الصحف

رفع سقوف الحدّ الأقصى: هل تقفل أبواب السراي؟

كتبت ملاك عقيل:

على بعد أيام قليلة من نهاية الولاية الرئاسية وفي ظلّ ترنّح المحاولة الأخيرة لإصدار مراسيم حكومة تتسلّم صلاحيات الرئاسة الأولى الآيلة حكماً إلى الشغور بعد 31 تشرين الأول، رَفع النائب جبران باسيل سقف التصعيد إلى ذروته من خلال تسريبه إلى وسائل إعلامية “صديقة” خطة بعبدا المفترضة التي ترتكز على إصدار رئيس الجمهورية قبل ساعات من مغادرته قصر بعبدا مرسوم قبول استقالة الحكومة أو الطلب من الوزراء المحسوبين على عون وباسيل مقاطعة جلسات السراي وكلّ الاجتماعات الوزارية في حال عدم تشكيل الحكومة.

يهدف هذا الهجوم الباسيليّ المضادّ إلى تكثيف الضغط لولادة حكومة في الساعات الأخيرة من نهاية الولاية الرئاسية بشروط “العهد الراحل” التي يقول قريبون من باسيل إنّها “ليست شروطاً بل هي تصدٍّ لاعتداء واضح على صلاحيّات الرئاسة الأولى ولانتهاك لوحدة المعايير، قد يُستكمَلان باعتداء آخر من خلال فرض تسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات رئاسة الجمهورية. هذا الأمر سيؤدّي إلى مشكل كبير وفوضى دستورية سيتحمّل المخرّبون مسؤوليّتها”.

لم تشوّش تهديدات باسيل وتصلّب ميقاتي على مسعى حزب الله والوسيط اللواء عباس إبراهيم المستمرّ في تذليل عقبات كثيرة لا تزال تقف حائلاً أمام ولادة الحكومة

لكنّ مصادر مطّلعة تجزم لـ “أساس” أنّ “ما يحصل عبارة عن “شانتاج” وضغط متبادل قد يبلغ مداه الأقصى في ربع الساعة الأخير بهدف تحسين الشروط لدى عون وميقاتي”. وتتخوّف المصادر من أن “تؤدّي هذه اللعبة الخطرة إلى تطيير كلّ المهل فنصل إلى المحظور، وهو ما سيحمّل القوى المعنيّة مسؤولية كبيرة”. مع ذلك، تتشكّك المصادر في “احتمال لجوء عون إلى إصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة لأنّ ذلك سيعني تجاوز كلّ الخطوط الحمر”.

تهديدات باسيل

ليست المرّة الأولى التي يلوّح فيها باسيل، ردّاً على ما يعتبره تعدّياً على صلاحيات رئيس الجمهورية وتطويقاً لأكبر كتلة نيابية مسيحية، بخيارات انقلابية تقلب الطاولة بوجه الرئيسين برّي وميقاتي.

فقد سبق لرئيس التيار الوطني الحر أن لجأ إلى خطة الهجوم نفسها في آب الماضي من خلال تسريب مقصود إلى الإعلام بالتوجّه إلى سحب التكليف من ميقاتي أو تشكيل رئيس الجمهورية حكومة أخرى، والتلويح باحتمال بقاء ميشال عون في القصر بعد انتهاء ولايته، و”هذا ما لا نريده أبداً”.

أتى الردّ الفوريّ يومذاك من جانب برّي الذي أكّد في خطاب تغييب الإمام موسى الصدر أنّ “العبث بالدستور والتمرّد عليه تلبيةً لمطامح مرشّحين هما أمران غير مسموحين، والاستسلام للإرادات الخبيثة التي تسعى إلى إسقاط البلد بالفراغ ليس مشروعاً”.

لم يكن جزءٌ من هذه الرسالة يستهدف سوى حزب الله الداعم شبه الوحيد الذي لا يزال يوفّر الغطاء لباسيل في مقاربته الحكومية والرئاسية.

أمّا الردّ الثاني فقد أتى من “أهل القصر” عبر تأكيد مستشار رئيس الجمهورية سليم جريصاتي في حديث إلى “أساس” أنّ “عون لن يبقى دقيقة واحدة في القصر، بناء على رغبته، وأن لا إمكانية لأن يسحب رئيس الجمهورية التكليف من الرئيس ميقاتي بقرار منفرد منه”، وحسمه في عدم شرعية تشكيل حكومة انتقالية، باعتبارها مسائل لم تعُد من صلاحيات رئيس الجمهورية بعد الطائف.

مسعى إبراهيم مستمرّ

لم تشوّش تهديدات باسيل وتصلّب ميقاتي على مسعى حزب الله والوسيط اللواء عباس إبراهيم المستمرّ في تذليل عقبات كثيرة لا تزال تقف حائلاً أمام ولادة الحكومة.

يقول مصدر متابع عن قرب لملفّ الحكومة لـ”أساس”: “ستُطفَأ محرّكات الوساطة يومَيْ السبت والأحد لرصد المدى الذي ستأخذه الشروط والشروط المضادّة”، محمّلاً طرفَيْ التأليف “مسؤولية مشتركة ومتساوية في العرقلة”، ومؤكّداً أنّه “بخلاف ما يتمّ التداول به من أسماء سيشملها التعديل الوزاري فإنّ باسيل لم يفصح حتى الآن عن لائحة الأسماء، حيث لا يزال التفاوض محصوراً بمعايير التغيير الوزاري وحجمه، مع إصرار باسيل على تسليم أسماء الوزراء المطروحين للتعيين في القصر الجمهوري أو تسليمها للوسيط اللواء إبراهيم”.

مصادر مطّلعة تجزم لـ “أساس” أنّ “ما يحصل عبارة عن “شانتاج” وضغط متبادل قد يبلغ مداه الأقصى في ربع الساعة الأخير بهدف تحسين الشروط لدى عون وميقاتي”

هل يتجاوب وزراء باسيل مع المقاطعة؟

فيما طُرحت تساؤلات عن مدى تجاوب بعض الوزراء مع طلب محتمل من باسيل بمقاطعتهم حكومة تصريف الأعمال في حال تسلّمها صلاحيات رئاسة الجمهورية، فإنّ الاجتماعات المتكرّرة لباسيل مع هؤلاء، والتي يغيب عنها أحياناً وزراء “مستهدفون” بالتعديل الوزاري كنجلا الرياشي وعبدالله بو حبيب وووليد نصار وهنري خوري، تشي بالاستعداد لمرحلة ما بعد 31 تشرين.

المادّة 54: وصفة للفوضى!

يستند قرار عون المحتمَل بإصدار مرسوم قبول استقالة الحكومة إلى المادة 54 من الدستور التي تنصّ على الآتي: “مقرّرات رئيس الجمهورية يجب أن يشترك معه في التوقيع عليها رئيس الحكومة والوزير أو الوزراء المختصون ما خلا مرسوم تسمية رئيس الحكومة ومرسوم قبول استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة. أمّا مرسوم إصدار القوانين فيشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة”.

تؤكّد معلومات “أساس” عدم توافق كلّ نواب التيار الوطني الحر على هذه الخطوة الرئاسية المحتملة التي ستفتح باب الجدل الدستوري والسياسي حولها.

من جهته، يوضح مصدر نيابي في تكتّل لبنان القوي أنّ: “كلّ الاحتمالات واردة في شأن ردّة فعل الرئيس عون في حال عدم تشكيل حكومة أصيلة قبل نهاية الولاية الرئاسية. لكنّ الحكومة أصلاً هي بحكم المستقيلة وتصرِّف الأعمال على هذا الأساس وفق الدستور وليس وفق مرسوم. فالدستور جعلها مستقيلة حكماً بعد إجراء الانتخابات النيابية بمعزل عن قبول مرسوم استقالة الحكومة”.

عمليّاً، دَرَج العُرف على أن يَصدر مرسوم قبول استقالة الحكومة دفعة واحدة مع مرسوم تسمية رئيس الحكومة، وهما مرسومان يوقّعهما رئيس الجمهورية منفرداً، فيما يشترك مع رئيس الحكومة في توقيع مرسوم تشكيل الحكومة.

لذلك تجزم مرجعية معنيّة بتأليف الحكومة أنّه “في ظلّ الواقع الراهن قد تقود الخطوة الرئاسية التصعيدية إلى فوضى دستورية”، مع العلم أنّ باسيل يستخدم هذا التعبير في سياق التحذير من تمادي ميقاتي في تعطيل تأليف الحكومة.

هل تقفل أبواب السراي؟

أمّا مسار الفوضى فيُترجم وفق الآتي: “في حال عدم انتخاب رئيس للجمهورية وتصدّي عون لواقع تسلّم حكومة تصريف الأعمال بإصدار مرسوم قبول الاستقالة، فإنّه بدءاً من 1 تشرين الثاني سيسقط تكليف ميقاتي حكماً بسبب غياب الشريك الدستوري في تأليف الحكومة. وسنكون أمام حالة عدم انعدام توازن دستوري لم يسبق لها مثيل في تاريخ الجمهورية قائمة على واقع عدم وجود رئيس جمهورية وعدم وجود حكومة بكلّ ما للكلمة من معنى. وربّما هذا المعنى الحقيقي للفوضى الدستورية. وبالتالي تقفل أبواب السراي ويعود ميقاتي مع 23 وزيراً إلى منازلهم، ولا يعود بالإمكان توقيع قصاصة ورق لها علاقة بصلاحيات السلطة التنفيذية”.

إقرأ أيضاً: مسخرة رئاسيّة: “الدكتاتور” بانتظار التوافق

بالمقابل، أكد مرجع دستوري آخر لـ”أساس” ميديا أنّ”تكليف ميقاتي تأليف الحكومة لا يسقط بانتهاء ولاية عون، بل يتعثر تشكيل الحكومة بانتظار إنتخاب رئيس جديد للجمهورية”.

وعلى سبيل الاستفاضة يجدر التساؤل في هذه الحال: هل يتمكّن ميقاتي من رئاسة وفد لبنان إلى القمّة العربية مطلع تشرين الثاني في الجزائر يرافقه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب غير المرغوب فيه باسيليّاً في الحكومة المقبلة؟!

لكن فريقاً سياسياً قانونياً آخر يجزم بأنّ صدور مرسوم قبول الاستقالة لا يغيّر من واقع أن الحكومة هي أصلاً تعتبر بحكم المستقيلة بحكم الدستور (بعد الانتخابات النيابية) وما حصل فعلياً هو قبول استقالتها بمرسوم، لكن بما لا يحجب عنها واقع تصريف الأعمال إلى حين تشكيل حكومة جديدة والاستمرار بمهامها بقوة استمرارية المؤسسات!

المصدر
أساس ميديا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى