مقالات خاصة

قصة المستشار ووسام الحمار في زمن حروب البيانات وتفاقم الإنهيار

د طلال حمود- مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود وجمعية ودائعنا حقّنا

أما بعد يا مستشاري الرئاسات والوزراء والإدارات العامة والمؤسسات العامّة والمصارف على أنواعها..
ها قد تحقّق حلمكم بإيصالنا إلى قعر القعر في جهنم، وها نحن قد وصلنا قولاً وفعلاً بفضل جهودكم الجبّارة وأفكاركم النيّرة وشهاداتكم المرموقة في شؤون السياسة والقانون والدستور والاقتصاد والمال والنقد والتكنولوجيا والاتصالات والصحة وعلوم الاجتماع إلى أسفل المراتب فيها… فأصبحنا بفضل استشاراتكم الحكيمة بلا كهرباء وبلا وقود ولا دواء ولا طحين…

أصبحنا نشحذ صفيحة البنزين ونركض ليل نهار وراء علبة الأسبيرين، وحليب الأطفال وربطة الخبز ، ونقف ليل نهار في طوابير الذّل التي زرعتها أيديكم في كل زاوية من زوايا هذا الوطن وفي كل زاروب…نصطف كالأغنام التي يسوقها راعيها إلى الحقل دون أن يرفّ لنا جفن أو نحيد قيد أُنملة عن الخطوط الضيّقة التي رسمتموها لنا… نمشي دون تعثّر كالمخدّرين المسحورين، لا نرفع صوتًا ولا نتفوّه بكلمة لكي لا نزعجكم أو نزعج هناء وأمان وسكون معاليكم…
نسير تماماً وفق الخطوط التي رسمتموها لنا… ولكن وقبل أن تصعد أرواحنا جميعاً إلى السماء هل تسمحون لنا ببضعة كلمات نحكي لكم فيها هذه القصّة التي هي من وحي مكانتكم وفضلكم الكبير علينا، وهي للكاتب التركي عزيز نيسين… كتبها منذ سنوات وهي تليق بكم لأنها غير مُرتبطة بأي زمان أو مكان وهي تنطبق بالتمام والكمال عليكم… سواء أكنتم عند هذا الرئيس أو غيره وعند هذا الوزير أو هذا الزعيم أو هذه المرجعية أو غيرها…
فبعد الاطلاع على المهام المُناطة بكم في جميع الوزارات والإدارات والمؤسسات والأجهزة نجد أن إنجازاتكم في إعداد وتنفيذ البرامج التنموية الاستراتيجية، لم تكن أبداً مجهولة المعالم….وهي تركت آثارها الطيبة في بقعة من بقاع هذا الوطن…بحيث أن الأجيال القادمة لن تنساكم أبداً وسوف تخلّد ذكراكم إلى الأبد، لأنكم ما بخلتم يوماً ما وأعطيتم هذا الوطن أفضل العطاءات وبلا كلل أو ملل وبلا حدود…
فالعفو العفو منكم أصحاب المعالي والمناصب.. هذه شهادة السكارى في حبكم والعاشقين وأما واقع الحال فهو مغاير تماماً لما أنتم عليه…
وإن ما ما أظهرته إيحاءات الانهيار الأخيرة تُشير بقوّة إلى أنّكم كنتم نموذجاً تسبّب بالكثير مما نعيشه اليوم من فساد إداري وهدر للمال العام، ومن قصف متبادل للبيانات والبيانات المُضادة، التي تملأ كل شاشات تلفزتنا ووسائل إعلامنا المكتوبة والمرئية والمسموعة….
اللهم لا حسد ولا اعتراض على ما تقاضيتم من رواتب الولاء ومغانم الصفقات ومن السمسرات والمكافآت والاعتمادات المالية المفتوحة لقاء استشاراتكم كخبراء وطنيين وصمّام أمان القطاع العام وحماة للقانون وللدستور….

أيها المستشارون, تصدّروا اليوم مسرورين, انتم ذخرٌ لأصحاب الفخامة وأصحاب الدولة وللوزراء.. ذخر لإبليس, طابت لكم خزائن المال العام، فاغرفوا منها كما يغرف مرؤوسوكم وأسيادكم ولكن قبل رحيلنا عن هذه الدنيا اسمحوا لنا أن نقول لكم هذه الكلمات للعبرة وللتاريخ وفقط من أجل ذلك وهي قصة تليق لا شكّ بمقامات معظمكم وهي منقولة لكم خصّيصاً من الأدب التركي ونعدكم قطعاً قريباً بالمزيد :

قصة المستشار ووسام الحمار …

جاءت بقرة إلى باب قصر السلطان راكضة ، وقالت لرئيس البوابين : أخبروا السلطان بأن بقرة تريد مقابلته.
أرادوا صرفها، فبدأت تخور، لا أخطو خطوة واحدة من أمام الباب قبل أن أواجه السلطان.

أرسل رئيس البوابين للسلطان يقول: مولانا، بقرة من رعيتكم تسأل المثول أمامكم.

أجاب السلطان: لتأتِ لنرى بأية حال هي هذه البقرة.

قالت البقرة: مولاي، سمعت بأنك توزع أوسمة، أريد وساماً.

فصرخ السلطان: بأي حق؟ و ماذا قدمت؟ ما نفعك للوطن حتى نعطيك وساماً؟

قالت البقرة: إذا لم أعط أنا وساماً فمن يعطى؟!

تأكلون لحمي، و تشربون حليبي، و تلبسون جلدي، حتى روثي لا تتركونه، بل تستعملونه، فمن أجل وسام من التنك ماذا عليّ أن أعمل أيضا؟!

وجد السلطان الحق في طلب البقرة، فأعطاها وساماً من المرتبة الثانية.

علقت البقرة الوسام في رقبتها، و بينما هي عائدة من القصر، ترقص فرحاً التقت بالبغل، و دار بينهما الحديث:

مرحباً يا أختي البقرة.

مرحبا يا أخي البغل.

ما كل هذا الانشراح؟ من أين أنت قادمة؟

شرحت البقرة كل شيء بالتفصيل، و عندما قالت إنها أخذت وساماُ من السلطان، هاج البغل، و بهياجه و بنعاله الأربعة، ذهب إلى قصر السلطان.

وأخذ يصرُخ بباب القصر: سأواجه مولانا السلطان.

ممنوع.

إلا أنه و بعناده الموروث عن أبيه، حرن و وقف على قائمتيه الخلفيتين، وأبى التراجع عن باب القصى، فنقلت الحاشية الصورة إلى السلطان الذي قال: البغل أيضاً من رعيتي، فليأتِ و نرى؟

مَثُل البغل بين يدي السلطان، ألقى سلاماً بغلياً، قبّل اليد و الثوب، ثم قال بأنه يريد وساماً،

فسأله السلطان:

ما الذي قدمته حتى تحصل على وسام؟

فقال البغل : يا مولاي، و من قدم أكثر مما قدمت؟!!!

ألست من يحمل مدافعكم و بنادقكم على ظهره أيام الحرب؟

ألست من يركب أطفالكم و عيالكم ظهره أيام السلم؟

لولاي ما استطعتم فعل شيء.

فأصدر السلطان قراراً، إذ رأى البغل على حق، فقال السلطان: أعطوا مواطني البغل وساماً من المرتبة الأولى،

و بينما كان البغل عائداً من القصر بنعاله الأربعة، و هو في حالة فرح قصوى، التقى بالحمار.

قال الحمار: مرحباً يا ابن الأخ.

قال البغل: مرحباً أيها العم، من أين أنت قادم و إلى أين أنت ذاهب؟

حكى له البغل حكايته،

حينها قال الحمار: ما دام الأمر هكذا سأذهب أنا أيضاً إلى سلطاننا وآخذ وساماً، و ركض بنعاله الأربعة إلى القصر،

صاح حراس القصر فيه، لكنهم لم يستطيعوا صده بشكل من الأشكال، فذهبوا إلى السلطان و قالوا له: مواطنكم الحمار يريد المثول بين أيديكم، هلا تفضلتم بقبوله أيها السلطان؟

قال السلطان: ماذا تريد يا مواطننا الحمار؟

فأخبر الحمار السلطان رغبته، فقال السلطان و قد وصلت روحه إلى أنفه: البقرة تنفع الوطن و الرعية بلحمها و حليبها و جلدها و روثها، وإذا قلت البغل، فإنه يحمل الأحمال على ظهره في الحرب و السلم، وبالتالي فإنه ينفع وطنه..

ماذا قدمت أنت حتى تأتي بحمرنتك و تمثل أمامي دون حياء و تطلب وساماً؟

ما هذا الخلط الذي تخلطه؟

فقال الحمار و هو ينهق مسرورا ً:

رحماك يا مولاي السلطان، إن أعظم الخدمات هي تلك التي تُقدم إليكم من مستشاريكم الحمير، فلو لم يكن الألوف من الحمير مثلي في مكتبكم، أفكنتم تستطيعون الجلوس على العرش؟!

هل كانت سلطتكم تستمر لولا الحمير؟!

و كذلك لو لم تكن رعيتكم من الحمير، لما بقيت في الحكم يوما واحدا.

عندها أيقن السلطان أن الحمار الذي أمامه على حق، ولن يستحق وساما من التنك كغيره، وإنما نفتح له خزائن الاسطبل، ليغرف منها كما يغرف غيره من الحمير…!!!

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى