مقالات خاصة

عندما ينتهج فيصل “الثقافة العونية”!

كتب جواد مختار ل “قلم سياسي” :

كان ليكون من المستغرب جداً أن يترك النائب السابق فيصل كرامي فرصة صعوده على المنبر دون أن يُدلي بدلوه المعتاد ضد حزب القوات اللبنانية ورئيسه سمير جعجع، كيف لا وهو الذي يبني كلّ مشروعه السياسي وحضوره في الحياة العامة على مهاجمة الحكيم ورفاقه، حتّى باتت مقولة “لولا القوات اللبنانية لضلّ فيصل دوره في الشأن العام”، هي التي تطبع مسيرته الناشئة.

ما يفقه ممارسته كرامي هو تماماً ما يمتهنه زملاءه في محور الانظمة الشمولية حيث لا يتواجد سوى مَن يرتضي التحوّل آداةً حادّة لشيطنة كلّ مَن يؤمن بالمشروع السيادي وكلّ مَن يقف بوجه مخططات الموت والمسارات الصفراء.

إفرازات كرامي “الناقصة” من المنطق والنزاهة والحقيقة بلغت حدّ اعتماد الاسلوب نفسه الذي احترفه التيار الوطني الحر في مقارباته السياسية والوطنية.

أولاً، أجاز كرامي لنفسه القول بأنّه تعرّض لسرقة موصوفة في الانتخابات النيابية الاخيرة وفي الوقت عينه جرّم الدكتور جعجع لكلامه عن ضغوطات سياسية يتعرّض لها المجلس الدستوري عشيّة بتّه للطّعون الانتخابية. فكيف يتّهم كرامي لجان القيد الابتدائية والعُليا والتي يرأسها قضاة بجرم السرقة الموصوفة فيما يمنع غيره من الكلام عن مجرد ضغوطات يُمارسها ساسة المنظومة التي سرقت أرزاق الناس؟

ثانياً، أتحفنا كرامي بعاطفته الحميمة تجاه المؤسسات القضائية وتحديداً المجلس الدستوري، واصفاً ما أدلى به الدكتور جعجع بأنّه “حملة سياسية فاجرة”؛ لذا واحتراماً لذاكرة اللبنانيين التي لطالما عبث بها كرامي وأشباهه، عن سابق إصرار وتخطيط وحقد وتعمية، نُحيله إلى ما أعلنه هو بنفسه في ١٩ نيسان ٢٠١٩ خلال مشاركته في حفل غداء في بلدة بحنين قضاء المنية، حيث علّق حرفياً على حكم المجلس الدستوري من الطعن الذي تقدّم به النائب طه ناجي بعد خسارته انتخابات ٢٠١٨: “بقي الطعن المقدم من الدكتور ناجي في أدراج المجلس الدستوري قرابة السنة، وهذا بحد ذاته أمر غريب، لكن لم يعد هناك أي شيء مستغرب في لبنان، النيابة كلها مدتها ٤ سنوات، ومن المضحك أن البت بالطعون، يتطلب سنة كاملة تقريبا. إنّ التعليل الذي قدّمه المجلس الدستوري أنّ فرق الارقام لا يُعوّل عليه هو تعليل مرفوض وقد قلنا إنّه هرطقة دستورية وقانونية”.

ثالثاً، هجوم كرامي على “الدستوري” وقضاته ووصفه قرارهم بالهرطقة، لم يقف عند هذا الحدّ بل استتبعه باتّهامات مباشرة في الخطاب نفسه، حيث قال: “من المعروف أنّ كل ما جرى حول الابطال واعادة الانتخابات هو أمر غير خارج عن الضغوط السياسية، وبكل أسف أقولها، المجلس الدستوري يشتغل وفق إملاءات سياسية وهذه ليست تهمة، هذا توصيف لواقع وهذا الواقع معروف، وليس بحاجة لأن أسوق أدلة وبراهين”.

رابعاً، مارس كرامي في موقفه هذا، الاسلوب نفسه الذي انتهجه التيار الوطني الحر في مهاجمة رئيس “القوات”، حيث أيضاً وعلى وقع استغباء اللبنانيين والتلاعب بذاكرتهم، شَيطَنَت “جحافل المصداقية” في “الوطني الحر” الدكتور جعجع بعد حديثه عن الضغوطات على “الدستوري”، متناسية أنّها نسفت نزاهة الاخير كما فعل كرامي، وذلك بتاريخ ١٥ تشرين الثاني ٢٠٠٩، يوم قال الرئيس ميشال عون: “توقّعنا سقوط المجلس الدستوري، وهذا ما استشرفناه منذ تعيين أعضائه نتيجة الخيار السياسي الذي خضعت له الآلية التي اعتُمدت في تعيينهم”، وذلك بعد النتيجة التي أسفرت عن خسارته الطعن الذي قدّمه بنتيجة الانتخابات النيابية عام ٢٠٠٩.

خامساً، واصل كرامي التطاول على كرامة أبناء مدينة طرابلس، مع إصراره على تسويق هرطقة “إنفاق القوات لملايين الدولارات في الانتخابات”، مُتهماً من حيث يدري أهالي الفيحاء ببيع أصواتهم لقاء المال، متناسياً عن عمد، أنّ المدينة التي عانَت من همجيّة أوليائه البعثيين ومن مخططات ولاته الفارسيين قد لفظت كل محاولات الهيمنة على قرارها، وما نتيجة الانتخابات النيابية الاخيرة التي حجّمت من حضور أزلام الدويلة سوى أكبر دليل، بأنّ طرابلس وفي عزّ نكبتها، لا تُباع ولا تُشترى، ولا تخضع لاملاءات من هنا وهناك.

سادساً، نتفهّم تماماً عدم استيعاب كرامي لمستوى الوعي الذي غلّف خيارات الطرابلسيين في الانتخابات الاخيرة، كما نُدرك مدى الصدمة التي عقّدت من عقدته بعد أن أثبتت “القوات” بأنّها جزء لا يتجزأ من نسيج عاصمة الشمال ومن طموحها في إخراج الدولة من فم الدويلة وفي مواجهة أرباب مخططات الموت من تفجير مسجديّ التقوى والسلام إلى متفجرات سماحة مملوك وصولاً لتهجير ضحايا السلطة الكافرة في زوارق المظلومية.

سابعاً، قمّة الفجور أن يتحدّث “الشيعي السادس” في حكومة تقويض تمثيل الاكثرية الساحقة من أهل السنة كما وصفه عمّه السيد معن كرامي في ١٦ حزيران ٢٠١١، عن حرصه على الرئيس الحريري وهو مَن أمعن في تغطية سياسة النّحر في الحريرية السياسية على مدى عقود. فمتى طالب كرامي حليفه حزب الله، كما فعل جعجع، بتسليم قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟ وهل واجه حملات حلفائه التي شيطنت أهل السنة واتّهمتهم بالداعشية والارهاب، كما تصدّى لها جعجع؟ وهل اعترض ولو بكلمة على التمدّد العسكري إلى حُرمات منازل بيروت في “٧ أيار العار” الذي ارتكبه أصدقاءه، حينما استنفر جعجع وساند قادة السنة خارقاً جدار السلاح اللاشرعي حول السراي الحكومي؟

ثامناً، الدكتور جعجع سلّم بالدستور اللبناني منذ لحظة إقرار وثيقة الوفاق الوطني، فتخلّى عن سلاح “القوات” إيماناً منه بمشروع قيام الدولة، في حين أنّ حليف كرامي المسلّح مازال ينهش من جسد الدولة ضارباً بعرض الحائط بنود الدستور والطائف؛ والنهج الذي ورثه كرامي هو وحده مَن انخرط في سياسة تدمير ونهش المؤسسات زمن الاحتلال السوري يوم كان “الحرّ سمير جعجع” معتقلاً لتمسّكه باستقلال لبنان وكرامة شعبه.

تاسعاً، الاغتيال السياسي والمعنوي الاكثر شيوعاً هو إصرار كرامي ومَن يحترف مثله ترداد التلفيقات الاسدية على تزوير التاريخ وجعل فبركات النظام السوري هي المعزوفة “القاموس” و”البوصلة” لحركته السياسية “الفارغة”.

عاشراً، الوصول إلى السلطة، لم يكن يوماً لا هدفاً ولا مشروعاً للدكتور جعجع، وما على كرامي سوى العودة إلى سجلّات والده الراحل، الذي عيّن رئيس “القوات” وزير دولة في حكومته التي شُكّلت بتاريخ ٢٤ كانون الاول ١٩٩٠ وسرعان ما استقال منها جعجع بتاريخ ٢٠ آذار ١٩٩١؛ وتماماً فعل في حكومة الرئيس الراحل رشيد الصلح عندما عُيّن وزيراً في ١٦ أيار ١٩٩٢ وسرعان ما استقال فور صدور مرسوم تأليفها، وذلك لأنّه يرفض “المنصب لأجل المنصب”، ولأنّ مشروعه كان ومايزال الدولة لا السلطة، وما دخوله المعتقل السياسي رفضاً للهيمنة السورية على البلاد سوى الدليل القاطع على ذلك، فيما كان صمت الآخرين مُشابهاً لمن جاهد بكلّ ما أوتي من ذمية ليحصد ولو مقعداً كجائزة ترضية و”وديعة وزارية” عام ٢٠١١.

أخيراً يا فيصل، مَن “يدق رأسه بالحائط”، هو مَن انتهج في “عهد العلّة”، “الثقافة العونية”، التي تُجيز لنفسها ما تمنعه عن الآخرين، والتي لا تقبل سوى إحياء هرطقات الاحتلال السوري وفبركاته، والتي لا تفقه سوى بثّ الاحقاد فوق آلام الناس. مَن يدق رأسه بالحائط يا فيصل، هو مَن لا يرى سوى مصلحته الخاصة هدفاً أسمى لحياته ولو أتت على حساب أهله وبيئته ومجتمعه ومدينته ووطنه، فيما أثبت الدكتور جعجع أنّ رأسه بقي مرفوعاً على كتفيه من ساحات المقاومة اللبنانية المضرّجة بالعزّة والشهادة إلى زنزانة “الكرامة الفعلية” التي تحالفت مع الارادة الحرة تحت سابع أرض وصولاً إلى تربّعه أولاً في خيارات اللبنانيين على قمّة من قمم كسروان، رغم كلّ محاولات الالغاء، حيث لم تكسره لا رصاصات غدر الحاكم المسلّح لاشرعياً ولا أضغاث أحلام ربيبه الافندي الساقط شعبياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى