محلي

حبيب أفرام: علينا أن نخترع أملاً ورجاءً لنبقى

ألقى أمين الإعلام كاري صليبا كلمة رئيس الرابطة السريانية حبيب أفرام في مؤتمر”مستقبل الحضور المسيحي في المشرق” – تشرين الثاني 2022 جاء فيها:

علينا أن نخترع أملاً ورجاءً لنبقى
” الحرية لا تتعلق بفعل ما نرغب ولكن بالحصول على الحق بفعل ما يجب فعله ” البابا يوحنا بولس الثاني.

أن يسكنك هذا الهمّ، وتلتهم أعصابك هذه القضية وتحياها،هل مات مسيحيو الشرق؟ هل إنتهوا؟ هل ينتظرون؟ هل يتلذذون بحكايات الأمس والتاريخ؟ هل يستمرون في زواريبهم و خلافاتهم؟ هل صاروا “دبب الباندا ” على وشك الإنقراض؟ هل يدغدغهم شعورٌ بأنهم معدّون للذبح أم للتهجير أو للتصدير الى غرب ينتظر ؟ ما أصعب أن تكون أنت الضحية والراوي؟

يسألني البعض بعد كل هذه المؤتمرات و الندوات و البيانات والصرخات الى أين؟
ماذا إستفدنا؟ وهم على حق. لسنا هنا في ” الفن للفن “، و”المؤتمرات للمؤتمرات” بل للتوعية والحوار.
وحين تكون الدعوة من الكنيسة السريانية الضاربة في جذور هذا الشرق، ومن حرص رَعوي أبوي على إستكشاف طريق، و بدعم من هنغاريا التي تشكّل نموذجاً فريداً في دعمها المباشر لمسيحيي الشرق واجب أن اقدم عصارة “خمرتي وخبرتي”.

أولاً – قبل أن نلوم و نتهم أحداً، و نتبرأ من مصيرنا، نحن، هذه الشعوب الشرقية المسيحية، بكل كنائسنا وطوائفنا ولغاتنا و تراثنا و تنوعنا، نحن مسؤولون عن يومنا وأمسنا وغدنا.
نحن في عقلنا وإرادتنا في وعينا، ماذا نريد؟ هل نؤمن حقاً و بعمق و بصراحة، أننا مؤتمنون على رسالة ودور وأننا شهود على حقيقة في هذا الشرق؟
أم أننا إستسهلنا الحياة في الغرب، مع سيارات الفولفو في ستوكهولم ، والبويك في ديترويت، والمرسيدس في ألمانيا، نفتخر بأننا بنينا 45 كنيسة في السويد، وأن إنتشارنا وصل إلى الأرجنتين؟
هل في بال كل منا جواز سفر جديد وهوية جديدة، نستميت للوصول اليها، شرعياً أم تهريباً؟ هل نحن مؤمنون بقضية و مستعدون لبذل كل غالِ و رخيص من أجلها؟ وهل تستحق أي قضية أن نبذل دماً لها؟

ثانياً – إذا كان بعد في قلوبنا نبض إيمان فماذا نفعل؟ مع الإعتراف بأن لكل بلد خصوصيته و تركيبته، وبأن أهله أدرى بشعابه، لكن هل يمكن أن نكون نحن أتباعاً ؟

هل يمكن أن نصبح “كردستانيين” او “حشداً شعبياً” أو “بعثيين” أو “قوميين عرب” أوحتى “أردوغانيين” حسب مصالحنا ومراكزنا.
من نحن وماذا نريد، هذا هو السؤال؟
مسيحيون مشرقيون نؤمن بالإنسان، بحريته بكرامته بمساواته، لا نطلب لنا إلاّ ما نطلبه لكل أبناء الشرق، أوطاناً تحترم التنوع والتعدد قومياً و إثنياً و لغوياً وقيمة كل مواطن.

ثالثاً – ليس بإمكاننا نحن أن نفرض حلولاً، نحن أصغر من ذلك في العدد وفي النفوذ وفي الجغرافيا وفي التحالفات، ولكننا قادرون على الشهادة، على الدعوة لشرق جديد، لعقل جديد .
إرادة العيش الحرّ الكريم، لكل مكونات الشرق، فلا مواطن درجة أولى ولا ذمّية، لا قهر ولا تعسّف ولا دكتاتورية، ولا قمع بل أنظمة ديموقراطية حرة، ولا إرهاب ولا تكفير ولا إقتلاع ولا تهجير ولا جهاد.
إنها دعوة لتغيير جوهري في العقل المشرقي، وهذا يحتاج الى جهود فكرية وإعلامية وسياسية وتربوية.

رابعاً – ليس مقبولاً بعد، أن يبقى الشرق هكذا،عائماً على خرافاته ، هل من المعقول أن تمرّ مراسلة لرئيس حكومة عراقية يصف فيها أبناء الرافدين و ميزوبوتاميا من الآشوريين والسريان و الكلدان ” بالجالية المسيحية “. من أين جاء بعلمه؟
هل من المعقول أن رئيس وزراء عراقي يقول أن ” ملحمة جلجامش” كُتبت في “صدر الإسلام” ؟ من يمحو التاريخ ؟
هل من المعقول أن هناك من يعتبر أن “سيفو” مجرد نزوح وليست مجازر أو ابادة ؟
نطعن أنفسنا و ذاكرتنا و الشهداء ؟؟
هل من المعقول أن يستمر تغييب المطرانين يوحنا إبراهيم و بولس اليازجي في لغز لا حلّ له، كأنهما المسيحية المشرقية المعلقة على صليب، لا يعودان “بطلين مكرميّن ” ولا يستشهدان ” قديسيَن”.

خامساً – وأتانا في آخر الأزمنة تيار التكفير والإلغاء والذبح، بتسمياته كلها داعش والقاعدة واخواتهم، يقتلعون كل مكوّن، يرفضون كل مختلف “ولو حتى من مذهبهم”، وكنا نحن من جديد الضحايا، في نينوى و الخابور، لم يعد يكفي أن يُقال داعش لا تمثلنا، إنه صراع حول هوية الإسلام و رموزه ووجهه، إنه تحدّ حضاري مذهل سيكتب غد المنطقة، إما الى مزيد من التشدد والغلو،أو الى إنفتاح، ونرى تسابقاً مذهلاً بين الخطين.

سادساً – صار من المعيب أن نتكلم عن دور الغرب والعالم الذي يسمي نفسه “حرّاً” فنحن لسنا على أجندته ولا من أولوياته، من هم هؤلاء المسيحيون المشرقيون في لعبة الأمم، هل يسيطرون على نفط؟ على أراض؟ كم سهامهم؟ وأين هم من مصالح إسرائيل؟
هكذا تتراوح نظرة الغرب الينا، إما فليغادروا و نرتاح من همهم، أو نسخّرهم في سياساتنا، هل هناك إيمان عميق بقيم حقوق كل إنسان وكل جماعة و حقها في الحرية والكرامة؟ أم أن برميل نفط أهم من حضارة شعب؟

ومع ذلك نحن لن نتردد في الصراخ أمام عقل الغرب، نحن هنا حاجة للتعدد أذا كان العيش المشترك مستحيلاً في الشرق، ونحن معاً منذ البدء، فكيف يكون ممكناً في الغرب.

سابعاً – ونحن هنا في قلب المتن في قلب جبل لبنان، يطيب لي ان نحلم بأن بعد، رغم حلاوة الروح، يمكن أن نقدم لبنان نموذجاً، صحيح أنه ضُرب في صميمه وإنهار برسالته بوهجه بإقتصاده، بنظامه بفساده، لكن يبقى لا بديل عنه، ونحن نؤمن بالرجاء بالأمل أنه الوطن الوحيد الذي يتشارك فيه المسيحيون والمسلمون في صناعة القرار الوطني، رغم علاّت الشراكة، ورغم إعتبار المواطنين درجات، ورغم محو الطوائف الصغرى، فإن الحريات -حتى الفوضى- تبقى ضمانة لواحة مختلفة .
أنا أدعو الى إختراع روح جديدة، إلى إعادة خلق ما نستحق أن نناضل من أجله، الى عقل جديد لا يتخلى عما صنع مجد وطن ولا أرواح الشهداء وتضحياتهم، لكنه ينظف من عفن النظام كل ما جعله عقيماً، انها دعوة الى النخب التي جربت و وصلت الى حد اليأس ، والى الجيل الطالع أن يثبت – رغم كل مشاكله – حتى لا نفقد وطناً.

أخيراً أحلم بشرق جديد، أناضل من أجله ، وحلٌ عادل للقضية الفلسطينية، دولتان لا “ابارتاييد” ولاشعب الله مختار، كلنا شعوب الله وأبناؤه، وعودة النازحين ولا توطين.
• جرأة إعتراف بكل المجازر و الإساءات من سيفو الى “سيميل” الى حلبجة الى كل غزو وكل إحتلال حتى ترتاح عظام في التراب.
• أنظمة ديمقراطية و جيوش أوطان لا حكّام، هذه قناعة عميقة وليس بدبابات أي إحتلال.
• مواطنة كاملة – كأن يكون مثلاً اوباما رئيساً في الولايات المتحدة، و ريشي سوناك من أصول هندية رئيس وزراء في بريطانيا العظمى، متى يُنتخب إبن الشرق على كفاءاته وعلومه و فكره دون هيمنة طرف أو دين او مذهب أو قومية!
• تقدم إقتصادي وإزدهار لوصُرف ربع ما أُنفق على السلاح و الإقتتال و الغدر في هذه المنطقة على شعوبها و طبابتهم و علومهم و عمرانهم لكانوا في نعيم الجنة الآن.

هكذا نقول لكل مشرقيّ، أنت هنا ملك، انت على أرضك التاريخية، أنت الأصل. أنت مسؤول عن غد نصنعه كلنا.
أقلّ من هذه الرؤية ، سنبقى ننزف ونُهجّر و نتذابح، فهل نخترع الرجاء والأمل، أم تقوى علينا جحافل الموت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى