العلّية : الموضوع انتهى في النيابة العامة التمييزية
كتبت كارين عبد النور في “نداء الوطن”:
كما كان متوقّعاً، مَثل مدير عام إدارة المناقصات في التفتيش المركزي، الدكتور جان العلّية، أمام النيابة العامة التمييزية صباح أمس نتيجة الإخبار المقدّم ضدّه من قِبَل مجلس شورى الدولة على خلفية ما صرّح به في مؤتمر صحافي عقده في حزيران الماضي حول قرار الأخير في ما يتعلق بقضية مناقصة السوق الحرة في مطار رفيق الحريري الدولي. وقد سبق وتزامن مثول العلّية مع مواقف ووقفة تضامنية أمام قصر العدل في بيروت لعدد من الجمعيات والسياسيين والناشطين في الشأن العام دفاعاً عن حرية الرأي والتعبير ورفضاً لاستخدام القضاء كأداة للتهويل والترهيب.
بالعودة إلى الجلسة، فقد عُقِدت أمام المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات الذي استمع إليه على سبيل المعلومات بعدما كانت الجلسة مقررة لدى النائب العام غسان الخوري، حيث حضر العلّية من دون محاميه «إيماناً منه بدولة القانون والمؤسسات ولثقته بالقضاء». هذا وصرّح عقبها بأن مثوله أمام القضاء كان كشاهد وليس كمتّهم، مضيفاً: «كانت الجلسة مطوّلة أجبت فيها على كل الأسئلة. كما اغتنمت جلسة التحقيق لكشف الكثير من المعلومات ووضعها بمتناول القضاء». وأوضح أنه هو الآخر سيتقدّم بواسطة محاميه، الأستاذ نزار صاغية، بإخبار منفصل يتعلق بموضوع مزايدة السوق الحرة مرفَقاً بكافة المستندات، مبدياً أسفه لما نتج عن الإخبار من إخلال بالتزامات لبنان الدولية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انضم إليها لبنان العام 2009 وهي تلزم الدول بحماية كاشفي الفساد. وقد أوضح العلّية في حديث خاص لـ»نداء الوطن» أن «الموضوع قد انتهى في النيابة العامة التمييزية وقد يضع رئيس لجنة الإدارة والعدل، النائب جورج عدوان، يد اللجنة على الملف، بحيث سيتمّ استدعاء كل من وزير العدل ورئيس مجلس شورى الدولة ومدير عام إدارة المناقصات إلى جلسة اللجنة يوم الثلاثاء المقبل في مجلس النواب». كما أشار خلال حديثه إلى «سلسلة من الإخبارات ستقدّم تباعاً في كل الصفقات العمومية التي جرت بطريقة مشبوهة أمام كافة المراجع المختصة اعتباراً من الأسابيع المقبلة».
ومن بين المشاركين في الوقفة التضامنية، المرصد الشعبي الذي اعتبر أن استدعاء العلّية إلى التحقيق على خلفية مؤتمره الصحافي له مدلولات خطيرة خاصة وأنه فضح الكثير من مكامن الفساد والهدر. واستغرب المرصد كيف أن المنظومة تُبدع بتطبيق سياسة الإفلات من العقاب في جريمة انفجار بيروت، وسط سكوت مريب من القضاء اللبناني، في حين أن هذا الأخير ينشط و»يزمجر» في وجه أصحاب الكلمة الحرة والمطالبين بوطن أفضل. وشدّد المرصد على أن التضامن مع العلّية، المشهود له بحسن أدائه الوظيفي، هو من باب التأكيد لكل موظف شريف أن الرأي العام سند وداعم له.
«لنا» – حزب ديمقراطي اجتماعي أكّد وقوفه إلى جانب العلّية في مواجهته المستمرة مع السلطة وأدواتها متسائلاً: لمصلحة من تُتَّهم الإدارة بالتقاعس؟ هل لحسابات تمرير صفقات وتأخير تحويل الإدارة إلى هيئة شراء عام؟ ولمصلحة من الأحكام المسرّبة التي ترتّب على الدولة خسائر كبيرة؟
من جهتها، أكّدت النائبة بولا يعقوبيان أثناء تواجدها أمام قصر العدل ضرورة وضع حجر الأساس لدولة يمكن العيش فيها، لأن هدم المؤسسات بهذا الشكل غير مقبول، لا سيما الأجهزة الرقابية التي يجب أن تتمتّع بشيء من الهيبة والرهبة للقيام بدورها الفاعل. وأردفت أن العلّية رجل قانوني لديه من العلم والمعرفة والثقة ما يكفي ليدخل إلى التحقيق مرفوع الرأس ومن دون مرافقة محاميه، متمنّية على كل لبناني عدم الانجراف وراء العمى السياسي وإدراك الأسباب الحقيقية التي جعلت العلّية يرفع الصوت.
كذلك استنكر اللقاء المدني في النبطية الإخبار المقدّم بحق العلّية شاهداً له بنظافة الكف والخبرة في الأداء القانوني، وهو الذي استطاع في العام 2017 رفع قيمة التزام السوق الحرة من 20 الى 125 مليون دولار سنوياً، ما أغاظ بعض النافذين غير الحريصين على صون المال العام، معلناً تضامنه معه في مواجهة السلطة والفساد والتجنّي على شرفاء الوطن.
رئيسة رابطة موظفي القطاع العام، نوال نصر، أشارت من ناحيتها إلى أن العلّية، وعلى مدى سنوات خدمته الطويلة، سعى جاهداً لمنع كافة الصفقات المشبوهة التي تسهم في خسارة الدولة أموالها وخسارة المواطن حقوقه في هذه الأموال، مضيفة: «العلّية مثال الموظف الشريف لذا هو مستهدف. لولا هذا الإنسان وقيامه بوظيفته وتسلّمه الأمانة بكل مصداقية لأفلست الدولة منذ زمن طويل».
وكانت أيضاً مشاركة للنائب مارك ضوّ إذ اعتبر وقفته دفاعاً عن القانون وحسن سير القوانين ونفاذها، كما تصدّياً لمحاولة تعطيل قانون الشراء العام عبر ضرب مصداقية العلّية الذي دافع عن حقوق اللبنانيين، إضافة إلى كلّ من النائب وضّاح صادق والنائب فراس حمدان.
ومن بين الحاضرين أيضاً كان الناشط الحقوقي المحامي ميشال فلّاح الذي رأى أن الأمور لن تستقيم في البلد إلا إذا استقامت أحوال السلطة القضائية، وأصبحت وزارة العدل وزارة للعدل وليس على العدل. وقال: «يبدو أنه في ظل العهد الأسود لن تستقيم الأمور بل سينهار البنيان أكثر فأكثر. فجأة استيقظ وزير اللاعدل وقرّر الادّعاء على العلّية. هكذا هو العهد القوي، قوي على الأوادم وعلى كاشفي الفساد، وقوي باستباحة القضاء وتفخيخ الأجهزة الرقابية. لكن إن كان للباطل جولة، فللحق ألف جولة وجولة».
أمّا جمعية «لا فساد» (الفرع الوطني لمنظمة الشفافية الدولية) فقد أكّدت بدورها حرية جميع اللبنانيين واللبنانيات في الرأي والتعبير، ودعت إلى ضرورة إجراء تحقيق شفّاف وعادل وسريع مع احترام حقوق الدفاع. هذا وحذّرت الجمعية من مخاطر استثمار التحقيق لعرقلة تطبيق قانون الشراء العام. كما طالبت بالتزام تطبيق أحكام الدستور واحترام الالتزامات الدولية للدولة في إطار التحقيق مع العلّية.
وكان سبق الجلسة عدّة تغريدات تضامنية مع العلّية منها للنائب أكرم شهيّب الذي كتب: «يا جماعة العهد القوي، العلّة ليست بالعلّية. العلّة بكم و»الجرصة» ببعض قضائكم الممسوك. اتّقوا الله رحمة بالبلد». في حين رأى النائب ميشال معوّض أن استدعاء رئيس دائرة المناقصات إلى التحقيق يشكّل وصمة عار على جبين القضاء اللبناني لأنه لا يجوز ترك الفاسدين وملاحقة المتصدّين للفساد. أما المحامي جوزيف أبو فاضل، فتساءل في إطلالة تلفزيونية كيف للعدلية أن تُحيل موظفاً شريفاً مثل العلّية إلى التحقيق بدلاً من أن يوضع له وسام شرف واستحقاق؟