مقالات خاصة

المستشفيات في لبنان تتحول لمقابر بالدولار… ياسمين المصري فلترقدي بسلام

الافتتاحية بقلم مصطفى عبيد

مرةً جديدة يتأكد لنا أن مشكلة هذا البلد أخلاقية بقدر ما هي سياسية، والأفظع هذه المرة أن قلة الأخلاق والضمير تظهر من مؤسسات المفترض أنها تحتوي على موظفين يُعرفون بإسم ملائكة الرحمة والإنسانية، قلة الرحمة التي تتسم بها المستشفيات مؤخراً خير دليل على أن هذا البلد يعاني انهياراً أخلاقياً بقدر ما يعاني من انهيارات سياسية واقتصادية وأمنية.

رحلة الطفلة ياسمين في طريقها لمثواها الأخير عرجت على عدة مستشفيات فتكشَّفت لنا وجوه هذه المؤسسات البشعة وسقطت أقنعة الإنسانية والمحبة.

من مستشفى الخير إلى المستشفى الحكومي فمستشفى النيني ثم مستشفى هيكل والشمال والسيدة حيث فضلت الطفلة ياسمين الانتقال لعند خالقها باحثةً عن الرحمة والشفاء والراحة، خمسة مستشفيات رفضت استقبال هذه الطفلة وكل واحدة كان لديها حجتها لعدم استقبالها، وأفظع واحدةٍ بينهن هي مستشفى هيكل حيث ربما كان للطفلة فرصة بالنجاة، ولكن بدل أن يقوم موظفي المستشفى بتأدية مهمتهم الانسانية طلبوا ثمناً لضميرهم وهو ألف دولار.

ضمير الانسان وشرف المهنة وقَسمُها لم يستطيعوا أن يحركوا مشاعر الموظفين لإنقاذ الملاك البريء قبل أن يغوصوا في مستنقع المفاوضات وبازار المساومة بين الألف دولار وحياة الطفلة ياسمين.

والصدمة الأكبر هي أنه لا يوجد قسم أطفال في أربعة مستشفيات، كيف يعقل أن لا يتواجد قسم للأطفال في مستشفيات الخير والحكومي والنيني والشمال، وأين وزارة الصحة ووزيرها مما يحدث من تجاوزات واستهتار بأرواح الناس بسبب قلة التخطيط والتنظيم عند بعض المستشفيات، وقلة الأخلاق والضمير عند البعض الآخر.

أليس الأجدر بالوزارة ووزيرها أن يراقبوا أداء المستشفيات وأن يتأكدوا من تجهيزاتها وجاهزيتها لاستقبال المرضى؟ ألا يستطيع فارس الوزارة الأبيض أن يجبر المستشفيات على استقبال الحالات الخطيرة والطارئة ومعالجتها قبل الخوض في الحسابات والأرقام؟

أين ضمير الرؤساء مما يحصل بالشعب على ارض الواقع؟ أين قاطنو السراي وبعبدا مما يحصل؟ أين رقابتهم ومتابعتهم لشؤون المواطنين؟ هم مشغولون بالتفكير بكيفية تدمير البلد أكثر فأكثر والتفاوض على كراسي ومناصب حصلوا عليها بقوة الجهل وخطابات الكذب المليئة بالتجييش والتخوين وبيع الكلام المعسول والوعود الفارغة.

ياسمين المصري، سامحينا على قلة أخلاقنا، وغياب مشاعر الانسانية والرحمة من ضمائرنا وقلوبنا، فنحن لم نعد نملك من الأحاسيس سوى ما نحرك به مشاعر الرثاء ودموع التماسيح وعبارات الحزن فينا بعد وقوع الكارثة، أما أن نقف وقفة رجلٍ واحد في وجه الطغاة والفاسدين ومافيات المستشفيات والغذاء والأدوية والكهرباء وما سوى ذلك، فعندها نصبح أشباه مواطنين استمرأوا الذل والخنوع والركوع للظالم والفاجر.

ياسمين المصري ملاك جديد في سلسلة من الأطفال الذين استشهدوا قبلها ومن سيعيشون نفس المصير بعدها في المستقبل حيث يتحول الأطفال فيها من أسماء إلى أرقام احصائية في دراسة عن قلة أخلاق وقلة ضمير حكام ومؤسسات ومواطني هذا البلد.

مصطفى عبيد

اسرة التحرير ، ناشط سياسي وإجتماعي، كاتب في عدة مواقع الكترونية، مهتم بالصحافة الإستقصائية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى