محليمقالات

لهذه الأسباب وصف بري الأشهر المقبلة بالصعبة على البلد

“النهار”- عباس صباغ

منذ تشرين الأول عام 2019 بات لبنان أسير الأزمات المتفاقمة بعد أن استهلكت منظومته الحاكمة كل الوعود بـ”ربيع زاهر”، وأحالته الى شتاء مكفهرّ لم يعد في استطاعة غالبية اللبنانيين تأمين وسيلة للتدفئة من برده، وسيصل الأمر الى استجداء رغيف لسدّ الجوع بعد انهيار متسارع لأبسط مقوّمات دولة الرعاية الاجتماعية.

في حمأة انشغال لبنان بضيفه الاميركي الخبير بشؤون الطاقة آموس هوكشتاين لإبلاغه اقتراحاً رسمياً للحفاظ على الثروة الغازية والنفطية، زار قائد الجيش العماد جوزف عون رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة. صحيح أن تلك الزيارة ربما كانت مقررة قبل عودة الوسيط الأميركي ولكن بعض ما قاله بري لقائد الجيش كان يختصر أحوال البلاد والعباد.

فرئيس المجلس، لدى إجابته عن سؤال عن عن صحّته أجاب “صحتي منيحة بس صحة البلد مش منيحة أبداً”. لم تكن تلك العبارة عابرة في توقيت هو الأصعب في بلد لم يعد فيه “شيء منيح”. فالدولة تعاني من ترهّل مؤسساتها وإداراتها بدءاً من الوزارات وصولاً الى أصغر المصالح المستقلة مروراً بالمديريات العامة والمؤسسات كافة.

إضراب القطاع العام مؤشر بسيط على الترهّل التام.

لا يعدو لبنان سوى بلد العجائب والتناقضات، فبالرغم من أن قانون الموظفين الصادر بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 112 في حزيران 1959 يمنع إضراب الموظفين العموميين، فإن الإضراب بات مشرعاً بحكم الواقع الذي تفرضه الأزمات المتواصلة في البلاد ولم يعد في مقدور المؤسسات الرقابية أن تحاسب موظفاً لأنه امتنع عن تأدية واجبه ومنع بالتالي استمرارية المرفق العام. السبب بسيط جداً فموظفو الهيئات الرقابية هم أيضاً من الموظفين الذين فقدوا قدراتهم الشرائية وبالتالي باتت أحوالهم أسوة بكل من فقد السبل للاستمرار في تأمين قوت أطفاله.

ربما نص المرسوم الاشتراعي أطيح منذ عقود ليس فقط لجهة الإضراب بل لجهة الانتماء الحزبي، وباتت القاعدة منذ 1992 على سبيل المثال، تقول “من ليس حزبياً فلن يحصل بسرعة على وظيفة عمومية دسمة أو حتى عادية”.

وبالعودة الى كلام بري عن الأوضاع السيئة، فإن رئيس المجلس تابع حديثه متوجّهاً للعماد عون “أمامنا أشهر صعبة، ولا نعرف كيف سنخرج منها”. كلام بري يتقاطع مع تحذير الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من أن الفوضى الاجتماعية قد تصل الى توتير أخطر من الحرب الأهلية.

الى ذلك حذر مرجع أمني عبر “النهار” من مخاطر الأزمة الاقتصادية ولفت الى “أن التدهور الاقتصادي المعيشي سيصل في نهاية المطاف الى الفوضى بما فيها من ارتدادات على الأوضاع الأمنية”.

الخشية من الوصول الى تلك المرحلة بعيداً من التهويل، فكل ما يجري في أكثر من منطقة يشي بأن الارضية الخصبة لعدم الاستقرار تختمر. وليست فاجعة زورق الموت في الشمال في 25 نيسان الفائت سوى إشارات خطيرة على من غامر بحياته عبر البحر الغاضب للوصول الى بر الأمان الأوروبي. وليس من تفسير منطقي لسماح والد لأطفاله ووالدتهم الحامل بالإبحار في رحلة محفوفة بالمخاطر سوى أن درجة اليأس لدى معظم اللبنانيين وصلت الى مستويات غير مسبوقة. وفي السياق ليس التوتر والانفعال الفائق الخطورة المتنقل في المناطق وسقوط ضحايا لأسباب تافهة سوى مرآة لحالة اليأس المتفشية بين اللبنانيين، وجاء رفع الدعم الكلي عن أدوية الاعصاب ليزيد من تخبط اللبنانيين.

فكل المتابعين للأوضاع الداخلية وتشعباتها الخارجية يجمعون على فوضى اجتماعية غير مسبوقة ستعمّ البلاد بعدما اجتاز اللبنانيون “همروجة الانتخابات” بما ضخته من سيولة في السوق سواء عبر تقديمات اجتماعية سبقت اقتراع الناخبين أو من خلال رشى انتخابية.

أسباب تلك الفوضى لم تعد خافية، مع الارتفاع المستمر في أسعار المواد الأساسية من غذاء ودواء ومحروقات وصولاً الى تراجع هائل في الخدمات، ولم يعد تعدادها يجدي لأن من الأفضل ربما تعداد ما يحصل عليه غالبية المواطنين، وهو الأسهل لأن ذلك محدود جداً. وفي المحصلة، لا آمال تُعلق على خطط للإنقاذ، وخير دليل سيكون عصر الخميس مع نتائج الاستشارات النيابية الملزمة وما سيرافقها من مواقف لن تقدّم أيّ شيء ملموس للتخفيف من تداعيات الأزمات، لأنه ببساطة لا يهم اللبنانيين من سيتولى هذه الوزارة أو تلك بعدما باتت كل التقديمات والخدمات أثراً بعد عين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى