محلي

المرتضى في تكريم دلال عباس: لا غريب بين الثقافتين الفارسية والعربية سوى شيطان هذا العصر

نؤكدَ أن الثقافةَ تهتم بأهلها وتقدم لهم المدد المعنوي

لفت وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال القاضي محمد وسام المرتضى إلى أنَ “الذي بين الثقافتين العربية والإيرانية، أبعدُ مدًى من المفهوم العاديِّ “للعلاقات”، ولا غريب بين الثقافتين الفارسية والعربية سوى شيطان هذا العصر المزروعة قرونُه الاحتلاليةُ والتدميريةُ في أرضِنا المقدسة”. 
 
كلام المرتضى جاء خلال تكريم الدكتورة دلال عباس في المكتبة الوطنية وتسليمها جائزة الفارابي العالمية لجهودها باحثة في الحضارة الإسلاميّة، وموثّقةً العلاقات الثقافيّة والأدبيّة العربيّة- الإيرانيّة، حول الكتب التي ألّفتها والتي ترجمتها، والمقالات التي كتبتها عن التأثّر والتأثير المتبادلَين بين العرب والإيرانيّين، وبين اللغة العربيّة واللغة الفارسيّة، بحضور المستشار الثقافي في السفارة الايراني السيد كميل باقر والمستشار السابق الدكتور عباس خامه يار وحشد من الفعاليات الثقافية والشخصيات الادبية.
 
وقال المرتضى: “ليس أعمقَ أثرًا في مسيرةِ الإنسانية من العلاقات الثقافية التي تنشأ بين الشعوب. فيها وحدها تتعمَّقُ القيمُ العليا، وتُرْفَعُ مفاهيمُ السلام والبناءِ والتنمية، ويُكتبُ السجلُّ الحقيقيَّ لقصّة الحضارة البشرية. غير أنَّ الذي بين الثقافتين العربية والإيرانية، أبعدُ مدًى من المفهوم العاديِّ “للعلاقات”. ذلك أنهما تنبعان من مصدرٍ واحدٍ، وتجريان في مسيلٍ واحد، وتنتهيان إلى مصبٍّ واحدٍ، كنهرٍ عظيمٍ كثيرةٍ أمواجُه، متشابهةٍ تشابُهَ الماءِ، لكنها تتدفَّقُ فرادى في تعانُقٍ لا انفصالَ فيه ولا اندماج. لقاءُ ثقافتين في فضاءٍ معرفيٍّ متماثل، كان له أن يضربَ جذورَه في أعماق الماضي، ويمتدَّ إلى اليوم غصونًا وارفاتٍ مثقلاتٍ بالثمار التي تنتظرُ القاطفين”.
 
 وأشار إلى المكرمة: “الدكتورة دلال عباس أحسنت القطاف كثيرًا. مدّتْ يمناها إلى مجاني الفارسية، ويُسراها إلى شجرِ العربية، وطعَّمَتْ هذه بطعومِ تلك، وتلكَ بطعومِ هذه، واستخرجت من الثمار أحمالًا جديدةً يانعة، فأبطلَتْ بما فعَلَتْ قولَ المتنبي في مغاني شِعْبِ بَوّان عن أنَّ “الفتى العربيَّ فيها غريبُ الوجهِ واليدِ واللّسانِ”. لقد ألغى قلمُها الغربةَ التي يريدُ بعضُ الناسِ أن يبسُطَها بين الثقافتين، وهتف بأعلى حبرِه: لا غريب بينهما سوى الشيطان… وتعرفون حتمًا من هو شيطانُ هذا العصر المزروعةُ قرونُه الاحتلاليةُ والتدميريةُ في أرضِنا”.

وتابع: “تحكي دلال عباس أنها تعرّفت باللغة الفارسية في أيام دراستِها الجامعية، وأُخِذَت بما كانت تقرأه من أشعار الشعراء الإيرانيين الكبار، وكان ذلك فاتحة عهدِها بالبحث في التراث الفارسي وارتباطه بتراثنا العربي والإسلامي. والحقيقة أنها أسهمت بنجاحٍ لافتٍ في تأصيل هذا الارتباط وإيضاح معالمه الفكرية والإيمانية عبر دراساتِها الأكاديمية وترجماتِها إلى العربية لشخصياتٍ إيرانية، منها الشيخُ البهائي، والعالمة في الفقه نصرت أمين، ورئيس مجلس الشورى سابقًا الدكتور غلام علي حداد عادل، وغيرِهم، مقدِّمَةً إلى القراء العرب نماذجَ من سِيَرٍ وأعمال، لها بصماتُها الواضحة على مسار الثقافة الإيرانية الحديثة؛ فرسَّخَتْ قواعدَ جسورٍ إبداعيةٍ، ما برحَت إلى الآن تنقلُ الأخوّةَ والدعمَ والتثاقفَ الفكريَّ والتأييدَ السياسي، وأهمُّ من ذلك كلِّه، اليقينُ بأن الخطرَ الواحد علينا لا يسمح لنا بأقلَّ من أن نكونَ واحدًا في مجابهته”.
 
وقال: “اليوم إذ نكرِّمُها ههنا في المكتبة الوطنية، على مجمل إنجازاتِها، فلكي نؤكد أن هذا المرفقَ الثقافيَّ ليس رفوفَ كتبٍ وأثاثًا وقاعاتٍ فقط. إنه قبل كلِّ شيء ملتقى وجوهٍ ومصهرُ عقول، وصورةٌ عن لبنان الحقيقي الذي يحتضنُ في فضائه الفكريِّ الوسيع ثقافاتِ الشعوبِ البعيدةِ والقريبة، كما تجتمعُ في هذه المكتبة مصنَّفاتٌ بجميع اللغات والتوجهات والموضوعات”.
 
وختم المرتضى: “نحن هنا لنؤكدَ أن الثقافةَ تهتمُّ بأهلِها وتقدِّمُ لهم المدد المعنويَّ، وأنها حين تكرِّمُهم، إنما تُفْصِحُ عن معنى لبنان. وللجهات الإيرانية الشقيقة الشريكة في هذا الاحتفال، نؤكدُ أن التعاون الثقافيَّ الذي بين الشعبين والدولتين لن يتوقف لأنه حاجةٌ حضاريةٌ لنا أجمعين، من هنا دعوتي إلى تفعيل حركة الترجمة والتعريب بين اللسانين. دكتورة دلال بورك فيك وفي جهودك الثقافية الإستثنائية ووفقنا جميعاً الى السير على هديك في معتركات الإنفتاح والإلتزام والوعي وأيضاً في دروب الإبداع في المجالات كافة، والسلام عليكم ورحمة الله”.

عباس 
بدورها شكرت عباس “كلّ الّذين اقترحوا ورعَوا وأقاموا هذا الاحتفال “وزير الثقافة القاضي الدكتور محمّد وسام المرتضى، الدكتور رضا غلامي رئيس أمانة جائزة الفارابي الدوليّة والدكتور عباس خاميار المستشار الثقافي السابق للجمهورية الإسلاميّة في لبنان والبلاد العربيّة والسيّد كُمَيل باقر زاده المستشار الثّقافي الحالي للجمهوريّة الإسلاميّة وكل العاملين من وراء الستار، وعلى عواتقهم المهام التّنفيذيّة على الأرض”.
وعرضت لتجربتها وقالت: “من دون أن نخطّط.. حدثٌ صغير يغيّر حياتنا وتفكيرَنا وتوجّهاتِنا.. أواخر العام 1976، قضت المشيئة أن أرافق زوجي إلى إيران قبل انتصار الثورة الإسلاميّة المباركة بسنتين، لأسمع هناك اسم بهاء الدين العامليّ وأجعله موضوعًا لأطروحتي الدكتوريّة. ولأتابع ما كان يجري في إيران في تلك المرحلة المفصليّة في تاريخ إيران والعالم الإسلاميّ”.

أضافت: “السنتان اللتان عشت معظم أيّامهما في طهران، أتاحتا لي معرفة واسعة بالأوضاع الثّقافيّة والسياسيّة والتّاريخيّة من خلال التلفزيون التعليميّ، وقراءة الصحف، ومحادثة معارفنا وغيرهم من الإيرانيّين والأجانب والعرب والجيران وعامّة النّاس. هاتان السنتان كانتا بالنّسبة إليّ كسنتي أبي حنيفة النعمان، غيّرتا مجرى تفكيري ودراساتي واهتماماتي. أشكر الله عزّ وجلّ على نعمائه كلّها. وأشكركم جميعًا على التّعب والنَّصَب والتّحضير والحضور والمشاركة”.
 
وكانت كلمات لكل من المستشار الثقافي الإيراني كميل باقر ورئيس معهد الدراسات الثقافيّة والاجتماعيّة في وزارة العلوم والبحوث والتكنولوجيا في إيران الدكتور غلامي والدكتور حبيب فياض، ومدير كلية الآداب السابق في الفرع الثاني الجامعة اللبنانية الدكتور طوني الحاج، ومدير دار الأمير الدكتور محمد حسين بزي والمستشار الثقافي السابق الإيراني الدكتورعباس خامه يار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى