محليمقالات

عون يؤجل الاستشارات بذريعة “ميثاقية”

كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”: 

فوجئ عدد من النواب لدى سؤالهم الدوائر المعنية في القصر الجمهوري عن الأسباب الكامنة وراء عدم دعوة رئيس الجمهورية ميشال عون النواب للاشتراك في الاستشارات النيابية المُلزمة لتسمية الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة بالجواب الذي أبلغتهم إياه بأن هناك إشكالية ميثاقية يمكن أن تؤخر توجيه الدعوة لهم، وتتعلق بأن «الثنائي الشيعي» وحلفاءه يميلون إلى تسمية من يتولى تشكيلها مع أنه يفتقد إلى الميثاقية بذريعة أن الكتل المسيحية في البرلمان على اختلاف انتماءاتها ليست في وارد تسميته.

ورأى هؤلاء النواب أن الدستور وإن كان لا يُلزم رئيس الجمهورية بمهلة زمنية تفرض عليه دعوة النواب للاستشارات النيابية المُلزمة، وهذا ما ينسحب أيضاً على الرئيس المكلف الذي ليس مُلزماً بمهلة زمنية لتشكيل الحكومة، فإن الظروف السياسية الاستثنائية التي يمر بها البلد لا تحتمل الإبقاء على حكومة تصريف الأعمال، وأن الحاجة ملحة لتأليف حكومة كاملة الأوصاف لإنقاذه في ضوء الإجماع المحلي والدولي على أنه يقف على حافة الانهيار.

ولفت النواب أنفسهم لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عون باشتراطه على الرئيس المكلف بأن يحظى بتأييد لا يفتقد، كما يدعي الفريق السياسي المحسوب عليه إلى الميثاقية، يريد أن يستبق الاستشارات المُلزمة بإصداره الأحكام على النيات بالنيابة عن الكتل النيابية، وهذا ما يؤدي إلى حشره في الزاوية لأنه لا يحق له وضع شروط على الإرادة النيابية والاستعصاء سلفاً على ما ستقرره هذه الكتل في الاستشارات.

وأكدوا أن عون أوجد بدعة جديدة ربما لتأخير دعوته النواب للاستشارات المُلزمة بعد أن استمزج آراء بعض الكتل النيابية التي رفضت مجاراته في البحث عن شخصية يوكل إليها تأليف الحكومة تكون بديلة عن الرئيس نجيب ميقاتي الذي لا يزال يعتبر الأوفر حظاً لتشكيلها، ورأوا أنه يطلق يد وريثه السياسي رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل للإمساك بملف تشكيل الحكومة بعد أن اصطدم برفض ميقاتي الاستجابة لشروطه.

واعتبروا أن باسيل بدأ يتصرف في ملف تشكيل الحكومة على أنه هو أو لا أحد، وهذا ما يفسر إصراره على القيام بمشاورات لعله يتمكن من تسويق شخصية نيابية أو من خارج البرلمان لتولي رئاسة الحكومة، مستفيداً من الغطاء السياسي الذي منحه له عون لعله يفرض من يرشحه كأمر واقع، برغم أنه يدرك سلفاً بأنه يقف أمام مهمة مستحيلة لأن «الثنائي الشيعي» يتموضع سياسيا في مكان آخر ومعه عدد من النواب المحسوبين على قوى 8 آذار.

وسأل هؤلاء النواب كيف يسمح باسيل لنفسه بأن يقحم البلد في مغامرة سياسية ليست محسوبة النتائج؟ وهل يظن أن الظروف المحلية والدولية مواتية له لفرض شروطه فيما يستعد عون لإخلاء القصر الجمهوري فور انتهاء ولايته الرئاسية في 31 تشرين الأول المقبل؟ خصوصاً أنه لم يعد في الموقع السياسي الذي يسمح له بأن يدير البلد بدفتر الشروط الذي يضعه صهره! كما سألوا: من أين استمد عون معطياته ليقول سلفاً وإن بلسان فريقه السياسي بأن هناك إشكالية في حال أرادت الأكثرية النيابية تسمية ميقاتي لتشكيل الحكومة العتيدة؟ وهل تبلغ بمواقف الكتل النيابية ذات الغالبية المسيحية؟ أم أنه أراد التعامل مع كتلته النيابية على أنها الممثل الشرعي والوحيد للمسيحيين في البرلمان؟

فرفض عون تولي ميقاتي تشكيل الحكومة، وإن كان صدر عن باسيل بعد أن فقد الأمل في إخضاعه لشروطه واستحال عليه تطويعه، سيدخله في اشتباك سياسي من العيار الثقيل ليس مع مؤيدي رئيس حكومة تصريف الأعمال فحسب، وإنما مع القيادات السنية الرافضة لمصادرة موقعها الأول في الدولة من قبل عون وصهره، خصوصاً أنهما يفتقدان إلى أوراق الضغط للمجيء برئيس للحكومة بأي ثمن.

وفي هذا السياق، نقل نواب عن مصدر نيابي بارز أن عون لا يريد التعاون مع ميقاتي برغم أن استمزاجه لآراء حلفائه لم يكن مشجعاً له للمضي في خياراته استجابة لرغبة باسيل، وأن هناك صعوبة في إقناع معظم الكتل النيابية بتبني من نجح في امتحان الدخول إلى رئاسة الحكومة في مقابلته مع باسيل، وبالتالي قد يضطر للإبقاء على حكومة تصريف الأعمال، وهذا ما يضعه في مواجهة قد تتطور إلى اشتباك سياسي مع المجتمع الدولي.

وكشف المصدر النيابي لـ«الشرق الأوسط» أن مرحلة ما بعد إجراء الانتخابات النيابية كانت موضع اهتمام دولي وعربي، وهذا ما تبين من خلال تحرك سفيرتي الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو باتجاه أبرز القيادات السياسية رغبة منهما في الوقوف على مقاربتهم لهذه المرحلة، وما يمكن أن تحمله من متغيرات تفعل فعلها في إعادة الاعتبار للمشروع الإنقاذي للبلد الذي لا يزال عالقاً أمام تفعيل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي بشرط أن تتلازم بإقرار الإصلاحات للانتقال به إلى مرحلة التعافي المالي والاقتصادي.

وأكد أن السفيرتين قامتا بجولات استطلاعية لاستكشاف ما يمكن القيام به بعد إنجاز الاستحقاق الانتخابي على قاعدة الحفاظ على الاستقرار، وقال بأنهما تبلغتا صراحة بأن هناك مجموعة من الشروط من غير الجائز القفز فوقها لأن الاستقرار ليس محصوراً بالأمن ما لم يدعم بتوفير الحد الأدنى من الأمن الغذائي. ولفت المصدر النيابي إلى أن السفيرتين شيا وغريو أيدتا وجهة النظر القائلة بأن الحفاظ على الاستقرار لن يتأمن بتشكيل حكومة جديدة مدعومة ببرنامج متكامل لوقف الانهيار، وقال بأن مجرد وجود حكومة لملء الفراغ كبديل عن حكومة تصريف الأعمال لا يفي بالغرض المطلوب ولن يقدم أو يؤخر للانتقال بالبلد إلى مرحلة التعافي.

وأشار أيضاً إلى أن القيادات التي التقت شيا وغريو شددت على ضرورة توفير الشروط للمجيء بحكومة قادرة والتي لن تتأمن ما لم يقر عون بأن هناك ضرورة للتخلي عن عناده ومكابرته اللذين أوصلا البلد إلى أزمة كارثية، مع أن بعضها ترك الباب مفتوحاً في ردهم على سؤال السفيرتين حول مدى استعدادهم للمشاركة في حكومة مهمة غير الحكومات السابقة اعتقاداً منها بأن للمشاركة شروطا أولها عدم المجيء بحكومة خاضعة لـ«حزب الله» وفاقدة للسيطرة على كافة الأراضي اللبنانية.
وأكد رفض القيادات إياها للمجيء بحكومة تشكل امتداداً للحالية، ونُقل عن شيا وغريو قولهما بأن الحكومة الجديدة ستعمل على وقف الانهيار، وأن الانتخابات الرئاسية يمكن أن تشكل أول محطة للتغيير، ويجب أن تحصل مهما كلف الأمر.

المصدر
الشرق الاوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى