم تماماً أن إلتفافه الى الشرعية وتفاصيل تدوين طلاقه هذا سيعود لتنظر فيه محكمة التمييز.”

وأكملت “اليوم التدوين هو ليس فعلياً طلاق، هو مجرد تدوين، أي حتى لو أخذ التدوين لن يصدر للاستاذ محامي الخصم المجتهد وثيقة طلاق. فالتدوين لا يخرج عن كونه إقرار من الزوج أنه كمسلم يريد أن يُخرج زوجته من ذمة نكاحه باعتبار انه بارك الله بأصله مؤمن ومسلم وجُلّ همه تطبيق الشرع الا ان هذا لا يؤثر على حقيقة أنه ليس هناك من عقد زواج شرعي لوجود دعوى طلاق أمام المحكمة المختصة المدنية وعليه لا ينفذ الطلاق فالجانب الذي يخالف به الزواج المدني الشرع والعقيدة الإسلامية لا يتعلق فقط بإبرام العقد عند كاتب عدل أو موظف دولة، بل بمفاعيل الزواج المخالفة كلياً للشرع، كالميراث والعدّة والحضانة المنصوص عليه في القرآن الكريم، كما أنه مخالف لطبيعة إنهاء العلاقة الزوجية ولمن له الحق في ذلك”

تطرق القاضي الشعار في رده على قانون أصول المحاكمات الشرعية، المادة 18، التي تقول بإنه “لا يحق للمحاكم الشرعية النظر في أي دعوى عقد فيها عقد مدني وما ينتج عن عقد مدني، ما لم يكن أحد الزوجين لبنانيا” وأنه وبحسب المادة 79 من أصول المحاكمات المدنية في لبنان، “تختص المحاكم اللبنانية المدنية بالنظر في المنازعات الناشئة عن عقد الزواج الذي تم في بلد أجنبي بين لبنانيين أو بين لبناني وأجنبي بالشكل المدني المقرر في قانون ذلك البلد، وتراعى أحكام القوانين المتعلقة باختصاص المحاكم الشرعية والدرزية إذا كان كلا الزوجين من الطوائف المحمدية وأحدهما على الأقل لبنانياً”. بحيث ترتكز أي قضية لزواج مدني بين محمديين على “المراعاة” المنصوص عنها، ليتم التشكيك في صلاحية المحكمة المدنية البت بالقرار، الأمر الذي يعيد الاختصاص للمحاكم الشرعية.
وفي هذه الجزئية كان للمحامية ديالا شحادة مداخلة خالفت فيها القاضي الشيخ الشعار على أن كلمة مراعاة الواردة في المادة “فضفاضة، يعود تقديرها للقاضي المدني الناظر في الدعوى، وفي تفاصيل محددة كاحتساب سن الحضانة للأولاد مثلا”. ورأت المحامية شحادة أنه يتم إساءة تفسير المادة 79 في هذه القضية تحديدا، “لقد تأكدت من مصادري في المحكمة الشرعية نفسها، للإطلاع على المعمول به في هذا السياق، وأكدوا لي أن المعمول به في المحاكم الشرعية هو إبقاء الاختصاص للمحاكم المدنية في حالات مشابهة، لكن يبدو أن القاضي الناظر بالملف كان له تفسير خاص بناء على اجتهاد معين اعتمده”.

كما وقد سأل الصابونجي فضيلة القاضي “كقضاة شرع متى نصل إلى قانون شرعي موحد للحد من الاجتهادات المتضاربة”
أما من أبرز ما جاء في الحلقة من موقف ناري هو رسالة فضيلة الشيخ همام الشعار إلى كل المقدمين من المسلمين إلى الزواج المدني أنهم وبالعودة للقانون لن يستطيعوا الإفلات من اختصاص المحكمة الشرعية السنية بحيث وبمجرد أن يكونان محمديّان ويلجأ أحدهما للمحكمة الشرعية، يعود للمحكمة الشرعية السنية أن تتدخل اختصاصاً. وبالتالي لا مهرب من الأمر.
وأنه خلال الشهر سيصدر نسخة من أجل تعديل القانون المتعلق بالأحوال الشخصية لدى المحاكم الشرعية (وهو ما يحتاج اقتراح قانون لمجلس النواب) وقد صرّح القاضي الشيخ همام الشعار لـ”شطرنج مع محمد صابونجي” حرفياً أنه بعد شهر سيصدر “تجديد لقانون الاحوال الشخصية بحسب ما يقوم بتعديله وإصداره بحلته الجديدة رئيس المحكمة الشرعية السنية الحالي القاضي الشيخ محمد عساف”.

(ملخص عن حلقة شطرنج/ مع محمد صابونجي بتاريخ ١٧ تشرين الثاني ٢٠٢٢ضيف الحلقة : القاضي الشيخ همام الشعار عنوان الحلقة : الزواج المدني حلال أم حرام)

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى