إقتصادمحلي

خبراء وجّهوا مذكّرة إلى النوّاب حيال خطّة النهوض بالقطاع المالي

أقرّ مجلس الوزراء خطّة الحكومة للتعافي المالي والاقتصادي، وضمّنها وثيقة بعنوان “استراتيجية النهوض بالقطاع المالي”. جاء في هذه الوثيقة أن رأس المال السلبي في مصرف لبنان يقدّر، حسب التقديرات الأوّلية، بمبلغ يزيد عن 60 مليار دولار، وهو يمثّل الفجوة بين موجودات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية والتزاماته تجاه المصارف بهذه العملات، فيما تقدّر الخسائر الإجمالية في القطاع المصرفي بمبلغ 70 مليار دولار.

واقترحت الخطة، بداية، إلغاء جزء كبير من التزامات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية تجاه المصارف لخفض العجز في رأس مال المصرف وإصدار سندات سيادية بقيمة 2،5 مليار دولار أميركي، يمكن زيادتها إذا اتّسق ذلك مع قدرة الدولة على تحمّل الديون، كما تعهّدت بإعادة رسملة داخلية كاملة للمصارف، ما يعني ضمناً تحويل قسم كبير من الودائع إلى أسهم و/أو تحويل ودائع بالعملات الأجنبية قسراً إلى #الليرة اللبنانية بأسعار صرف تختلف عن سعر الصرف في سوق القطع.

ويبدو واضحاً أن الغاية هي تحميل المودعين الجزء الأكبر من خسائر النظام المالي، علماً بأن مسؤولية الانهيار الاقتصادي والمالي الكبير تتحمّلها في الدرجة الأولى السياسات المالية للحكومات المتعاقبة، التي فاقمت عجوزات الموازنة على مرّ السنين. كما يتحمّلها مصرف لبنان الذي أسهم في تمويل هذه العجوزات مع كلّ سلبياتها الاقتصادية، والمصارف التجارية التي وظّفت لدى المصرف المركزي نسبة كبيرة من موجوداتها طمعاً بالأرباح الاستثنائية التي كانت تحصل عليها.

ولتلافي معالجة الفجوة المالية القائمة عن طريق الشطب التعسّفي للديون على ما ورد في الخطة، وجّه 9 من خبراء الاقتصاد والقانون مذكّرة الى النوّاب الجدد (أستاذ الاقتصاد ووزير سابق للاقتصاد والتجارة سمير المقدسي، أستاذ الاقتصاد وزير سابق للمالية جورج قرم، الوزير السابق للخارجية ناصيف حتّي، الوزير السابق لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني، أستاذ الماليّة العامّة والنائب السابق لحاكم مصرف لبنان غسّان العيّـاش، أستاذة إدارة الأعمال لينا التنّير، المستشار القانوني عادل معكرون، الاقتصادي ومدير المركز اللبناني للأبحاث والدراسات الزراعية رياض سعادة، المستشار الاقتصادي روجيه ملكي) أوردوا فيها مقترحاتهم، خصوصاً أن الخطّة تركت الباب مفتوحاً لإلغاء كامل التزامات المصرف المركزي تجاه المصارف سواء عن طريق شطبها بالكامل أو تحويل الودائع بالعملات الأجنبية في المصارف إلى الليرة اللبنانية قسراً وتصفير رساميل المصارف، مما يشكّل انتهاكاً لحقوق الملكية الخاصّة التي كفلها الدستور.

وإن شطب وإلغاء هذه الديون، كما ورد في الخطة، قد يؤدّي في رأيهم الى إفلاس المصارف العاملة في لبنان قبل المباشرة في الإصلاح المصرفي الموعود ويضع المصارف بمواجهة المودعين، بالرغم من أن الودائع قد جرى توظيفها لدى المصرف المركزي والدولة، وهما المسؤولان الرئيسيان عن طريقة استعمالها. كما أن تصنيف المصارف بين قابلة للاستمرار وغير قابلة للاستمرار يعني عدم احترام قاعدة التساوي بين المودعين، لأن أصحاب الودائع في المصارف القابلة للاستمرار وفقاً للتحديد المعتمد في الخطة سيستردّون جزءاً من ودائعهم عن طريق الـ Bail in بينما أصحاب الودائع في المصارف غير القابلة للاستمرار لن يتمكّنوا من استرداد أيّ جزء من ودائعهم، لأنّ هذه المصارف ستُعتبر بحكم المتوقفة عن الدفع”

وحذروا من أن “هذه الإجراءات ستدفع المدّخرين في المستقبل إلى تجنّب إيداع أموالهم في المصارف اللبنانية وخفض حجم الأموال الوافدة إلى لبنان، مع ما لذلك من انعكاسات سلبية على النموّ الاقتصادي”.

بدلاً من ذلك، اقترحوا “اعتماد مقاربة أخرى لردم الفجوة الكبيرة في ميزانية المصرف المركزي تحافظ على الميزة التفاضلية للاقتصاد اللبناني، كاقتصاد منفتح، وتساعد على عودة تدفّق رؤوس الأموال الخارجية إلى لبنان بعد أن تؤدّي التدابير الإصلاحية مفاعيلها”.

أما الطريق الأسلم والأفضل لصيانة حقوق المدّخرين والحفاظ على مستقبل النظام الاقتصادي اللبناني، فيكمن في رأيهم “في اعتراف مصرف لبنان بديونه بالعملات الأجنبية والالتزام بتسديدها بنفس العملة في آجال محدّدة خلال السنوات المقبلة، ضمن جدول زمني معلن وذي صدقية. ويمكن إعادة النظر في هذا الجدول الزمني تباعاً في ضوء تطوّر الوضعية المالية لمصرف لبنان”.

مقابل ذلك، وبالتوازي مع الإصلاح المصرفي، “ينبغي على المصارف وضع جدول زمني موازٍ لتسديد ودائع زبائنها بالعملات الأجنبية، بما يحافظ على مصداقية نظامنا المصرفي وثقة المدّخرين اللبنانيين وغير اللبنانيين بمؤسّساته”، وفق ما جاء في المذكرة.

وإذ كانت المذكّرة لم تتطرّق إلى موضوع حيوي وأساسي و”هو كيفية تأمين السيولة بالعملات الأجنبية لكي يتمكّن مصرف لبنان، ومن ثم المصارف، من التعهّد بإعادة أموال المودعين إلى أصحابها ضمن جدول زمني محدّد، وستكون هذه المسألة موضع بحث في مذكّرة مستقلّة لاحقة”، بيد أنهم اعتبروا أن “مساهمة الدولة في الحلّ عن طريق صندوق تضامن، وتوقيع اتّفاق مع صندوق النقد الدولي من شأنهما إعادة الثقة بالنظام المالي اللبناني واستئناف التدفّقات المالية الخارجية إلى لبنان من مصادر متنوّعة”.

إلى ذلك، اقترح معدّو المذكّرة على السلطات اللبنانية اعتماد بعض أو كلّ الإجراءات الآتية:
– فرض ضريبة تصاعدية استثنائية على الفوائد المقبوضة خلال فترة 2017-2019، عندما أدّت سياسة مصرف لبنان إلى رفع الفوائد على الودائع في لبنان إلى مستويات تفوق كثيراً مستويات الفوائد في الأسواق العالمية.

خلق صندوق للتضامن تديره مجموعة مستقلة ذات خبرة، يتولّى إدارة بعض موجودات الدولة (لا بيعها)، وتسهم عائداته جزئياً في تسديد ديون مصرف لبنان للمصارف، بما يمكّن المصارف من برمجة تسديد ودائع زبائنها. ويمكن الاعتماد على مصادر أخرى كالهبات لتعزيز مالية هذا الصندوق.

– تحديد فترة معيّنة لتسديد الودائع خلال سنوات عدّة، على أن يعاد النظر في هذه المدّة بعد سنة من بدء تنفيذ خطّة التعافي.

وأوضحوا أن “هذه الخطوات كفيلة بجعل برنامج الإصلاح المالي أشدّ وضوحاً وأكثر قدرة على تحقيق أهدافه، وإقناع المودعين بالعملات الأجنبية في المصارف بأن ودائعهم موضع رعاية واهتمام، وأن بمقدورهم استعادتها خلال فترة زمنية محدّدة. فالبرنامج الواضح والموثوق للإصلاح المالي يشجّع استئناف التدفّقات المالية إلى لبنان، ويسهّل إعادة هيكلة المصارف عن طريق تشجيع وتسهيل وصول الرساميل الجديدة إليها”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى