محليمقالات

“حرب إلغاء” رئاسيّة من باسيل ضدّ فرنجية تُربك الحلفاء

جاء في “الراي” الكويتية:

طَغَتْ «قَرْقَعَةُ» ما بدا أنها «حرب إلغاءٍ» رئاسية يشنّها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل ضدّ المرشّح غير المعلَن لـ «حزب الله» رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية، على الأسبوع الثالث من الشغور الرئاسي المحكوم حتى الساعة بمناوراتٍ و«أفخاخ» داخل «المعسكر الواحد» كما بين «شطريْ» الانقسامِ السياسي (الموالاة والمعارضة) اللذين يديران هذا الاستحقاق بخلفياتِ كل الصراع الذي انفجر في لبنان و«به» منذ العام 2005 وحتى اليوم.

وجاء التركيزُ «العالي الدقة» على اندفاعةِ باسيل بوجه فرنجية وتشظياتها التي أصابتْ شريكَ «حزب الله» في الثنائية الشيعية رئيس البرلمان نبيه بري، عبر ارتكازِ حيثيات رفْضه وصول زعيم «المردة» إلى قصر بعبدا، على منْع تكرار «ترويكا» التسعينات الرئاسية، ليعكس بُعديْن في «انتفاضة» رئيس التيار الحر:

  • الأول تسليمٌ من غالبية الأطراف في الداخل، ولو في «لا وعي» بعضهم، بأن القفلَ والمفتاح في الملف الرئاسي يبقى فريق الموالاة الذي يشكل «حزب الله» رافعتَه الرئيسية، وأن أي تفاهم داخل هذا الفريق على مرشح واحد سيكون كفيلاً بـ «جذْبِ» ما يكفي من أصوات لإكمال نصاب انتخابه، السياسي والعدَدي، في ضوء قدرة الحزب على «قوْلبة» أهدافه «النهائية» وتقديمها تارةً في شكلٍ مباشر وطوراً بما يوصل إليها ولو من «أبواب خلفية».
  • والثاني أن اعتمادَ باسيل «الأرض المحروقة» في العلاقة مع فرنجية – المرشح، يؤشر إلى حجم التعقيدات المتشابكة التي تعترض الانتخابات الرئاسية وإلى أن بلوغ تَفاهُمٍ، أولاً داخل كل ائتلاف سياسي ثم «عابِر» للاصطفافاتِ على جبهة الموالاة – المعارضة ما زال دونه مسار شائك من «عض الأصابع» وعدّ جلسات الـ لا انتخاب وربما «الكمائن»، وهو ما يدور على «مسرح عمليات» أوّله محلي وآخِره إقليمي – دولي لم تتبلور تقاطعاتُه بعد.

وإذ كان باسيل أكملَ في تصريحاتٍ من فرنسا (عاد منها الى بيروت) الهجومَ على فرنجية، على قاعدة أنه لا يصلح للرئاسة، ملمِّحاً لإمكان عودته عن قراره بعدم الترشح «إذ لن أقبل أن يكون لديّ رئيس سيئ، وفي هذه الحالة بالطبع سأترشّح»، موجهاً في الوقت نفسه رسالة إلى «حزب الله» مفادها «لا أتفق معه أنّ حماية المقاومة وسلاحها هو الهّم الوحيد الآن، لكنني أتفهم مخاوف الحزب وأتفهم بالمقابل مخاوف الطرف الآخر المناهض له»، لم يكن عابراً كشْفٌ «متعمَّد» لزيارةٍ سرية قام بها رئيس «التيار الحر» لبري قبل توجّهه إلى باريس ساعياً لعقد اتفاقٍ منفرد معه على شخصيةٍ للرئاسة يصار إلى ما يشبه تحويلها «أمراً واقعاً» على «حزب الله».

وسط هذه المناخات، علمت «الراي» ان «حزب الله»، الذي أبلغ إلى باسيل أنه سيمضي قدماً في دعم ترشيح فرنجية وتقديم أي تسهيلاتٍ من شأنها تعريض قاعدة التوافق على انتخابه، بَعَثَ إلى رئيس «التيار الحر» ما يكفي من إشاراتٍ لا لبْسَ فيها إلى أن الحزب الحريص على صون التحالف السياسي معه لن يدعم ترشّحه – أي باسيل – في أي حال من الأحوال.

وقالت أوساطٌ واسعة الاطلاع لـ «الراي»، إن «حزب الله» الشديد الانزعاج من تَعَمُّدِ باسيل تسريب ما يوحي بأنها مضامين الحوار مع قيادة الحزب، يرى أن اندفاعةَ رئيس «التيار الحر» وهجماته العشوائية مردُّها إلى رغبته غير المكتومة بتهيئة الظروف لترشُّحه إلى الرئاسة، مع ما يفترضه ذلك من إطالة أمد الشغور والعمل على إبعاد مَن هم الأوفر حظاً.

ورأت أن محاولةَ باسيل إحراج «حزب الله» لن تُجْدي. ففي محاولته الهروب إلى الأمام، بدا وكأنه يجازف بـ «خطوط الرجعة»، وتالياً فإن لقاءه السري بالرئيس بري – حليف «البيت الواحد» مع «حزب الله» – وتسريباته المتعمَّدة من باريس أفضتْ إلى تَفاهُمٍ بين بري والحزب على «لا» حاسمة لباسيل في ترشُّحه المفترَض للرئاسة.

وكشفتْ دوائر لصيقة بملف الإنتخابات الرئاسية أنه غداة تسريباتِ باسيل وتصريحاته من العاصمة الفرنسية قرّر داعمو فرنجية السير بخطواتٍ عدة أهمها:

  • الانفتاحُ على إرساء معادلةِ فرنجية رئيساً للجمهورية والقاضي نواف سلام، أو شخصية أخرى مِن الاصطفاف نفسه، رئيساً للحكومة على النحو الذي من شأنه تحقيق تَوافُقٍ لبناني – خارجي على إنجاز الإستحقاق.
  • السعي، من خلال دورٍ يضطلع به بري، إلى سبر أغوار الموقف الخليجي من الانتخابات الرئاسية، وهو الموقف الأقرب إلى «إعلان مبادئ»، وكأنه يُراد استدراج العواصم العربية ولا سيما الخليجية للانخراط في لعبة المساومات الداخلية وبازار الأسماء خدمةً لهذا المرشح أو ذاك.
  • نصائح ربما بلغت مسامع فرنجية بفتْح قنوات الاتصال بحزب «القوات اللبنانية» لضمان مشاركة تكتله النيابي في أي جلسةِ انتخابٍ يمكن أن يُكتب فيها الحظ لزعيم «تيار المردة»، أقلّه عبر التصويت بورقة بيضاء ما يُسْقِطُ ذريعةَ «المقاطعة المسيحية» لجلسة انتخاب فرنجية.

وأبلغت هذه الدوائر، «الراي»، ان «حزب الله» الذي يدعم ترشُّح فرنجية من الخلف، مُنْفَتِحٌ على التوافق على أي اسم آخَر يمكن أن يحظى بمروحة واسعة من التأييد الداخلي والدعم الخارجي الدولي والعربي، فهو يرغب بتأمين مناخٍ يتيح انخراطاً دولياً – خليجياً في عمليةِ النهوض بلبنان، بعدما خلص إلى الاطمئنان لنفوذه الراسخ، وإلى الاقتناع أن ما من أحد يحمي سلاحَه إلا… سلاحه.

في هذا الوقت، استوقف أوساطاً سياسية، تكثيف باريس تَواصُلها القيادي مع السعودية متابعةً للملف اللبناني، وفي إطار محاولةِ تأمين ظروفٍ مؤاتية لإتمام الاستحقاق الرئاسي بما يضمن أن يشكّل قفزةً في واقع «بلاد الأرز» يسرّع خروجها من الحفرة المالية السحيقة لا أن يكون تمديداً للأزمة ذات «الجذور» السياسية المتصلة بالتموْضع الاستراتيجي لبيروت وأدوار «حزب الله» في الاقليم.

وفي هذا الإطار، التقى الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في بانكوك، ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، حيث «بحث الجانبان الوضع في لبنان والحرب في أوكرانيا».

وبحسب الرئاسة الفرنسية، دعا ماكرون الى «انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان في أقرب وقت»، هو الذي كان توافق مع محمد بن سلمان، خلال اتصال هاتفي قبل أسبوع، على «تعزيز تعاونهما لتلبية الحاجات الإنسانية للبنان».

وعلى مشارف دخول الشغور الرئاسي أسبوعه الرابع، تتزايد المخاوفُ الأمنية ولا سيما في ضوء إعلان وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال بسام مولوي أنّه «تم اكتشاف 8 خلايا إرهابية، كانت تخطط لعمليات على الأراضي اللبنانية كافة»، مشيراً عبر قناة «الحدث» إلى أنه «يجب أن نكون حذرين من عودة العمليات الإرهابية»، ومؤكداً ان «لا دلالات على اغتيالات وأن أجهزتنا الأمنية لديها الوعي الكافي رغم ظروفنا».

المصدر
الراي الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى