مقالات خاصة

“أيام هستيرية” .. رواية جديدة لصاحب جائزتي”البوكر وكتارا” الروائي ناصر عراق

كتب علي الصاوي

عندما اقتربت مني لتصافحني قبل بدء الندوة، تفحَّصتُها كثيرًا، فاضطربتْ وغضتْ بصرها حياءً؛ فتأكد لي حجم الفرق الكبير بين صورها التي تنثرها في الفيسبوك ليل نهار، وبين الأصل الذي يُلقي عليَّ، أو يتلقى مني، التحي، لقد بدت جميلة، متألقة، متأنقة، مشرقة على شاشة الموبايل في الفيسبوك.. تتخذ أوضاعًا تُغري العريس المتعجِّل، بينما تلوح لي هنا في أروقة المعرض فتاة عادية بلا ألق، محرومة من التوهج، غارقة في بحر الماكياج الفج. هذه فقرة من رواية “أيام هستيرية” للكاتب والروائي ناصر عراق والتى صدرت عن دار الشروق المصرية، وسوف تكون حاضرة في معرض القاهرة الدولي للكتاب أول الشهر المقبل. وهي الرواية رقم 11 في مسيرة الكاتب مع الإبداع الأدبي الحافلة بالعذاب والعذوبة.

الرواية تأخذنا في رحلة اجتماعية عبر بطليها نبيل ونسمة، الأول كاتب شهير، مُطلِّق، وعلى مشارف الستين، تتعرض شقته لحريق وهو بمفرده في المنزل، يدفعه الخوف من الوحدة للزواج من “نسمة”؛ وهي أربعينية، عذراء، أنانية، مدمنة للحبوب المهدِّئة”، ليضعنا في مواجهة الكثير من الأسئلة منها: كيف يمكن أن يتقاطع عالمان مختلفان في علاقة بدأت بعرض زواج عبر الفيسبوك دون أن يرى كلٌّ منهما الآخر وجهًا لوجه؟ واستطاع الكاتب أن يوظف الأفكار والرؤى داخل نسيج الرواية بدون تكلف أو افتعال.

تساؤلات عدة

وتطرح الرواية العديد من الأمثلة مثل هل يصلح الارتباط عن طريق السوشيال ميديا في تأسيس علاقات زوجية ناجحة؟ ما الذي يجعل علاقة زوجية تتمزق بعد ربع قرن من الاقتران رزق خلالها الزوجان بأربعة أبناء؟ هل أنانية الزوج أم الزوجة؟ هل تغيرت أفكار أي منهما بشكل جذري، حتى غدا استمرار الزواج عبئا ثقيلا على طرف أو عليهما معًا؟ وكيف نواجه ظاهرة التدين الشكلي التي تختزل الدين في الطقوس والأزياء فقط؟ ما الأثر السيء الذي قد تلعبه الحماة في استقرار الحياة الزوجية لابنتها أو ابنها؟ هل عمل المرأة وحصولها على راتب كبير يشجعها على طلب الانفصال عندما تختلف مع زوجها، مضحية باستقرار الحياة النفسية لأبنائها؟ وما دور الفن والأدب في تعزيز فضيلة التسامح لدى الإنسان؟ ولماذا يلجأ بعض الشباب من الجنسين إلى تعاطي الحبوب المهدئة؟ هل بلغ الإحباط في مصر إلى هذا المستوى البائس؟

وتتميّز روايات الكاتب ناصر عراق بسلاسة لغوية سريعة الهضم، فصحى غير معقدة يفهمها الجميع، وأسلوب سرد يتمتع بإمكانات فنية عالية تجذب القارئ ليعيش حالة توحد مع الأحداث بلا تشتت أو سرحان، كما يحرص الكاتب كل الحرص على كتابة الحوار بين شخوص الرواية باللغة العربية الفصحى، رغم أن هناك دعوات كثيرة للكتابة بالعامية حتى تغدو الرواية أقرب إلى الواقع، فالناس في بلادي لا تتحدث مع بعضها بعضا إلا باللهجة العامية.

لكن عراق يوضح ذللك في لقاء صحفي أن “هذه قضية بالغة الأهمية، لأنني لاحظت أن كثيرًا من الروائيين، كبارًا وشبابًا، يجرون الحوار على ألسنة أبطالهم باللهجة العامية، وأظن أن هذا المنطق غير موفق بالمرة، لماذا؟ لأن الفن في المقام الأول ليس انعكاسًا مباشرًا فجًا للواقع. إنه لعبة جميلة تستهدف الإمتاع والإفادة. وضرب مثلا بسيطا فقال: عندما نشاهد عبدالحليم حافظ يغني في فيلم بعض الأغنيات مثل: “أول مرة تحب يا قلبي”، أو “مشغول وحياتك” أو “بتلوموني ليه” أو “في يوم في شهر في سنة”.. إنه يغني مع نفسه أو أمام حبيبته، فمن أين تأتي الموسيقى؟ لا توجد فرقة موسيقية في المشهد، ومع ذلك يدرك الجمهور تمامًا أنه أمام لعبة فنية جميلة اتفق خلالها الطرفان، الفنان والمتلقي، على تجاوز “المنطق أو الواقع” من أجل إبداع أغنية لطيفة معبرة.

ولا ينقطع الروائي ناصر عراق عن الكتابة فيقول: أنه يكتب يوميًا مهما كانت الظروف معاكسة، إلا إذا اعتراه مرض أصاب جسده بالإنهاك وعقله بالتشويش، ولا يتوقف يومًا عن ممارسة هذه الهواية الفاتنة، فقد أضحت الكتابة بالنسبة له مثل الماء والهواء لا يمكن الاستغناء عنها. وقد أنهى مؤخرًا روايته الثانية عشرة واسمها “الأنتكخانة”، وستصدر مع معرض القاهرة الدولي للكتاب المزمع إقامته في يناير/كانون الثاني 2022.

نبذة عن الكاتب

ولد الكاتب ناصر عراق في القاهرة عام 1961، وتخرج في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة عام 1984. وعمل مديرا لتحرير جريدة اليوم السابع، مشرفا على تحرير باب (عطر الأحباب)، ورئيس التحرير التنفيذي لموقع “كايرو دار” (بوابة اليوم السابع المعرفية والتعليمية) في الفترة الواقعة بين ديسمبر 2013 وإبريل 2015.

وعمل  ناصر عراق بالصحافة الثقافية في مصر قبل أن يغادر إلى دبي سنة 1999 ليشارك في تأسيس دار الصدى للصحافة ويتولى رئاسة القسم الثقافي في مجلة الصدى الأسبوعية لمدة ستة أعوام، ثم يسهم في تأسيس مجلة دبي الثقافية ويصبح أول مدير تحرير لها بدءًا من العدد الأول في أكتوبر 2004 ولمدة سبع سنوات.

كما شارك عراق في تأسيس جائزة البحرين لحرية الصحافة بالمنامة العام 2010 وكان أول منسق عام لها، فضلا عن توليه موقع المنسق الثقافي والإعلامي في مؤسسة (ندوة الثقافة والعلوم) بدبي. وقد نال عراق جائزة أفضل كتاب التي تنظمها جمعية أصدقاء أحمد بهاء الدين العام 2000 عن كتابه تاريخ الرسم الصحفي في مصر، وجائزة أفضل مقال في الصحافة الإماراتية العام 2004 التي تنظمها مؤسسة تريم عمران للصحافة بالإمارات.

ومن أهم روايات الكاتب: أزمنة من غبار ومن فرط الغرام، والعاطل التي وصلت إلى القائمة القصيرة في الجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر العربية” 2012، و”تاج الهدهد”، و”نساء القاهرة – دبي”، و”الأزبكية” التي فازت بالجائزة الكبرى في جائزة “كتارا للرواية العربية” بالدورة الثانية 2016، كما أنها فازت بأفضل رواية قابلة للتحويل إلى عمل درامي، وفي هذا العام أصدر آخر رواياته “الكومبارس”

علي الصاوي

كاتب صحفي وروائي مصري رئيس تحرير موقع الشرق مؤلف كتاب ترانيم محب وصرخة قلم، ورواية إسطنبول 2020 "رواية بين دولتين"

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى