محلي

محاضرة بعنوان ” الإجتهاد لدى المحاكم الشرعية السنية” للرئيس محمد عساف .. النقيبة القوال : نقابة المحامين في طرابلس صورة حية عن عيش المعيّة بين المسيحيين والمسلمين

برعاية نقيبة المحامين في طرابلس ماري تراز القوال فنيانوس، نظمت نقابة المحامين في طرابلس محاضرةً بعنوان ” الإجتهاد لدى المحاكم الشرعية السنية” ألقاها رئيس المحاكم الشرعية السنية العليا في بيروت القاضي الشيخ محمد عساف، بحضور : مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان ممثلاً بمفتي طرابلس والشمال محمد إمام، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ممثلاً بالأستاذ فادي محسن، النائب العام الإستئنافي في الشمال الرئيس زياد الشعراني، النائب طه ناجي ممثلاً بالدكتور عمار كبارة، النائب عبد الكريم كبارة ممثلاً بالسيد سامي رضا، النائب اللواء أشرف ريفي ممثلاً بالدكتور محمد كمال زيادة، نقيب المهندسين في طرابلس بهاء حرب ممثلاً بنائبه المهندس خضر حسين، النقباء السابقين : أنطوان عيروت، فهد المقدم، محمد المراد، أعضاء مجلس النقابة، رئيس إدارة المحاكم الشرعية في طرابلس الدكتور وسام السمروط، قضاة شرع، ممثلي النقابة لدى المحاكم الشرعية في لبنان، وعدد من الزميلات والزملاء المحامين ومحامين متدرجين وحقوقيين، وذلك في القاعة الكبرى في النقابة.

هرموش
البداية بكلمةٍ لعريف الحفل الأستاذ محمد هرموش جاء فيها:” إنه لمن دواعي الغبطة والاعتزاز ان نرحب بكم في مدينة العلم و العلماء – طرابلس الفيحاء طرابلس السلام والاعتدال و العيش المشترك حيث يتداخل اذان المساجد مع اجراس الكنيسة ليكون صوتا واحدا ونموذجاً يحتذى به للعيش معا بكرامة و محبة وليكون الصوت الصارخ بوجه من يريد تشويه سمعتها وصورتها ،فإن الشريعة الإسلامية شريعة مرنة تصلح لكل زمان ومكان، إذ تجيز الاجتهاد في بعض المسائل الفقهية مع تغير الزمن وتبدل التقاليد والمفاهيم والعادات، وبناء للمصلحة، ودفعا للضرر، خلافا لما يظنه البعض ويروج له”.

وأضاف:” إن الجهل بأحكام الإسلام وتعاليمه جعل البعض يشن حرباً شعواء عليه ويتهمه بالرجعية والجهل وعدم التقدم، فالإنسان دائما عدو ما يجهل، فالاجتهاد كما يعرفه رجال الدين السنة هو عملية الاستنباط للأحكام الشرعية الفرعية العملية، من مصادرها المقررة، كالقرآن والسنة والإجماع والعقل وغيرها. وبعبارة اخری، هو بذل الجهد لاستنباط واستخراج الأحكام الشرعية الفرعية من أدلتها التفصيلية من القرآن الكريم: عموم الآيات الداعية إلى التفكّر وإعمال العقل، كقوله تعالى: (إِنَّ في ذلِكَ لَآياتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرونَ)،[٣] وقوله تعالى: (فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ)،[٤] وقوله تعالى: (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ).[٥] من السنّة ما رُوي عن النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من قوله: “إذا حكم الحاكِمُ فاجتهد فأصاب فله أجرانِ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ”.[٦]”.

القوال
ثم كان للنقيبة القوال كلمة جاء فيها :” يشكل الاجتهاد واحدًا من أهم روافد القانون في جميع الأنظمة، بل لعلي لا أبالغ إذا قلت : إنه الروح التي تحيي النصوص الراكدة وسط الأوراق، وتنفخ فيها نسمة العلاقة المباشرة مع اليومي والراهن، على شبه ما علّم القديس بولس من أن الحرف يقتل والروح يُحيي، أما في الإسلام فقد كان الاجتهاد واحدًا من أهم مصادر الفقه بعد الكتاب الكريم والسّنة الشريفة، إنه الجهد العقلي البشري الذي عبر العصور، فسّر وطبّق ولاءم بين التعاليم السماوية التي أوحي بها في حقبةٍ ما محددة، ومجريات الحياة المتطورة على الدوام. ومن هذا المنطلق يمكن أن نفهم بوضوحٍ الحديث الشريف: “إن العلماء (أي المجتهدين) ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورَّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظّ وافر”.

وتابعت:” إذا كان الشرع الإسلامي قد تسرّب إلى جميع المنظومات التشريعية في العالم كله، هونًا ورخاءً، بسبب التراكم الحضاري الذي أنجزه في عمق الحياة الإنسانية على اتساع مداها، فإنه لدينا نحن المشرقيين باختلاف مذاهبنا وأدياننا، قد تسرّب إلى خلايا تكويننا الإيماني والمعرفي والوجودي، فليس مسيحيٌّ في هذه البلاد إلا وفي كنه ذاته معنًى من معاني الإسلام، وليس مسلمٌ أيضًا إلا وفي شخصه بعضٌ من مسيحية. ذلك أننا معًا منذ خمسة عشر قرنًا، وسنبقى معًا إلى أن يرث الله الأرض”.

وأضافت:” نقابة المحامين في طرابلس صورة حية عن هذه المعيّة، التي نحن فيها تكبيرةٌ جرسٌ للحب سورتُها، كما جاء في نشيدنا. أما الدعاوى التفريقية التي ترتدي طابع التعصب حينًا من هنا أو من هناك، أو ترتدي طابع المناداة بما لا يأتلف مع ميراثنا الأدبي تحت ستار حقوق الإنسان وما إليها، أو ترتدي أي طابعٍ آخر يقسّم؛ فغبارٌ يهب ردحًا وينحسر، ويجدرُبنا كلنا مسؤولين ومواطنين، إن لم نزنها بمكيال الإيمان كما ينبغي أولًا، أن نزينها بمكيال السلم الاجتماعي، الذي بدونه لا يمكن أي بشرٍ أن يمارس أبسط الحقوق الإنسانية. فحقوق الإنسان خارج وعاء المجتمع لا قيمة بل لا وجود لها، وإذا كان من شأن التمادي في تحليل بعض مظاهرها، تقويض الأمان الاجتماعي فإنها بذلك تقوّض نفسها أولًا، وهنا يأتي دور القانون لحماية المجتمع والقيم من هذا التقويض المزدوِج”.

وأردفت:” نستضيف في هذا اللقاء عالمـًا مجتهدًا، يعرفه أهل الدين ورجال القانون، وبخاصة أولئك الذين يشتغلون في القضايا الشرعية. سماحة الشيخ محمد عساف رئيس المحاكم الشرعية السنية في لبنان، الذي أودّ أن أشكره علانيةً أمامكم على تجاوبه السريع والكامل مع ما طلبته وتطلبه نقابة المحامين، من توصياتٍ تسهم في حسن سير العمل القضائي الشرعي، واستمراره من دون انقطاع بالرغم من الظروف المأساوية التي نمر بها، بصورةٍ تساعد المحامين قدر المستطاع، وتحفظ حقوقهم وحقوق نقابتهم، لن أتحدث في دوره الاجتهادي، فهذا ستسمعونه منه مباشرة. لكنني، وقد أطلت قليلًا على غير عادتي في الخطاب، أتذكر أمامكم قول العرب: “البلاغةُ إجاعةُ اللفظِ وإشباعُ المعنى”، ثم أسأل نفسي وأسألكم: هل طبّقت اليوم هذه القاعدة البلاغيّة؟ أم تُراني في اللفظ والمعنى بالغت؟ ليس هذا مهمًّا ما دمت قد بلَّغت”.

وفي ختام كلمتها، توجهت النقيبة القوال بالشكر من ممثلي النقابة في المحاكم الشرعية وهم : الأستاذ محمد شما ممثل النقابة في محكمة طرابلس الشرعية السنية، الأستاذان وسام خالد وعبد القادر الزعبي : ممثلا النقابة في المحكمة الشرعية في حلبا والبيرة ، الأستاذ أحمد ياسين ممثل النقابة في محكمة سير الشرعية، الأستاذ حسين موسى ممثل النقابة في محكمة المنية الشرعية، الأستاذة الدكتورة زينة المصري ممثلة النقابة في المحاكم الشرعية السنية في بيروت وسائر المناطق خارج الشمال.

عساف
ليفتتح بعدها القاضي الشيخ عساف محاضرته القيّمة مؤكداً بأن “الشريعة الإسلامية شريعة مرنة تصلح لكل زمان ومكان، خاصة أنها تجيز الاجتهاد في بعض المسائل الفقهية مع تغير الزمن، وتبدل التقاليد والمفاهيم والعادات، وبناء للمصلحة، ودفعاً للضرر، خلافاً لما يظنُّه البعض ويروِّج له، فالجهل بأحكام الإسلام وتعاليمه جعلت البعض يشن حرباً شعواء عليه، ويتهمه بالرجعية والجهل، وعدم التقدم، فالإنسان دائماً عدو ما يجهل، فكثير من الأحكام الشرعية مبنية على العرف العادة حتى إنَّ بعض الفقهاء من الأصوليين قد جعلوا العرف والعادة مصدراً من مصادر التشريع، هذا إن لم يوجد نصٌ من الكتاب أو السنة النبوية الصحيحة، كما وضعوا بعض المصادر للتشريع بما يتوافق مع المصلحة في معرض غياب النص الشرعي كالمصالح المرسلة، والاستحسان، وسد الذرائع.”

وتابع:” من هنا كان لا بد للقاضي أن يتحلَّى بالعلم الذي يخوله أن يجتهد في بعض المسائل التي تطرأ عليه في بعض القضايا التي لم يرد بها نص شرعي وبحاجة إلى إمعان نظر، وبذل جهدٍ في استخراج الحل ليصل إلى حكم عادل لا يشوبه ظلم لأحد الخصمين، ومن هذا المنطلق يحق للقاضي أن يجتهد في بعض المسائل المتعلقة بالأحوال الشخصية خاصة في الأمور التي لا نص فيها، إذ لا اجتهاد في معرض النص، مثل تقدير النفقة، وتحديد سن الحضانة، والمشاهدة، وغيرها من الأمور التي ترك الشارع للفقهاء حق الاجتهاد فيها مع تغير الزمان والمكان، و ما يطرأ في بعض القضايا المعاصرة التي تحتم على المحاكم الاجتهاد في مشكِلِها، وحل معضِلها، والعمل على معالجتها، ومن ثَمَّ إصدار الحكم العادل فيها الذي يتماشى مع المصلحة العامة للمجتم، فالرسول عليه الصلاة والسلام أجاز لنا الاجتهاد في القضاء، خاصة فيما يعرض على القاضي من قضايا لا نص فيها من كتاب أو سنة، أخرج أبو داود في سننه “أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمَّا أراد أن يبعث معاذ بن جبل إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال: فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في كتاب الله؟ قال: أجتهد رأي ولا آلو، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدره وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله” .

وأضاف :” كما أجاز القانون للقاضي الاجتهاد في بعض المسائل القانونية المتعلقة بأصول المحاكمات التي يعود تقديرها للقاضي كمنع السفر، واتخاذ التدابير المستعجلة والاحترازية، وتزكية الشهود وقبول شهادتهم، حيث نصت المادة /242/ من قانون تنظيم القضاء الشرعي المعدّلة بموجب القانون رقم /177/ تاريخ 29 آب 2011 على أنَّه “يصدر القاضي السني حكمه طبقاً للأحكام المنصوص عليها في القرارات الصادرة عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في الأحوال الشخصية للمسلمين السنة، والمتعلقة بتنظيم شؤون الطائفة الدينية، وفي حال عدم وجود أي نص يرجع القاضي السني إلى قانون حقوق العائلة العثماني الصادر في 25/10/1917م، وإلا فيحكم طبقاً لأرجح الأقوال من مذهب الإمام أبي حنيفة”، ونظام نظام أحكام الأسرة الصادر بقرار رقم /46/ تاريخ 1/10/2011 عن المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى يتضمن بعض الاجتهادات في بعض القضايا الطارئة والمعاصرة، كتعديل قيمة المهر، ووضع باب مستقل فيما يتعلق بمشاهدة الأولاد، ومصاريف الطبابة والمدارس، والحضانة خاصة في ظل تغير الظروف وتغير الزمان والمكان عما كان عليه سن الحضانة سابقاً، ثمَّ ألحق به مواد تتعلق بزواج القاصرات”.

كما تحدث الشيخ عساف بالتفصيل عن بعض القضايا التي تطرق إليها الاجتهاد في المحاكم الشرعية السنية وبيّن مدى الاجتهاد فيها: كالمهر – النفقة- المصاريف الدراسية والطبابة- الحضانة- المشاهدة- التفريق للشقاق والنزاع- زواج القاصرات- منع السفر -اتخاذ تدابير مستعجلة – سماع شهادة الشهود.

وختم قائلاً:” الاجتهاد له مكانته في القضاء الشرعي، وعلى القاضي أن يمعن النظر في الدعوى التي بين يديه، ويحاول أن يجد الحلول في إنهاء الدعوى آخذاً من النصوص الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة، فإن لم يجد في الكتاب والسنة نصاً لحل القضية العالقة بين يديه فعليه أن يسلك باب الاجتهاد بما لا يخالف النصوص الشرعية والقانونية المرعية الإجراء، خاصة فيما نص عليه نظام أحكام الأسرة، وقانون حقوق العائلة العثماني، وأرجح الأقوال في مذهب الإمام أبي حنيفة وفق الترتيب المذكور في المادة /242/ من قانون تنظيم القضاء الشرعي، وكذلك في بعض المسائل المعاصرة التي قد تطرأ على المحاكم الشرعية ولا يوجد لحلها نص شرعي أو قانوني، فعندما تزداد الحضارة تقدماً تزداد المشاكل العائلية، وبالتالي تكثر المعضلات المستجدة التي لابد لها من حلول والاجتهاد لحلها، لكي تكون مثالاً لقضايا مشابهة لها قد تطرأ لاحقاً، فهناك العديد من القضايا المعاصرة التي بحاجة إلى تطوير وبحث واجتهاد ونحن ما زلنا ندرس بعض هذه القضايا، وإن شاء الله تعالى نوفق في وضع الحلول اللازمة لها، لأن العصر قد تغير وتبدل، والعادات والأعراف قد تبدل بعضها عمَّا كانت عليه في الماضي، فلا بد من مواكبة العصر فيما أتاح لنا الشرع الإسلامي الحنيف في الاجتهاد فيه”.

لتُختتم المحاضرة بالعديد من المداخلات والأسئلة والحوار العلمي البنّاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى